أظهرت دورة اللجنة المركزية الأخيرة للأفالان بفندق الأوراسي، أن حزب السلطة الأول لا يقوى على علاج أزمته ولملمة صفوفه ووضع حد للاحتقان بين أعضاء أعلى هيئة في الحزب. هل عجزت السلطة عن إيجاد الحل لحزبها الأول الذي استعملته ظهرا يركب وضرعا يحلب وتركته يصفي حساباته في الشارع؟ أم أنها خطة موضوعة لإنهاء وجوده بتركه يتآكل من الداخل ومن الخارج ضمن نداءات تطالب بإدخاله المتحف؟ لقد تحولت اجتماعات الحزب العتيد إلى موطن لتفريخ مزيد من الخلافات والصراعات والمشادات مقابل عقم في إنتاج الأفكار والنقاشات، حتى أصبحت المعارضة لا تجد في أحزاب الموالاة ما يسمع له صوتا أو يطرق له بابا. الخصمان في الحزب يزعمان أنهما يحظيان بدعمه بوتفليقة ينتقم من الأفالان بعدما صفى حسابه مع العسكر والدستور لم يسبق لجبهة التحرير الوطني أن عرفت وضعا أهون في كل مراحلها مثل الهوان الذي عاشته في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فبعد أن كانت الأفكار والأيديولوجيات تتصارع وتتزاحم في “الحزب العتيد” لتثري المشهد السياسي بالنقاش وتعكس صورة عامة عن التوجهات الكبرى للبلاد، أصبحت منذ مجيء بوتفليقة مرادفة للتموقع والانتهازية والتزلف والتملق والمداهنة والنفاق إرضاء لنزوة “الريَس”. الجميع في الأفالان يزعم أن الرئيس معه، وكل الأطراف المتصارعة توحي بأنها تتحرك بناء على توجيهات السعيد بوتفليقة. جماعة بلعياط تقول إن بوتفليقة يريد عودة بلخادم للأمانة العامة التي أشيع بأنه غادرها مجبرا مطلع 2013 وبإرادة من بوتفليقة. وجماعة سعداني تقول إنه باق بالأفالان برغبة بوتفليقة وأنه جاء إلى الأمانة العامة في 2014 بإرادة منه. وفي 2007 أشيع بأن بوتفليقة هو من حرم سعداني من الترشح للانتخابات التشريعية، وأنه فرض عليه عدم الظهور في الواجهة لأسباب لا يعلمها أحد. في 2005 انتهى “المؤتمر الجامع” باختيار بلخادم أمينا عاما خلفا لعلي بن فليس. وقيل أيضا إن ذلك تم بإرادة بوتفليقة الذي اختاره المؤتمرون (حسبما أشيع ولا شيء يؤكد ذلك) رئيسا. صفة الرئاسة هذه لا يعرفها أحد. بعضهم يقول إنه رئيس مهيكل وآخرون يقولون إنه شرفي. وفي كلتا الحالتين لم يحضر بوتفليقة أبدا أي اجتماع من اجتماعات الحزب، لا في اللجنة المركزية ولا في المكتب السياسي، ولا حتى المؤتمر العادي! فهل يوجد رئيس حزب في أي بلد في العالم لا يشاهد ولا يقرأ عنه أي انتماء تنظيمي يربطه بحزبه؟ نعم يوجد. هو الأفالان ورئيسه المزعوم بوتفليقة. سئل بلخادم في عز “أزمة الثقة” التي واجهها قبل عام ونصف عن سبب عدم تدخل بوتفليقة في العلن فيعبر عن موقفه مما جرى في الأفالان، فرد قائلا إن بوتفليقة “مشغول بمعالجة أزمات البلاد”. وسئل عن سبب عدم مطالبته الرئيس ليتدخل لفض النزاع فتظهر الجهة التي يفضلها فتتعزز مكانتها في الحزب ويدخل الطرف الذي لا يدعمه إلى بيته، فرد قائلا إنه “ليس متهورا حتى يشغل