إن بوتفليقة لم يترشح إلا ليكون رئيسا، في وقت فقدت فيه الأحزاب الإسلامية الشوارب واللحي أيضا، ويطالب بعض الديمقراطيين التسابق مع الأرانب لضمان الفوز، ويتمسك كثير من المعارضين بورقة صحة الرئيس اللتي لم تعد لغزا محيرا. ليس لي لا ناقة ولا جمل في ترشح بوتفليقة من عدمه، وليس لي لا حبة ولا قبة من فوز غيره أو انهزامهم. لكن يجب تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية طبقا للعقل والمنطق. بوتفليقة ترشح في شهر سبتمبر 2013 ● أثار ترشح بوتفليقة جدالا سياسيا واسعا بين مؤيد ومعارض ومقاطع ومنسحب ومواصل للتحدي، وما كان ترشحه يثير الجدل لو أن الطبقة السياسية أحسنت قراءة الظروف التي سبقت ترشحه، والتي كانت تؤشر بشكل واضح لترشحه. في نظري، لقد كان إعلان ترشح بوتفليقة منتظرا منذ شهر سبتمبر 2013 عندما أحدث تغييرا جذريا في الحكومة حيث وضع في الوزارات الحساسة التي لها علاقة بالانتخابات كل رجال ثقته، كما وضع بعدها السيد مراد مدلسي على رأس المجلس الدستوري، وصاحب ذلك تغييرات في قيادة أكبر حزبين في البلاد هما جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، حيث أصبحت القيادة في هذين الحزبين مؤيدة لترشحه، بعدها انتقل بوتفليقة لإحداث تغييرات في المؤسسة العسكرية مثل إحالة 4 ضباط سامين في المخابرات على التقاعد، وواصلها بوضع قانون المستخدمين العسكريين الذي صدر عام 2006 حيز التطبيق، وقبلها بقليل توجه إلى مستشفى فال دوغراس بباريس وعاد منه بشهادة طبية تؤكد حسب بيان لرئاسة الجمهورية- شفاءه التام من الوعكة الصحية التي تعرض لها. وبالموازاة مع ذلك كانت كبرى الأحزاب في الجزائر والمنظمات والجمعيات تدعو بوتفليقة للترشح، وهكذا يتضح السياق الذي ترشح فيه بوتفليقة، فلا يمكن لمتتبع محايد إلا أن يؤكد أن بوتفليقة سيترشح لا محالة، بل أكثر من ذلك فإن بوتفليقة لم يترشح إلا ليكون رئيسا لعهدة رابعة. وهذا لا يعني أبدا أن الانتخابات ستمتد إليها يد التزوير أو التلاعب، بقدر ما يعني أن الظروف التي سبقت ترشح بوتفليقة، هي نفسها التي توفر له فوزا مريحا. إن بوتفليقة يخوض الرئاسيات معززا بمكاسبه التي حققها خلال ال15 سنة الأخيرة، على كل الأصعدة، وهي مكتسبات يستطيع أي منافس التقليل منها، لكنه لا يستطيع إقناع المواطن بأنها غير موجودة أو غير ملموسة. ويخوض بوتفليقة الرئاسيات في وضع إقليمي متقلب وخطير ومهدد للوضع الداخلي أمنيا وسياسيا، والشعب الجزائري الذي جرّب المحن وويلات عدم الاستقرار والعنف، وجرب نعمة الأمن والمكتسبات ليس مستعدا للتضحية بها، وهنا ولدت المقولة الشهيرة على لسان وزير الاتصال السابق ورئيس حزب الحرية والعدالة محمد السعيد استمرار بوتفليقة أفضل من القفز إلى المجهول. وهذا لا ينفي أن بوتفليقة لا يزال محبوبا من قبل الجماهير في الجزائر العميقة وليس في جزائر النخب والصالونات، وتحليل الجمهور للمترشحين وللوضع السياسي، يختلف جذريا عن تحليل النخب وتحليل الصالونات، وتحليل الشعب قد يتأثر بتحليل النخب وتحليل الصالونات، لكن التأثر قد يكون عكسيا أيضا، وفي النهاية فإن الشعب هو الذي يصوت وهو الذي يرجح كفة هذا عن ذاك. الإسلاميون فقدوا شواربهم ولحاهم أيضا ان وقفة بسيطة مع الأحزاب المعارضة لترشح بوتفليقة، نلاحظ أن الإسلاميين يتصدرون قائمة المعارضين، فحركة مجتمع السلم بعد أن فقدت مكانتها في التحالف الرئاسي وانسحبت من الحكومة، فقدت