شهد الأسبوع الثاني من الحملة الانتخابية توترا للأعصاب ليس بسبب محاولة مساندي العهدة الرابعة الاستقواء على خصومهم باستغلال زيارة كاتب الدولة الأمريكي للجزائر لتسويق العهدة الرابعة لبوتفليقة، وهو ما سعى إليه سلال في الجلفة، ولكن أيضا جراء تبادل الاتهامات بين معسكرات المرشحين ومسانديهم في الولايات وحتى في المديريات المركزية للحملة، على خلفية تسجيل خرق لقوانين الحملة وتجاوزات وتوجيه أصابع الاتهام ب"التشويش" على التجمعات، مثلما اتهمت بذلك مديرية الرئيس المرشح أنصار بن فليس، أو ما تجلى من اعتداءات على مداومات ولائية وتخريب أو ما لوحظ من انحرافات في الخطاب لدى بعض المتزلفين الذين لم يجدوا أي عناء في "تخوين" من يخالفونهم الرأي، وهي السهام التي أطلقها أنصار العهدة الرابعة ضد المقاطعين أو على المحتجين في الشارع. كيري وأمير قطر وفاصل إشهاري للرابعة السلطة تريد إقناع شركائها بعكس ما يرفضه الشارع كانت جماعة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بحاجة إلى شهادة “حسن سيرة وسلوك”، في هذا الظرف الدقيق المتميز برغبة أفرادها في إطالة إقامتهم في الحكم، فجاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لتحقق لهم ما يريدون ولكن شكليا مؤقتا. فالرئيس وحاشيته سيطالبون بعد 17 أفريل بالوفاء بوعود أطلقوها في خضم الحملة الانتخابية وفي أقرب وقت. وفي حال العكس، سيكتشف الجزائريون مدى زيف التعهدات ونفاق أصحابها وسيحاسبون على ذلك. تعي السلطة جيدا أن الأمريكيين يتعاملون ببراغماتية عندما يتعلق الأمر بمنح تزكية لسياسات أي رئيس، فهم يبحثون عن ضمان مصالحهم والمحافظة عليها مهما كانت نتيجة الاقتراع الرئاسي. وعلى هذا الصعيد، يحرصون على الإصغاء لما يقول بوتفليقة عن ما بعد 17 أفريل وما تقوله أيضا المعارضة، وما تكتبه الصحافة وما يشغل الجمعيات والتنظيمات المستقلة عن السلطة وتلك الموالية لها. المهم بالنسبة إليهم، في هذا الوقت بالذات، هو التزام واضح وصريح في مجال محاربة الإرهاب الدولي. وقد قالها كيري بشكل مباشر أول أمس: “إننا نمر بمرحلة بات السلم والأمن فيها مهددان في كافة أنحاء العالم”. غير أن آلة الدعاية الإعلامية الموالية لبوتفليقة وجماعته، سعت إلى تقديم زيارة كيري في عز الاستقطاب الذي تمثله الحملة الانتخابية، على أنها صك على بياض للرئيس وبأن أقوى دولة في العالم التي تربطها مصالح استراتيجية أمنية واقتصادية كبيرة، ترى في الرئيس العاجز عن أداء مهامه الأقدر على المحافظة على هذه المصالح، تحت مسمى “الاستمرار في الاستقرار”! وفي هذا السياق، استغلت السلطة زيارة كيري وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، للاستراحة لوقت قصير من حدة الانتقادات التي تتلقاها من المعارضة ومن الشارع خصوصا، الذي يلاحظ مشدوها فصول مسرحية رديئة الإخراج، الممثل الرئيسي فيها غائب عن قلب الأحداث يكتفي بإطلالات بعيدا عن خشبة المسرح، لإيهام الجزائريين وقطاع من الفرنسيين الذين يسخرون مما يجري في بلادنا، بأن “رأسه يشتغل جيدا حتى لو كان جسده نصف مشلول”. وأضيف لعملية “التجميل” هذه المرة جرعة جديدة من تزييف الحقيقة، بإطالة حديث الرئيس مع ضيفه الأمريكي، على عكس ما جرى في