بال الرئيس بأمر الأفالان، بينما لديه مشاكل وتحديات كثيرة في الدولة تنتظره”. وفي كل التصريحات وما قيل من قبل وما يقال حاليا، وفي كل الجدل الذي يثار حول علاقة بوتفليقة ب “حزبه” وعن رأيه في الأزمة التي يتخبط فيها، هناك حقيقة يعرفها كل الفرقاء بالحزب الموصوف كذبا بالعتيد، هي أن بوتفليقة نفض يديه من الأفالان الذي ركبه في السبعينات والثمانينات ليكسب صفة “الرجل الثاني في النظام”، بعد هواري بومدين. كان بوتفليقة حريصا على حضور اجتماعات اللجنة المركزية وهو خارج السلطة. ولما عاد إليها كرئيس راكبا على ظهر الأفالان انتقم منه بعد نهاية العهدة الأولى بأن قسمه إلى نصفين، وشتته إلى كيانات انتهازية مسح بها الأرض بأن جعلها تتلهف لكسب وده. بوتفليقة انتقم من الأفالان شر انتقام لأن الحزب سمح للعسكر بأن يضعوا على رأسه الشاذلي بن جديد بدلا منه في 1979، تماما مثلما انتقم من الجيش لأنه فضل الشاذلي لقيادة البلاد بدلا منه بعد وفاة بومدين. وانتقم أيضا من الدستور وعبث به وأخضعه لنزواته الشخصية، وانتقم من التعددية السياسية والإعلام. الجزائر: حميد يس
وضعية الأفالان أصبحت مزمنة وتعكس رفض النظام للتغيير حزب عاش بالأزمات ولا يحيى دونها قال وزير الداخلية السابق دحو ولد قابلية إن أزمة الأفالان تضر بالبلاد والحزب معا، لكن رحل الوزير ولم ترحل أزمة الحزب العتيد. فهل أزمة الأفالان مستعصية إلى هذه الدرجة التي يصعب على السلطة حلها؟ أم أن الحزب الذي له حكاية مع الأزمات لا يمكن أن يبقى حيا دونها؟ كان حدس المجاهد وعضو مجلس الأمة صالح قوجيل في محله، عندما اقترح قبل انعقاد دورة الأوراسي يوم 24 جوان، ملتقى مصغرا يحضره الجميع لحل أزمة الحزب، لأن الذهاب إلى اجتماع للجنة المركزية بالطريقة التي تمت قد تزيد من حدة وتعقيد الأزمة، وهو ما وقع بالفعل، بحيث ازداد عدد المقصين ومعه عدد الأجنحة المتصارعة، وتحول انعقاد كل دورة من دورات اللجنة المركزية إلى ترقب ميلاد انشقاقات وصراعات جديدة وخصومات ما تلبث أن تخمد حتى تشعل من جديد ألسنة نيران أخرى. فبعدما كان بلخادم من داعمي دورة الأوراسي ليوم 29 أوت التي جاءت بسعداني، تحول بلخادم في دورة 24 جوان إلى مساند لأنصار بلعياط المطالبين بتنحية سعداني، وبعدما كان عبد الكريم عبادة من رافعي الدعوة القضائية ضد انعقاد دورة الأوراسي إلى داعم لبقاء سعداني إلى غاية المؤتمر المقبل. وبعدما كان مساندو بن فليس من أعضاء اللجنة المركزية في عين الإعصار من قبل سعداني، تحولوا إلى حلفاء في الدورة الأخيرة للجنة المركزية بعدما أصبح أنصار بلعياط خصماء الدهر والممنوعين من الدخول إلى الأوراسي. في الظاهر تظهر هذه التخندقات الظرفية والتحالفات المصلحية أن الأفالان ليس بمقدوره العيش دون افتعال أزمات داخلية، تارة وسط اللجنة المركزية ومرات في المحافظات والقسمات وأحيانا في البرلمان بين نوابه وفي أحايين أخرى