صحيح أن الصحفيين لا ينبغي لهم أن يتحزّبوا لهذا المرشّح أو ذاك أو ضد هذا المرشح أو يكونوا معه! لأن ذلك يتنافى تماما مع الأخلاق المهنية لمهنة الصحافة، بل وينفي عنها صفة الصحافة، فتصبح مهنة ”البروباڤاندا”.. كما هو حاصل الآن في العديد من وسائل الإعلام، العامة والخاصة على سواء، ولدى العديد من الصحفيين! لكن الصحافة والصحفيين عليهم واجب التخندق ضد المساس بالقانون والدستور من أي جهة كانت حتى ولو كانت الصحافة نفسها. ! من العيب المهني أن تنحاز وسائل الإعلام لمرشح معين أو مرشحين حتى ولو كانوا في السلطة، ولكن من العار المهني أن تسكت وسائل الإعلام عن العدوان على القانون والدستور من قِبل مرشح أو مرشحين ومن قِبل السلطة.. لأن واجب الصحافة الرقابي الذي يكفله الدستور هو التنديد بأي اعتداء على القانون أو الدستور، مهما كان مصدره. المهنية والحياد تحتّم على الصحفيين أن لا يقفوا ضد ترشح أي كان للرئاسيات، ومهما كانت الأسباب والدوافع.. لكن المهنية أيضا تحتّم على رجال الإعلام أن لا يسكتوا عن ترشح رجل مقعد على كرسي متحرك ولا يتكلم والمجلس الدستوري يخرق القانون ويسمح بترشحه! هذا العبث بالقانون والدستور وبالمؤسسات لا ينبغي السكوت عنه باسم حق مرشح معين في الترشح.. الرئيس الذي يترشح للرئاسة وهو مقعد سبق له أن جمّد البلاد سنة كاملة، لم يجتمع فيها مجلس الوزراء، ولم يستقيل فيها السفراء، ولم يحضر فيها أي اجتماع خارج الوطن أو داخله ! وإذا كان الرأي العام سكت عن الغياب الرئاسي الذي دام سنة كاملة فذاك لأن الرأي العام كان يتأسى بالرئاسيات التي نحن على أبوابها لتصحيح الوضع! أمّا وأن الرئيس قد استحلى عملية الحكم من غرفة المرض فذاك يعني أن المؤسسات السياسية والدستورية التي تجاريه في ذلك تقع هي الأخرى تحت طائلة القانون! والصحافة والصحفيون في هذه المسألة لا يخرجون عن المهنية إذا ما دعوا المؤسسات الدستورية إلى احترام القانون الدستور، وفضحوا للرأي العام الممارسات غير القانونية وغير الدستورية، بل وانحازوا إلى جانب القانون. نعم، لقد أصبحت مؤسسة الرئاسة في الجزائر مضحكة عالمية يترشح لها حتى المقعدون عن الحركة.. ويترشح لها المعتوهون ذهنيا وسياسيا، والمحتالون من أمثال هذا الذي تخلى عن الجنسية الفرنسية ليترشح لرئاسة الجزائر..! فالأكيد أن ”النڤاز” هذا نزل إليه مستوى الرئاسة ولم يطلع هو إلى الرئاسة! هذه الرئاسة التي كان يتنافس عليها أمثال بن بلة وبن خدة وبومدين وفرحات عباس وبوضياف وكريم وخيذر في الستينيات، وأصبح يتنافس عليها في الثمانينيات أمثال يحياوي والشادلي وبوتفليقة وبيطاط.. أصبح اليوم يتنافس عليها في عهد حكم بوتفليقة أمثال ”نڤاز” وحنون وصاحب البنطالون القصير! نعم إن أهم إنجاز حققه بوتفليقة من حكمة للبلاد 15 سنة هو أنه ”كلوشارديزة” الرئاسة فأصبحت رخيصة حتى سامها كل مفلس.. وهذا هو ناتج سياسة العبث بالمؤسسات، حتى باتت الرئاسة يمكن أن يسيرها مريض من غرفة الإنعاش!