محمد مرسي تعامل كرئيس حزب ممنوع لا كرئيس دولة يعطي مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف، حسني عبيدي، قراءة في المشهد السياسي المصري بعد عزل الرئيس المصري، ويقول إن الجيش في مصر اختار المقاربة الجزائرية على التركية، مع إجراء بعض التنقيحات عليها، مبرزا في المقابل بأن الإخوان يدركون جيدا أن العمل السياسي وحده من أوصلهم للحكم على خلاف العمل المسلح. استعرض صاحب كتاب “إلى أين يتجه العالم العربي؟ وما هي رهانات التحول؟” في هذا الحوار مع “الخبر”، تأثيرات الأحداث الجارية في مصر على العمل السياسي الإسلامي وتأثيرات ذلك على دول الربيع العربي وحركة حماس، وعلاقة دول الخليج وقطر والولايات المتحدة بمصر في عهد مرسي وما بعد مرسي. أي قراءة يمكن إعطاؤها للمشهد في مصر؟ الحالة المصرية تشهد اليوم استقطابا منقطع النظير، تعززه حقيقة أن المشهد السياسي ما زال محتكرا من قبل القوتين السياسيتين الوحيدتين في مصر منذ انقلاب سنة 1952، كما أن إدارة الجيش لمرحلة بعد سقوط مبارك ووصول مرسي كانت رديئة وأدت إلى شلل سياسي وإفلاس اقتصادي وغضب اجتماعي، من شأنه تقويض استقرار مصر. فعلا، كانت مصر متجهة نحو نفق مظلم دون أن يكون للإخوان مخرجا لمعضلتهم الاقتصادية وتعثرهم السياسي. لم ينجح التيار الإسلامي نتيجة الإقصاء في بناء إطارات إدارية وفنية واقتصادية كافية لتدبير شؤون البلد. القطيعة مع الإطارات السابقة تحت مسمى الفلول، جلب لهم استعداء جيش من الإطارات هم قاطرة مصر. عزل الرئيس السابق محمد مرسي أعاد الجيش إلى الواجهة الأولى بعد صدمة فوز الإخوان في الرئاسيات. وجدت المؤسسة العسكرية المصرية نفسها أمام خيارين: المقاربة التركية، وهي ترك الإسلاميين في السلطة على أمل تعويضهم وجعلهم أكثر واقعية، أو المقاربة الجزائرية “إيقاف المسار الديمقراطي أو انهيار البلد”. يبدو أن المرجعية الجزائرية أثرت على القيادة العسكرية، لكن بعد تنقيحها وخلق مبررات التدخل ليكون مطلبا شعبيا وليس رغبة عسكرية. بخروج الإخوان من الحكم، في مصر، كيف تتصورون تنظيم الإخوان في المستقبل؟ ومستقبل التيار الإسلامي في مصر؟ من الجنون أن يدخل التنظيم في حرب مفتوحة مع الجيش والمؤسسات الأمنية، لأن ذلك يعني النهاية السياسية والحزبية للتنظيم. صحيح أن التنظيم يحتوي على اتجاهات عدة، منها من يريد الحفاظ على مبدأ المشاركة، ومنها من يدعو إلى هجرة العمل السياسي والتشدد في المواقف. كما أن راديكالية التنظيم تصب في خانة استبعادهم نهائيا، وتبرير التضييق على الحريات وعلى العمل السياسي بحجة التطرف والإرهاب. عقلاء الإخوان يعلمون جيدا أن خلال 80 سنة من التعايش والمواجهة، فقط الانتخابات مكنت الحزب من الوصول إلى السلطة والاستحواذ عليها. العسكر من جهته، مطالب بالحرص على عدم التدخل المباشر في إدارة المرحلة الانتقالية، وعلى إشراك الإسلاميين فيها بعد تقنين وضع الإخوان لأجل عزل التيار المتشدد وإضعاف مبرر محاربة السلطة. مواقف دول الخليج، وعلى رأسها العربية السعودية والإمارات، كانت مع عزل مرسي، وكثير من المتتبعين تحدثوا عن دور خليجي في ما تشهده مصر، ما حقيقة الدور الخليجي في تقديركم؟ حزب الحرية والعدالة لم يستطع التخلص من تبعية غامضة للإخوان المسلمين الذين لم يتخلوا عن فكرة تصدير أفكارهم ورؤيتهم لدول الخليج. أي أن مرسي واصل سلوك الحزب الممنوع والمضطهد، وليس رئيس الدولة ذات المصالح. دول الخليج التي تأوي جالية مصرية معتبرة، تخشى من وصول عدوي التغيير، خاصة وأن تنظيم الأخوان يعمل على أراضيها منذ عقود. إضافة إلى أن الرئيس السابق مبارك، كان مقاولا وفيا للرياض ودول خليجية أخرى وفتح أبواب مصر أمام رأس المال الخليجي، وهي لم تقبل بخلعه من السلطة. ولذلك، دعمت ماديا المرشح الرئاسي أحمد شفيق ضد مرسي، مما زاد من تفاقم الأزمة وبقيت على صلة برجالات النظام السابق إلى اليوم وساهمت ماديا وإعلاميا في حملة قوية ضد الإخوان. في المقابل، قطر من بين أكبر الخاسرين في سقوط مرسي، ما الذي خسرته قطر من ذلك؟ من المفارقة أن التغيير في قطر سبق التغيير في مصر، وكأن القيادة القطرية استبقت الأحداث وفهمت أن لكل مرحلة رجالها. قطر دعمت ما بعد مبارك ودعمت مسار الانتخابات على كل الأصعدة، خدمة لمصالحها ونظرا للمنافسة الخليجية على كسب مصر التي كانت في وقت مبارك ملتصقة بمواقف الرياض وأبوظبي والكويت، ومتعالية على الدوحة. القيادة الجديدة في مصر، لا يمكن لها أن تدير ظهرها للدوحة لأسباب عدة: - علاقات الدوحة القوية مع قيادات الإخوان، مما يرشحها للعب الوسيط بين الطرفين في ظل التشنج الحالي. - القوة الاقتصادية الضاربة لقطر ودورها في خفض العجز المخيف في موازنة مصر، ووقف الانهيار الاقتصادي. - قدرة الأمير الشيخ تميم في التأقلم مع التغيرات الجديدة في مصر والتعايش مع الظروف السياسية الجديدة. وما هي قراءتكم للموقف الأمريكي؟ واشنطن بين موقفين: مبدأ دوغماتي يرفض تدخل الجيش في الحياة السياسة، ومبدأ العلاقة الإستراتيجية القوية مع المؤسسة الأكثر استقرارا، وهي الجيش، نظرا للدور المهم الذي يضطلع به الجيش في تأمين الاستقرار الحدودي مع قطاع غزة، وفي دور الوساطة بين حماس والسلطة الفلسطينية. أمريكا في عهد أوباما لم تعد لاعبا فاعلا، بقدر ما أصبحت مواكبا للتغيرات. أوباما لديه نزعة انعزالية وشبح الفشل في أفغانستان والعراق يحدد سياسته الخارجية. التردد الأمريكي يرجع للتعويل الأمريكي الساذج على ما تسميه الإسلام المعتدل لمحاربة الإسلام المتطرف، وعلى قدرة الإسلاميين في ضبط الشارع. لكن قوة أمريكا تكمن في تغيير موقفها وفقا لموازين القوى على الأرض، وقدرتها الفائقة في التقرب مع الطرف الأقرب إلى مصالحها. ما تأثير عزل مرسي على حركة حماس في المنطقة؟ عقائديا، خروج مرسي من الحكم انتكاسة لحماس وللحكومة المقالة، خاصة في علاقاتها المتشنجة مع فتح ومع محمود عباس. كما أن قرار مرسي فتح الحدود مع القطاع كان له وقع إيجابي كبير لدى الفلسطينيين. في نفس الوقت، لم يتغير الطاقم العسكري المصري في المخابرات منذ مبارك، والذي يتولى التفاوض مع حماس، وبالتالي فإنه بعد مرور فترة الصدمة تعود حسابات المصلحة لتحكم العلاقات بين الطرفين، خاصة وأن الحكم الجديد بعد مرسي لا يريد أن يخسر التعاطف الفلسطيني والعربي. وما التأثير الذي جرى في مصر على دول الربيع العربي، وعلى مستقبل الحركات الإسلامية التي تسعى للوصول إلى السلطة؟ نحن أمام مخبر مفتوح لعمليات الانتقال الديمقراطي في العالم العربي. تعثرها لا يعني فشل الربيع العربي، بمعنى أن الانتقال هو في الأصل مسار هش، صعب وغير مضمون النتائج. الحدث المصري يثبت أن وصول الإسلاميين لسدة الحكم لا يعفيهم من حق المساءلة وقبل الموعد. الإسلام السياسي فشل في العبور من الإسلام إلى السياسة. من الشعار الانتخابي إلى الممارسة السياسية. من المعارضة إلى إدارة السلطة، لكن القيمة المضافة في الحالة المصرية تكمن في أنها قدمت خدمة للإسلام السياسي في العالم العربي، تتمثل في ضرورة تقاسم السلطة بناء تحالفات والتفاوض المستمر مع تقديم التنازلات. الحدث المصري أثبت أن إدارة المرحلة الانتقالية دون البدء بمسألة الميثاق التوافقي، الجمعية الدستورية والدستور التوافقي، هدر للجهد وعبث بمصالح الوطن. الدستور هو المؤسسة الأكثر استقرارا. إذا لم يكن تعبيرا عن رغبة جماعية، فسيسقط ويسقط معه السلم الاجتماعي.