استقبالاته السابقة. كما أضيف لها التخلي غير المعهود للسلطة عن ممارساتها التسلطية المعروفة عنها، بأن أتاحت للمعارضة والشارع بهوامش حرية محدودة، في التعبير عن رفض العهدة الرابعة.. كل ذلك لإيهام الأجانب بوجود “حرية تعبير مضمونة للجميع”! وقال دبلوماسي جزائري اشتغل في عواصم غربية، مفضلا عدم نشره اسمه، ل”الخبر”: “لا بروكسل ولا واشنطن مستعدتان لمنح تزكية للرئيس المترشح بوتفليقة ولا أي شكل من أشكال الدعم السياسي، قد يفهم منه أن الأوروبيين والأمريكيين يفضلون بوتفليقة عن غيره من المترشحين. هذه مغالطة كبرى يحاول البعض تسويقها في الجزائر لأغراض انتخابية”. وأضاف: “اشتغلت سنين طويلة في عواصم غربية، ولم أسمع ولم أقرأ أبدا أي مسؤول فيها يقول في فترة الانتخابات التي نظمت بالجزائر، إنه يفضل فوز هذا المرشح أو ذاك الحزب”. تجاوزات وشكاوى وضرب تحت الحزام الحملة تفقد أعصابها لم يتطور الخطاب السياسي في هذه الحملة بين المترشحين، بقدر ما تطورت أنواع التجاوزات والتعدي على القانون التي وقفت عندها لجنة مراقبة الانتخابات “عاجزة” بسبب افتقادها ل”الصلاحيات” المطلوبة. وتحولت الحملة من شرح للبرامج إلى تبادل للاتهامات بين المرشحين وإلى جر أنصار إلى المحاكم وحرب بيانات بين المديريات. لا تعكس “الإخطارات” والشكاوى الموجهة إلى لجنتي الانتخابات بفرعها القضائي والسياسي، حجم الانفلات الذي دخلت فيه الحملة الانتخابية لرئاسيات 17 أفريل الجاري، ولم يظهر من تلك الشكاوى للمرشحين سوى الجزء اليسير من جبل الصراعات المرافق للعملية الانتخابية، حيث انتقلت السجالات بين المرشحين إلى الاعتداء على المداومات وإلى التشابك بين الأنصار في أكثر من مكان، على غرار ما وقع في برج بوعريريج بين أنصار العهدة الرابعة وأنصار بن فليس، أو ما وقع في ببلدية هواري بومدين بڤالمة من تخريب لمكتب مداومة بن فليس. وانتقل الصراع الرئاسي إلى إصدار مديرية حملة بوتفليقة بيانا تتهم فيه أنصار بن فليس بالوقوف وراء أعمال التشويش والاعتداء على تجمعات مساندي العهدة الرابعة، في إشارة إلى ما تعرض له سلال في ورڤلة وغول وبن يونس في مرسيليا، وهي الاتهامات التي تبرأت منها مديرية حملة بن فليس. وإن كانت هذه “العداوة” بين المعسكرين أعادت أجواء الاحتقان الذي شهدتها رئاسيات 2004، فإن ازدياد موجة الرفض للعهدة الرابعة المعبر عنها من قبل العديد من الفعاليات في الشارع من طرف حركات وليدة النشأة ويصعب تصنيفها في أي جهة حزبية، قد ضاعفت من شدة الاحتقان الجاري في الشارع والمعبّر عنه من خلال مسيرات ووقفات احتجاجية أخذت في التوسع والانتشار عبر الولايات لرفض ما تصفه برئاسيات “مهزلة”. ولم تقتصر السجالات على توزيع الاتهامات، بل تطورت الخطابات إلى “التخوين” و”العمالة” للخارج ضد المقاطعين أو الداعين للتظاهر في الشارع. وأثبتت هذه الخروقات منذ بداية الحملة وتطورها بشكل تصاعدي، أن لجنتي مراقبة الانتخابات سواء الممثلة من قبل القضاة أو من ممثلي المرشحين للرئاسيات، قد تجاوزتها الأحداث لاشتغالها على قانون يفتقد ل«الوقاية” ولا يتوفر على “العلاج”، لكونه يعاني من العديد من الثغرات والنقائص، وهو ما جعل اللجنة لا ترى في تنشيط وزراء الحملة الانتخابية