أمل الوصول إلى الحكم تحت تأثير »الربيع العربي«، ثم فقدت أمل تقديم مرشح توافقي للمعارضة، فلم يبق لها إلا تأييد مرشح من المعارضة أو مقاطعة الانتخابات، فاختارت الخيار الثاني، لكنها لم تتوقف عند المقاطعة بل قررت الدعوة للمقاطعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ووقعت بيان »زواج كاثوليكي« مع الأرسيدي الذي لا تختلف معه إيديولوجيا فقط بل تتقاتل معه إيديولوجيا تدعو من خلاله المترشحين إلى الانسحاب، في رسالة واضحة إلى التخبط الذي توجد فيه. وهذا التخبط ليس إلا حصيلة للانشطار الكبير لحركة مجتمع السلم التي تولد عنها 4 أحزاب سياسية إخوانية التوجه، فتفرقت قوتها وخفت صوتها وأفل نجمها وانطفأ بريقها. ومن الناحية الأخلاقية ليس من حق الحركة معارضة ترشح بوتفليقة وهي التي رفعت يديها حتى بان بياض إبطها خلال التعديل الدستوري لعام 2008 الذي يقر بفتح العهد الانتخابية. أما حركة النهضة فهي حزب غارق في مشاكله، ومنذ خروجها من عباءة جاب الله لم تجد هذه الحركة ضالتها فهي حزب بوزن الريشة، ونفس الكلام ينطبق عن حركة الإصلاح التي أعلنت تأييدها للسيد علي بن فليس. وكذلك أصبح حزب عبد الله جاب الله الجديد جبهة العدالة والتنمية فهذا الحزب يقف في مفترق الطرق ولم يعرف أي مسلك يسلك. وهكذا يتضح أن الاسلاميين لم يعودوا بشواربهم ولا بلحاهم أيضا. الديمقراطيون: نريد الأرانب كي نفوز من الغرائب الانتخابية في الجزائر، هو أن بعض الأحزاب قالتها بوضوح إذا ترشح بوتفليقة نقاطع، وكأنهم يقولون يجب أن يتنافس الأرانب فيما بينهم، فهم بذلك يقرون بضعفهم السياسي وقلة نفوذهم الشعبي. وهذه الوضعية سبق للجزائر أن عرفتها في سنوات الإرهاب، عندما كان بعضهم يرفض المصالحة الوطنية والحوار مع الإسلاميين ويطالبون الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى بمحاربة الإرهاب وتعيينهم في الحكم بدون انتخابات. فالتاريخ يكرر نفسه بطرق جديدة. صحة الرئيس: لغز غير محيّر يبقى ملف صحة الرئيس هو الوتر الحساس الذي تعزف عليه المعارضة، فرغم التحسن الكبير في صحة بوتفليقة، ورغم تصريحات شخصيات أجنبية عديدة بأن بوتفليقة في كامل قواه الدهنية و الفكرية، إلا أن عدم مخاطبته الشعب منذ 16 أبريل 2010 يبقى سؤالا محيّرا، فضلا عن قدراته البدنية، حيث لحد الآن لم يظهر الرئيس واقفا أو ماشيا. وإذا كان الدستور وقانون الانتخابات لا يشترط تقدم المترشح شخصيا لسحب استمارات الترشح أو تقديم ملفه شخصيا للمجلس الدستوري، وكذلك تنشيطه شخصيا لحملته الإنتخابية، فإن عدم ظهور الرئيس مستقبلا في حملته الانتخابية سوف يعزز شكوك المعارضة وربما حتى المواطنين. والأكثر من هذا أن القانون يلزم الرئيس المنتخب على آداء اليمين الدستورية أي القسم ويكون ذلك شفويا أمام رئيس المحكمة العليا وبحضور كبار الشخصيات في الدولة، وحينها سيتم التأكد نهائيا فيما إذا أصبح الرئيس قادرا على الكلام بطلاقة أم لا؟. إلا أن بعض التحليلات تقول أنه حتى في حالة العجز البدني فإن الدستور الحالي يمنح للرئيس الحق في تفويض بعض الصلاحيات للوزير الأول، لمساعدته في تسيير شؤون الدولة. وهناك أيضا احتمالات لجوء بوتفليقة إلى تعديل الدستور بعد الرئاسيات، ليتسنى له إنشاء منصب نائب الرئيس أو أكثر من نائب، ثم يقوم بتعيين نائبه أو نوابه لمساعدته على إدارة شؤون الدولة. وبهذه الطريقة يمكن له تجاوز معضلة وضعه الصحي.