الغناء للزعيم الإفريقي الراحل، نيلسون مانديلا، لم يكن محمولا بقصائد المدح المجاني الذي يعزفه العديد من فناني الدرجة الثالثة في الدول العربية للزعماء بحثا عن رضا الرؤساء، وإنما حملت العديد من الأغاني قضايا حقيقة وإيمانا راسخا بالبعد الإنساني الذي تجلى في فكر الزعيم العالمي نيلسون ماندلا، كما نلمس ذلك في كلمات أغنية الفنان ”ستيفي وندر” عندما غنى لمانديلا في أوج الصراع العنصري، ويقول له ”أنا أحبك”. لطالما اعتبر مانديلا الموسيقى في المجتمع ”روح وأخلاق الإنسانية”، مثلما سبق وأن قال في وصفه للمنافسة الحادة بين المغنين في جنوب إفريقيا، ليكشف كيف امتد عشقه للموسيقى باتجاه روائع الفنانة الراحلة مريم ماكيبا التي تنحدر من المنطقة الريفية ترانسكاي وثقافة الرقصات التقليدية لقبيلة ”الكوسا”، التي ينحدر منها نيلسون مانديلا. ففي وقت لاحق، عاد مانديلا إلى المدينة التي كانت تعيش بها مريم ماكيبا، وقال إنه أحب موسيقاها، وعشق أيضا القواسم المشتركة بينهما، فهي ابنة ثقافة قبيلة ”الكوسا” وأمضت الأشهر الستة الأولى من حياتها في السجن قبل أن يتم حرمانها من الجنسية الجنوب إفريقية عام 1960، قبل أن تنتقل إلى العيش في المنفى لمدة 30 عاما، لتقود فيما بعد صاحبة أغنية ”أنا جزائرية” النضال بصوتها رفقة زوجها ”هيو مسكيلا” الذي غنى كثيرا من أجل إطلاق سراح مانديلا. الإيمان بمانديلا يصنع ملامح موسيقية عالمية أهدت مغنية البوب والممثلة الأمريكية ويتني هوستن أغنية ”آمنت به”، تحية لنضال مانديلا، فيما قدّم ميشال فوغان أغنية ”الحرية” التي طالبت بإطلاق سراح مانديلا من المعتقل بعد 26 سنة من الاعتقال. ومن المستحيل اليوم أن نمر على التراث الموسيقي الجنوب إفريقي دون تحية روائع ”دانيال وارو” و«ريونيون ماليور” الذين غنوا تكريما لحياة مانديلا. ولم يرتبط اسم الزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا فقط على مستوى التكريمات العالمية وجائزة نوبل للسلام التي توج بها نظير أفكاره الإنسانية التي نسجت أروع قصص محاربة العنصرية في التاريخ، بل أيضا بالفن والموسيقى، وهنا نفهم كيف تحوّلت الساحات في جنوب إفريقيا التي عرفت أبشع أنواع التعذيب والقتل للسود تحت نظام التمييز العنصري إلى ساحة للغناء والموسيقى بعد سقوط نظام الآبارتيد، ونفهم أيضا كيف أحي مواطنو جنوب إفريقيا رحيل مانديلا بالورود والأغاني التي رافقت مسيرة مانديلا لترفع له القبعة، وتحيي نضاله تطالب بإطلاق سراحه وها هي اليوم تترحم عليه أيضا. منذ سنوات الثمانينيات برزت العديد من الأصوات الغنائية في أفريقيا تعزف أغاني معاناة القارة السمراء، ومنها معاناة ابنها الذي كان سجينا بحكم المؤبد، نيلسون مانديلا، فقد قدمت المغنية الإنجليزية الراحلة ”آمي وينهاوس” أغنية ”الحرية لمانديلا” التي أعدها الموسيقار البريطاني دافيد هونلسن سنة 1980، وهي الأغنية التي ساهمت كثيرا في فضح النظام العنصري ”آبارتايد” وقادت حملة عالمية لمكافحة التمييز العنصري، ما دفع بالولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى تبني العديد من القوانين المنددة بالعنصرية. كما نجد أغنية ”الحرية لنيلسون مانديلا” للمغني جيري دمارس سنة 1983، وقامت فرقة ”دي سبيسيال أي كي أ« فيما بعد، كما نجد أيضا في ”ريبراتوار” الأغاني العالمية أغنية ”نيلسون مانديلا” للمغني يوسو ندور سنة 1985، وأغنية ”أسود وأبيض” للفنان الانجليزي برنارد لافيليرز في ألبوم ”سارق ومجنون” سنة 1986، كما سجلت أغنية ”أزومبونانج” أو ما معناها ”لم نشاهده” سنة 1987 في ألبوم ”أطفال العالم الثالث” لجون كيج، وأغنية ”يوم مانديلا” التي أدتها فرقة ”سيمبيل مايندز” في ألبوم ”سنوات النضال في الشارع”. كما غنى في عام 1989 كارلوس سانتاتا ”مانديلا”، وغنى تاركي شابمان أغنية ”الحرية الآن” وأهداها إلى نيلسون مانديلا، وأيضا أغنية ”أتركوه يعود إلى منزله” للمغني هوق ماسكيلا الذي تم نفيه إلى المملكة المتحدة سنة 1987. سقوط نظام الأبارتيد اجتمع العشرات من الفنانين العالمين سنة 1990 لأداء أغنية واحدة بعنوان ”حرية نيلسون مانديلا” وذلك تحية لنضال الرجل، كما أهداه الفنان جون فيرات أغنية ”حبي المجنون” سنة 1991، وظلت مسيرة مانديلا تلهب مشاعر الفنانين حيث التقى في عام 1994 صوت المغني ديدون لاروس بأداء مجموعة ”ميسيل 727” في ألبوم واحد تم إهداء أغانيه إلى نيلسون مانديلا، وفي عام 1995 قدم سالفا كيتا لجمهور ملعب وامبلي البريطاني أغنية وصف فيها مانديلا ب«البطل الكبير”. واستمرت الأغاني التي تبدي إعجابا كبيرا بنضال مانديلا إلى غاية القرن الواحد والعشرين، حيث قدّم فريق ”كلتيردي ماليو” أغنية خاصة لمانديلا في ألبوم ”كري ماروني”، ذلك في السنة نفسها التي قدم فيها المغني ”دانيال وارو” سنة 2002 أغنية خاصة للزعيم، وحتى المغنية ”سيلين ديون” قدّمت أغنية خاصة لمانديلا سنة 2008، وذلك خلال حفل أقامته بجنوب إفريقيا، وضمن جولاتها العالمية وصلت موجة الغناء للزعيم الإفريقي الأسطورة حتى الشاشات الفضية من خلال مقدمة الفيلم الذي تناول حياة مانديلا، وحملت الأغنية اسم ”أوردناري لوق” سنة 2013 لتكون آخر الأغاني التي آمنت بتاريخ الزعيم قبل رحيله عن عمر ناهز 95 سنة، بينما يبقى ”ريبراتوار” الأغنية العربية مقصرا في حق نضالات الرجل الإنسانية.