تعديا على القانون ولا علاقة له باستعمال إمكانات الدولة لأغراض انتخابية. ورمت هذه المعطيات الداخلية بثقلها في الخارج، بعدما أبدى الاتحاد الأوروبي عدم رغبته في إرسال ملاحظين عنه لرئاسيات 17 أفريل، وإن تحجج بتأخر وصول الدعوة إليه من قبل الخارجية الجزائرية، غير أنه أشار في تقرير له حول سياسة الجوار إلى أن السلطات الجزائرية لم تحز أي تقدم في تنفيذ توصيات بعثته الانتخابية في ماي 2012، بشأن شفافية الاقتراع والسجل الانتخابي، وهو نفس الموقف المتخذ من قبل المعهد الأمريكي الديمقراطي “أن دي أي” الذي اكتفى بوفد صغير لإعداد دراسة فقط، وفي ذلك أكثر من مؤشر حول الشكوك في النزاهة المحيطة بموعد 17 أفريل. حوار القيادي في “جبهة العدالة والتنمية” الأخضر بن خلاف ل”الخبر” محيط بوتفليقة يستعمل الخارج للتزكية هناك من يقول إن حملة رئاسيات 2014 تشهد مسارا غير مسبوق، تنابز في الداخل وضغط من الخارج، ما قراءتك لهذا المشهد؟ الحملة باهتة، وما تشهده من تنابز وإنزال للمستوى يعود إلى طبيعة هذه الانتخابات وطبيعة المترشحين أيضا، وهم الذين تقدموا للانتخابات دون ضمانات كانوا هم بالذات ينادون بها، وهم رضوا أن يكونوا أدوات مع الرئيس المترشح مع أنهم يعلمون أن الأمور محسومة سلفا لصالح بوتفليقة المريض والمقعد. هذه الانتخابات فريدة من نوعها وتسبقها قرارات شعبوية كتلك التي تشجع المرأة على الخلع، لما يمنح لها راتب يفوق راتب زوجها فهي تتشجع على الخلع. وكيف تفسر زيارة كل من كيري وأمير قطر في خضم الحملة؟ وصلنا حد الاستقواء بالخارج، السلطة تتهم المعارضة بالتواطؤ مع الخارج لكنها تستقبل أطرافا خارجية من أجل تزكية الانتخابات، ومدير حملة الرئيس المترشح قال إن عظماء يزورون الجزائر بفضل حنكة بوتفليقة، هذه الأمور لم نعهدها منذ الاستقلال، وباستعمال التلفزيون العمومي وصور الرئيس مع ما يسمونهم عظماء لإظهار أن وضع الرئيس الصحي يسمح له بالعهدة الرابعة، وذلك بعد فشلهم في ملء قاعات التجمعات. برأيك هل نجحت السلطة في استمالة الخارج لقبول العهدة الرابعة بهذه الطريقة؟ هؤلاء يدعمون المسار الانتخابي المشوّه ليس حبا في الجزائر، ولكن لما تملكه من أموال وذهب، ولما رأى الأمريكيون أن فرنسا أخذت كعكتها من الجزائر، جاؤوا لأخذ نصيبهم أيضا. ونحن بالذات كنا نلوم الأمريكيين لتزكيتهم انتخابات كانت تزوّر في كل مرة، فكانوا يقولون لنا إنهم بصدد الحفاظ على مصالحهم في الجزائر وها قد وصل بهم الحد للمجيء إلى الجزائر والحديث مع رئيس مريض في قلب الحملة الانتخابية. والمشكل أن خزائن الجزائر توجد في بلادهم وهم يأخذون أموال الجزائريين من هناك مباشرة، أما نحن فلم نستفد من أي شيء. إذا كان الأمر يتعلق بالأموال، لماذا رفض الاتحاد الأوروبي إرسال مراقبين؟ الاتحاد الأوروبي اتخذ موقفا مشرفا لأنه رفض المجيء بناء على تحفظات والهيئة الأوروبية ردت بدبلوماسية لما قالت إن الحكومة الجزائرية أرسلت طلبها متأخرا، ثم إن وزير الخارجية لعمامرة كذب ذلك، وقال إن الرئاسة أرسلت الطلب في آجاله، والاتحاد الأوروبي رفض شهادة الزور ورفض المشاركة في انتخابات هزلية، خاصة مع ما يحدث حاليا من مستوى حملة رديء، والتنابز بالألقاب عوض انتقاد برنامج الرئيس طيلة 15 سنة، هم ينتقدون بعضهم ويحاولون تشويه صورة مترشح ندّ لبوتفليقة. والسؤال المطروح: إن كان هؤلاء يتنافسون على الكرسي الرئاسي ويعلمون أن النتائج محسومة وأنهم يشهدون شهادة الزور، عليهم اتخاذ موقف مناسب لأن التاريخ والشعب سيحاسبانهم. وزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي ل”الخبر” بوتفليقة كسر الإجماع الوطني باستقباله كيري هناك من يقول إن حملة رئاسيات 2014 طغى عليها تنابز في الداخل وضغط من الخارج، ما قراءتك لهذا المشهد؟ بالنسبة لزيارة كيري، لو كانت السلطة ترغب في تفادي التأويلات كان يمكن تأجيلها وبوتفليقة قبل الاقتراح الأمريكي وهذا يعني أنه قبل الجدال الذي دار حولها، وكل الدول تحرص على الإجماع الوطني بداخلها لما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية وسياسة الدفاع وبوتفليقة يعرف ذلك، كما يعرف أن مخاطر زيارة كيري قد مست بالإجماع الوطني. كما أن توظيف السياسة الخارجية في السياسة الداخلية ليس جديدا عند الرئيس المترشح ويفعل ذلك منذ مجيئه للحكم من أجل تلميع صورته وإضعاف الجيش، ليقول إن له أصدقاء في الخارج ويعطي صورة أن الجزائر موجودة في الخارج.. تصور لو أن بوتفليقة استقبل محمود عباس، كان سيرحب به الجميع بمن في ذلك منافسوه في الانتخابات. أما بالنسبة للحملة، فالكثير من المترشحين ليس لهم برامج، فمترشح النظام يرى أنه يجب أن يدافع عن حصيلته، أما المعارضة فتندد بهذه الحصيلة ولا تقترح الجديد، وهذه ثقافة سياسية سائدة منذ الاستقلال، فهناك تنافس على السلطة وليس تنافسا حول البرنامج. وكيف تفسر مجيء وزير الخارجية الأمريكي وأمير دولة قطر في خضم الحملة الانتخابية؟ كيري جاء ليعاين مباشرة الوضع الصحي لبوتفليقة، وقد أعطى فرصة لبلاده للمساومة مع بوتفليقة وهو في حالة ضعف فيما يتصل بالمسائل الأمنية، لكن جماعة الرئيس وظفت الزيارة والأمريكيون يعرفون ذلك وهم براغماتيون ويطلبون المقابل. أما بالنسبة لقطر، فلا أعتقد أن ما أشيع عن طلب وساطة جزائرية مع جيرانها أمر صحيح، وليس للجزائر دور تلعبه مع دول الخليج، لأنه ليست لدينا علاقات إستراتيجية معهم، عكس المغرب.. الأمريكيون يريدون توظيفنا في المناولة ويريدون منا لعب دور باكستان، ونحن وظفناهم سياسيا، وكل واحد يعلم ما يريده الآخر لكن لا أحد يقول للآخر. ويهم أمريكا أن تحسن صورتها لدى الدول العربية، لأن الشعوب العربية ناقمة عليها بسبب القضية الفلسطينية، كما أن الأمريكيين يعلمون أن الحكومات العربية مرتشية. هل تعتقد أن زيارة كيري وحديثه عن الشق الأمني بمثابة تزكية للفزاعة الأمنية مثلما تتهم المعارضة؟ الواجب أن يفهم الجزائريون أن البديل ممكن، والمترشحون يجب أن يتوجهوا للشباب ومن يريد أن تنجح حملته يتعين عليه ذلك، وواضح أن الأمريكيين لا يهمهم تزكية الفزاعة الأمنية وكما قلت يريدون من الجزائر أن تلعب دور المناول في الملف الأمني كما تفعل باكستان، بدعوى أن الجزائر موجودة في الميدان ولديها بعض الخبرة في مكافحة الإرهاب، وفعلا إن الفزاعة الأمنية نجحت إلى حد ما، لكن الأمريكيين يعرفون أن الجزائريين حساسون لما يضخمون في نظر الغير على أنهم استطاعوا محاربة الإرهاب. الجزائر: حاوره محمد شراق