جاءت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية أمس يوما بعد قبول هيئة البيعة أول أمس الخميس تعيين النائب الثاني لرئيس الوزراء الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز، وفيما رفضت الأوساط الإعلامية السعودية الرسمية ربط قرار الملك عبد الله تعيين أخيه غير الشقيق مقرن وليا لولي العهد بزيارة أوباما، قالت الصحافة الأمريكية من جانبها إن زيارة أوباما للرياض لم تكن مبرمجة وجاءت محاولة لتجاوز الخلافات بين البلدين. ذكرت الصحافة السعودية أن ثلاثة أرباع هيئة البيعة المكونة من 34 أميرا من كبار العائلة الحاكمة وافقوا على قرار الملك عبد الله تعيين الأمير مقرن وليا لولي العهد، ما يضعه على عتبة عرش المملكة في حال خلو منصبي ولي العهد أو الملك وفقا لما أعلنه الديوان الملكي، وكان ذلك عشية زيارة الرئيس أوباما التي قالت الخارجية الأمريكية إنه يقوم بها من أجل ”التأكيد على متانة العلاقة مع أقدم حليف في الشرق الأوسط”، فيما يرى المراقبون أن الزيارة تأتي في وقت تقف فيه العلاقات بين البلدين أمام منعرج حاسم، إذ شهدت الفترة الأخيرة عددا من الخلافات غير المسبوقة بين البلدين بلغت أعلى مستوياتها منذ أكثر من سبعة عقود، تاريخ علاقة التكامل بين البلدين. فقد تسبب التقارب الأمريكي الإيراني في ضربة موجعة للمملكة العربية السعودية التي كانت تعوّل على حليفها التقليدي لإبعاد غريمتها إيران عن نطاق نفوذ المملكة، وما زاد من الخلاف رفض واشنطن الحل العسكري في سوريا، ما اعتبرته الرياض انتصارا آخر لطهران، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن الرياض لم تستسغ دعم إدارة البيت الأبيض لموجة الربيع العربي الداعية لإسقاط الأنظمة القديمة، ما دفعها لرفض وصول الإخوان إلى الحكم في مصر، في حين ساندتهم إدارة البيت الأبيض. كما أن سكوت أمريكا على الدور القطري المتعاظم بات يُشكل مصدر إزعاج جدي للمملكة التي رأت أن واشنطن بصدد خلق حليف جديد لها في المنطقة لمضاهاة نفوذها، على هذه الخلفية تأتي زيارة أوباما للتأكيد على أن سياسة واشنطن الخارجية لا تسعى للتخلي عن العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، ويرى المراقبون أنها مهمة صعبة بالنظر لأولويات الإدارة الأمريكية المهتمة بمواجهة النزاع مع روسيا حول القرم خارجيا، ورفع التحدي الاقتصادي محليا. من جهتها، تبدو السعودية عازمة على إعادة ترتيب البيت الداخلي في المنظور القريب، إذ جاء تعيين ولي لولي العهد بمثابة استباق لأي طارئ من شأنه إرباك بيت آل سعود، لاسيما أن الملك بلغ من العمر 90 سنة، فيما قارب ولي عهده عقده الثامن، الأمر الذي دفعهما للتحضير للمرحلة القادمة بأقل قدر من الأضرار، وتفيد المعلومات المتوفرة حول الأخ غير الشقيق للملك وهو أصغر أبناء الملك المؤسس (يبلغ من العمر 69 سنة)، أنه ضمن حلقة الثقة للملك ومقتنع بالنهج الإصلاحي الذي تبناه الملك عبد الله، كما أنه من أشد المعارضين للنفوذ الإيراني في منطقة الخليج، ليكون بذلك الورقة التي يراهن عليها الملك لضمان التغيير السلس في السعودية، خاصة أنه اتخذ قرار تعيين ابنه البكر الأمير متعب وزير الحرس الوطني الحالي نائبا ثانيا لرئيس الوزراء، ما يضعه بدوره على مقربة من ولاية العهد، في خطوة لنقل الحكم للجيل الثاني من أبناء آل سعود. والحال أن زيارة أوباما تلتقي مع تعيين ولي لولي العهد في كون الحدثين من شأنهما رسم مستقبل العلاقة بين البلدين، علاقة لا ترتكز على النفط مقابل الحماية العسكرية، إذ إن واشنطن أثبتت أنها غير مستعدة لخوض حرب مع إيران أو غيرها لحماية السعودية، كما أن المملكة أدركت أن اتكالها المفرط على أمريكا طالت فترته وحان الوقت لإحداث تغيير يكون بمستوى إمكانياتها وحجمها في المنطقة، خاصة بعدما باتت قوى إقليمية تنافسها في منطقتها فيما كانت هي تكتفي بالتعوّيل على حليفتها التقليدية أمريكا.