ظن البعض، في الجزائر، أن الدولة الوطنية ستتأسس بطريقة آلية وطبيعية، مباشرة بعد الاستقلال، وفهم البعض، اليوم، أن هذا التأسيس للدولة الجزائرية من الأمور الصعبة والمتشعبة، وذلك بعد مرور نصف قرن من الزمن (أو من التاريخ؟). لقد حان الأوان أن نضع هذا السؤال في مكانته الجوهرية ونقول: ”من نحن؟”، أما الجواب فهو متعدد الجوانب ومتنوع الردود. ويشترط أن نأخذ، كذلك، بعين الاعتبار قضية اللاوعي الجزائري الجماعي، لأن اللاوعي تحكم في حقبة من تاريخنا الماضي بما فيه فترة حرب التحرير. ولو أردنا أن نستحضر البعض من هذه الحقبة التاريخية الطويلة، فعلينا أن نستقدم افتراضات جديدة بطريقة متميزة كي نبتعد نوعا ما عن الدروب المستهلكة، فنبدأ تاريخا جديدا ورؤية حديثة في البحث عن الدولة الوطنية. فانطلاقا من المحن والامتحانات العويصة التي عرفتها البلاد، قبل وبعد الاستقلال والتي يعاني منها الفرد الجزائري وكذلك المجتمع الجزائري، منذ بداية الخلل السياسي الذي جعل من عملية الاستقلال عملية فاشلة، كما حصل ذلك في كثير من البلدان التي عاشت ثوراتها بطريقة سلبية، ذلك أن الجزائر ليست استثناء أبدا. والأساس في هذه المنهجية، كما سبق وأن تحدث عنها ابن خلدون، يتمحور حول ضرورة التحليل من داخل التاريخ الوطني، الشيء الذي كنا نجهله (خاصة أن المسؤولية جماعية ووطنية) أو نتجاهله أو نتهكم منه وفيه، ذلك أن الأهم ليس فقط وجود واكتشاف الطرق الناجعة للرد على هذا السؤال الأساسي: ”لماذا لم ننجح في تأسيس الدولة الوطنية؟”، بل المهم هو أن نستنبط أبعادها ونجعلها حاضرة في أذهاننا حتى تصبح القضية معاناة يومية وعصابا مزمنا وهوسا دائما. أو بطريقة أخرى، المفيد هو أن نتجرأ على طرح السؤال. ذلك أن مجرد طرحه يعتبر مكسبا جديدا ومؤديا إلى مسألة علاقة الجزائريين بتاريخهم الحديث والمعاصر المربوط بتاريخهم القديم والأقدم، وذلك بعيدا عن الغرور والمزايدة بالنسبة للمجد الوطني وبعيدا عن تهويل فكرة أن تاريخنا الحديث هو تاريخ مربوط بالانحطاط الذاتي والخديعة الموضوعية والعجز المقلق. فطالما يتفاعل الوعي السياسي الجزائري عدم وجود إشكالية أساسية وينفي، أحيانا، الخلفية الاستعمارية (القديمة والجديدة) كواقع اجتماعي وثقافي وحضاري، وذلك حسبانا منه أن أي اعتراف يكون استسلاما للقوات الغاشمة داخليا وخارجيا. ونتيجة مثل هذا الوعي اللاوعي يصل بنا إلى مغالطة تاريخية ضخمة. وفي هذا الأخذ والرد تتبلور الفكرة الوطنية المستعملة لوعي نعرف، مسبقا، أنه يشكو قلة الوضوح ولكنه قابل إلى التحسين والإثراء شرط الاعتراف بأن عدم انبثاق الدولة الوطنية مربوط أساسا بعدم اندلاع الشرخ الأساسي الذي لابد منه حتى نتحول من شعب مستعمر إلى شعب واعٍ، كما كتب وقال فرانتز فانون منذ أكثر من خمسين عاما. ويذكرنا هذا البحث عن الدولة الوطنية برواية ”البحث عن وليد مسعود” للروائي العراقي جبرا إبراهيم جبرا.