تشهد أغلبية محلات شوارع العاصمة، هذه الأيام، أشغال إعادة التهيئة وتغيير الواجهات وتوحيدها، هدفها، كما يقول المسؤولون، "رد الاعتبار للعاصمة". وقد سطرت الجهات الوصية، في هذا الصدد، برنامجا يقضي بتوحيد واجهات المحلات وإعادتها إلى ما كانت عليه بعد الاستقلال، لكن هذه التعليمات أخلطت، بالمقابل، أوراق التجار وجعلتهم يدخلون في سباق مع الزمن ودوامة، بسبب ما أسموه "الضغوط" الممارسة من قبل اللجنة المكلفة بمراقبة المشروع. الزائر لشارع ديدوش مراد والعربي بن مهيدي، يلمح للوهلة الأولى ورشات العمل المفتوحة، حيث قام أصحاب المحلات بنزع أسقف القديمة ووضع الرخام بالواجهة، بالإضافة إلى طلاء المحلات بالأبيض والأسود. وعند تقربنا من أحد باعة المجوهرات بشارع ديدوش مراد، قال لنا إن "الجهات المحلية وبالخصوص اللجنة المكلفة بمراقبة مشروع إعادة توحيد واجهات محلات العاصمة، أصبحت تمارس علينا ضغوطا كبيرة، رغم أن هذه الجهات لا علاقة لها بالبناء والتعمير" . أما محمد صاحب محل آخر، فقال إنهم أصبحوا اليوم يتلقون تعليمات من قبل أشخاص يزورون المحلات أربع مرات في اليوم، وأكد أن هؤلاء المكلفين بمراقبة المشروع يجبرونهم على وضع أشياء جد مكلفة. وأضاف محدثنا، في هذا الصدد، أن هذا المشروع تسبب له في خسارة كبيرة، بسبب غلق المحل وتحويله إلى ورشة بناء، مشيرا إلى أنه لم يجد بناء إلا بشق الأنفس. ومن بين المحلات التي وقفنا عليها أيضا، محل لبيع الملابس الذي انتهت به الأشغال وأعاد صاحبه فتح الأبواب للزبائن،وحين اقترابنا منه قال إن الشروط التي فرضتها السلطات المحلية لولاية الجزائر، وبالأخص بلدية الجزائر الوسطى من خلال دفتر شروط محدد، كلفهتم أعباء كبيرة،خاصة أن المصالح المعنية رفضت الواجهة مرتين بحجة أنها غير مطابقة للمعايير، وهو الأمر الذي كلّف صاحب المحل خسارة 50 ألف دينار فقط على الواجهة، ناهيك عن إلزامية وضع الستارة الحديدية التي تحتوي على ثقوب ينبعث منها الضوء، الذي طُلب من التجار إبقاؤه مشتعلا طول الليل، كما كشف عن اضطراره لتغيير لون الرخام المستعمل في الجهة السفلية للواجهة من الرمادي إلى الأسود، مع تحديد ارتفاعه بحوالي متر ونصف.
محلات مفتوحة ليلا في غياب الشروط من جانب آخر، أشار العديد من التجار الذين زارتهم "الخبر"، إلى أن التعليمات تشير إلى إلزامية تمديد ساعات العمل إلى الساعة الواحدة ليلا، الأمر الذي رفضه جميع من تحدث ل"الخبر"، وذلك لأسباب تتعلق بالأمن، يقولون، إلى جانب التوقف المبكر لوسائل النقل التي يجب على السلطات المحلية أن تضمنها. وقال أحد بائعي الأحذية إنه يمكنه ضمان النقل للعمال، لكنه لا يمكن أن يضمن ذلك لزبائنه، ما يؤكد أن مسألة إعادة الحياة للعاصمة ليلا تتطلب اتخاذ العديد من الإجراءات، بل وتدخل مختلف القطاعات المعنية للقضاء على العراقيل التي غيّبت ثقافة الخروج ليلا. كما قال أحد التجار إن إنجاح هذا المشروع لا يقف على الكلام فقط كما يفعل مسؤولونا، فلابد من توفير فضاءات للسكان والزوار، كقاعات السينما والمسرح والمحلات وقاعات الشاي والمقاهي التي لا تزال تغلق أبوابها مبكرا.
لماذا اللونان الأبيض والأسود؟ خلال الجولة التي قادتنا إلى شوارع العاصمة، طرحنا سؤالا عن سر اختيار اللون الأبيض والأسود في الطلاء الذي استعمله التجار، خاصة أن مدن البحر المتوسط تتميز عن غيرها من باقي مدن العالم باستعمالها اللونين الأزرق والأبيض، وهنا كان لكل تاجر رأيه الخاص، إذ علق صاحب محل للمجوهرات أن المسؤول يناصر وفاق سطيف، باعتبار هذا الفريق يحمل اللونين المذكورين. أما تاجر آخر، فقال إن هذا المشروع حتما سيلقى نفس مصير المشروع الذي سبقه منذ 8 سنوات، بعد أن تم طلاء العاصمة بالأزرق والأبيض. أما صاحب محل للملابس، فقال إن والي العاصمة محمد الكبير عدو قام بزيارة إلى العاصمة الفرنسية باريس وانبهر باللونين الأسود والأبيض، فطلب من رئيس البلدية طلاء العاصمة بنفس اللون، مشيرا إلى أن هذا الأخير يمارس ضغوطا كبيرة من أجل استعمال طلاء موحد. كما أشار تاجر آخر إلى أنه وجّه السؤال إلى أحد المكلفين بالمشروع فأجابه أن اللون الأبيض من أجل إنجاح مشروع الجزائر البيضاء، أما الأسود فهو من أجل أن لا تتسخ جدران المحلات مثلما كانت تعرفه سابقا.
بطاش: "نسعى لإعطاء وجه جديد للعاصمة" وقصد معرفة تفاصيل أكثر عن جملة التساؤلات التي رصدناها من عين المكان، زارت "الخبر" رئيس بلدية الجزائر الوسطى، السيد عبد الحكيم بطاش الذي أكد لنا أن مصالحه وضعت برنامج عمل لإعادة الحياة إلى العاصمة التي تتحول إلى "المدينة الشبح" بعد السادسة مساء، مشيرا إلى أن البرنامج سطر من قبل الوالي منذ 2008، وهدفه إعطاء وجه جديد للعاصمة من خلال النشاطات المختلفة والفضاءات المفتوحة بشوارع العربي بن مهيدي، ديدوش مراد والخطابي، فضلا عن تمديد العمل إلى ساعات متأخرة من الليل بالنسبة للنقل. وذكر المتحدث أن تاريخ 30 جوان سيكون آخر أجل لانتهاء تهيئة المحلات، على أن يتم غلق المحلات التي لم تستجب لهذا الإجراء وتعرقل مشروع عصرنة العاصمة.