طبّع التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية علاقته مع أحزاب التيار الإسلامي، وبدت اللقاءات التي تعقدها قيادة الأرسيدي مع قيادات الأحزاب الإسلامية لافتة للنظر، ونقطة تحوّل في العلاقة بين الطرفين، بعد عقدين ونصف من التنازع السياسي حول “مشروع المجتمع”. التقى رئيس الأرسيدي محسن بلعباس، أول أمس، بالأمين العام لحركة النهضة فاتح ربيعي، بحضور قيادات من الحزبين. وناقش ربيعي وبلعباس الوضع السياسي في الجزائر، على ضوء أزمة مرض الرئيس بوتفليقة، واتفق بلعباس وربيعي خلال اللقاء على توسيع المشاورات إلى كل الأطراف السياسية الفاعلة، وتجاوز الخلافات الإيديولوجية بين الأحزاب، لمواجهة السيناريوهات التي تضعها السلطة للمستقبل السياسي للجزائر. ويعد اللقاء بين بلعباس وربيعي، ثاني لقاء بين رئيس الأرسيدي وقيادات في حزب إسلامي، بعد لقاء أول جمع محسن بلعباس برئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، تجاوز خلاله الحزبان خلافاتهما الإيديولوجية، خاصة وأن الطرفين يتوافقان على تقييم خطورة الوضع الذي تواجهه الجزائر نتيجة أزمة شرعية المؤسسات، ويتفقان على الحاجة إلى وضع دستور بمشاركة سياسية مفتوحة، وتنظيم انتخابات تحت إشراف هيئة مستقلة، وتنظيم انتخابات رئاسية شفافة، ترفع فيها السلطة يدها عن أي مرشح. ويعتقد الأرسيدي أن مبررات هذا التحوّل في علاقته مع أحزاب التيار الإسلامي، فرضتها “قيود السلطة التي تحكم المشهد السياسي، والعوائق الحالية التي تحول دون إحداث تغيير حقيقي في طريقة الحكم وتسيير الشأن العام”. وأضاف المتحدث باسم الأرسيدي، عثمان معزوز، ل “الخبر”، إن الحزب وجّه دعوات للتشاور إلى كل الأحزاب، على اختلاف توجهاتها، وقال “صحيح أن لكل حزب هويته وأفكاره ومعالمه السياسية، لكن البلد يمر بمرحلة صعبة، ونحن أمام انسداد يحمل مخاطر كبيرة على البلد، وهذا يفرض علينا أن نكون منفتحين على كل المبادرات السياسية الجديدة”. ويعتبر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أن هذا الوضع “يستدعي تجاوز الخلافات الإيديولوجية والسياسية، والحوار والتبادل بين الفاعلين من الطبقة السياسية الحرة لتحرير الحياة السياسية من القيود والتعقيدات التي تفرضها السلطة”، وكذا “توسيع التشاور وتبادل الآراء مع الفاعلين السياسيين في مواجهة الجمود والمخاطر التي تتهدد البلد، وبحثا عن حد أدنى من التوافق وتضييق حدة الخلافات السياسية لرصد الرهانات المستقبلية”. وأكد معزوز ردا على سؤال حول ما إذا كانت قيادة الأرسيدي ستلتقي رئيس حزب العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، في السياق نفسه، قال إن قيادة الحزب ستلتقي وتجري مشاورات مع كل القوى السياسية الفاعلة في الساحة، باستثناء تلك التي توصف ب"أحزاب السلطة”، في إشارة إلى حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إضافة إلى حزب تاج بقيادة عمار غول، والجبهة الشعبية بقيادة عمارة بن يونس المنشق عن الأرسيدي. ومن ظلم السلطة وانغلاقها أمام أي مبادرات سياسية، يكون الأمر قد دفع بالفرقاء من أحزاب المعارضة إلى البحث عن حالة توحيد موقف، قبيل الرئاسيات المقبلة. وأجبرت الظروف الأحزاب الديمقراطية التي كانت توصف بالاستئصالية، على التقارب والبحث عن تحالفات مع أحزاب كانت إلى وقت قريب تصفها “بالأصولية”، بعدما اكتشف الطرفان أن ما كان بينهما جدار وهمي، وأن السلطة انفردت وحدها بالسلة.