داخل الحكومة بين وزرائه والمكتب السياسي. هذه الصورة ظلت ملازمة للأفالان منذ خروج مساعدية من قصر الدكتور سعداني عقب أحداث أكتوبر 88، ومرورا بعبد الحميد مهري وبوعلام بن حمودة وبن فليس، ووصولا إلى بلخادم وسعداني، صورة تفرقت بين انقلابات علمية وتصحيحيات وتقويميات وغيرها من الأشياء التي جعلت حزب السلطة الأول لا يخلو من الاهتزازات المفتعلة والمدفوعة، لم يتضح فيها من هو آت من القاعدة ومن هو من صنع القمة. والنتيجة أن اجتماع اللجنة المركزية للأفالان الذي كان في السابق يحبس الأنفاس في دواليب الدولة والمؤسسات الدستورية وحتى في الشارع، تحول اليوم إلى مشاهد للعنف والمشادات، وهو ما يعني أن أقدم حزب في البلاد تحول إلى قوقعة فارغة يتعارك على المناصب ولا ينتج الأفكار. إن من أسباب الأزمة تحديد الخط السياسي للحزب العتيد حسب الأشخاص، الأمر الذي حوله إلى خط سياسي غير صحيح لأنه لم يعد يتسع حتى لمناضليه وقيادييه بعدما كان ذات يوم يتسع لكل الناس. هذه الوضعية التي تعيشها جبهة التحرير الوطني، كان قد فسرها المرحوم عبد الحميد مهري جيدا قبل وفاته من خلال تأكيده “إذا كانت مهمة جبهة التحرير الوطني هي تسيير ما يمكن تسييره، فيمكن أن تحقق أشياء وتخطئ في أشياء أخرى، لكن سيرها العام سيبعدها عن الشعب ويجعل حتى المناضلين لا يجيدون في سلوكيات الأفالان ما يستجيب لطموحاتهم وتطلعاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية”. وفي هذه الحالة يرى مهري أن الجبهة تكون في دور “تلميع صورة النظام وواجهته ليس إلا”، وهو ما يجري حاليا في استمرار هذه الوضعية المتأزمة داخل حزب السلطة الأول، والتي تكشف أن النظام لا يريد التغيير في البلاد ويعمل على قتل الحياة السياسية. الجزائر: ح. سليمان
حوار
خبير علم الاجتماع ناصر جابي ل “الخبر” “النظام يبحث عن قاعدة جديدة من أصحاب المال والمقاولين”
أصبحت أزمة الأفالان مشكلة مزمنة، فالأزمة عمرت طويلا دون حل، ما سبب ذلك في رأيكم؟ النظام السياسي الجزائري كما كنا نعرفه تغير من حيث قواعده الاجتماعية وتحالفاته، النظام الآن يبحث عن قاعدة جديدة من أصحاب المال والمقاولين الذين لطخوا بقوة العمل السياسي فأصبح منطق السوق هو السائد، فلصوت المواطن ثمن في هذه السوق وللترشح في القوائم ثمن. والخلاصة أن النظام لم يعد في حاجة إلى الأفالان بشكله القديم وتركيبته الاجتماعية التي عرفناها تاريخيا. وهو ما يظهر من خلال عدم تكليف منذ سنوات الأفالان “الفائز” الرسمي بالانتخابات برئاسة الحكومة كما ظهر في ذلك الدور المحتشم للأفالان في الترويج للرئيس أثناء ترشحه. فالنظام في حاجة إلى أحزاب لفترة قصيرة خلال العمل الموسمي أثناء الانتخابات، فقد عوض الحزب بالمال العام والفضائية والإدارة ورجل الأعمال. لدرجة أن دور الواجهة الذي كان يقوم به الحزب لم يعد ضروريا ولا مطلوبا بنفس الدرجة. وهو ربما ما لم يتفطن له “مناضلو” الأفالان. هذه التحولات في قاعدة السلطة وفي علاقة الأفالان بالسلطة تزيد حتما من اشتداد أزمة الافلان وتزيد من ديمومتها، كما تؤكده الصور التي شاهدها الجزائريون أثناء اجتماعات اللجنة المركزية في الأوراسي نهاية الأسبوع. بوتفليقة هو رئيس الحزب، هل نفض يديه منه برأيك؟ كل رؤساء الجزائر كانت علاقاتهم سيئة بالحزب منذ الاستقلال. فالحزب بالنسبة لهم جهاز يتم توجيه أوامر له ووجوه باهتة تشرح خطابا وتنظم تجمعات للتوعية... إلخ. بوتفليقة لا يشذ عن القاعدة في ذلك، فالحزب بالنسبة له يجب أن يؤيد فقط. لا يجب أن ينافس ولا ينتج نخبا منافسة ولا حق له في وزارة أو رئاسة حكومة أو رئاسة مجلس إلا “بالنفحة” التي تعتمد على الولاء الشخصي والجهوي. والدليل على ذلك أنه حتى أثناء الانتخابات الأخيرة لم يكن بوتفليقة في حاجة للأفالان، خاصة عندما يمثله سعداني والوجوه التي برزت معه. رغم التدافع في دعم الرئيس. هناك عجز في معالجة الأزمة، هل بسبب أن الأفالان أخرج من صراع التوازنات وقد وجدت السلطة بديلا له كحزب تاج أو الجبهة الشعبية؟ بعد الانتخابات الرئاسية، صراعات الأفالان لا تهم إلا المتصارعين أنفسهم. إلا إذا فكرنا أنها صراعات في علاقة مع الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يمكن أن تعيشها الجزائر في أي لحظة. وبالمؤتمر القادم للحزب بدرجة أقل. هنا يمكن أن يتحول الأمر لكي تتدخل المؤسسات الأخرى كالرئاسة أو المؤسسة الأمنية لترتيب الأمور بما يخدم أهدافها وتوقعاتها من هذه الانتخابات. ليعود الأفالان بذلك إلى دوره كحزب لإسناد مشاريع السلطة. فيتم إقصاء من كان ضدها ويقرب من يقبل بها وهم الكثر على أي حال، ما يجعل السلطة لا تهتم عادة كثيرا بالصراعات، لأن “الغاشي كله نتاعها”. فالكل سيهرول لتقديم الولاء لأي خيار تقوم به السلطة في نهاية الأمر. الجزائر: حاوره محمد شراق
عضو اللجنة المركزية للأفالان صالح ڤوجيل ل “الخبر” “لا يعقل أن يعيش الحزب الأول حالة الفوضى” قال صالح قوجيل عضو اللجنة المركزية بحزب جبهة التحرير الوطني “لن اسكت عما يجري بالأفالان مادمت حيا ولو بقيت وحدي أعارض.. مستحيل أن أسكت”، وكان قوجيل يعلق على اجتماع اللجنة المركزية الثلاثاء الفارط قائلا “ما حذرت منه قد حصل”. أوضح ڤوجيل في تصريح ل“الخبر” أمس، أن “هناك انقساما كبيرا في صفوف الأفالان، وهذا ما قلته قبل انعقاد دورة اللجنة المركزية الأسبوع الماضي”، ويرى المتحدث أن الانقسام الذي تعاني منه الجبهة لا يمكن حله بمجرد اجتماع للجنة، بينما أحال الفرقاء بالحزب العتيد إلى مقترحه المتعلق بضرورة عقد “مؤتمر مصغر”، بدلا من دورة للجنة المركزية باعتبارها قد تزيد الأزمة تعقيدا، الأمر الذي حصل بالفعل بالنسبة لقوجيل الذي أكد “لم أحضر أشغال الدورة كما لم يحضر إطارات ومجاهدون منخرطون في الأفالان منذ 62، لأني أعرف حجم الشرخ الذي أصاب الأفالان منذ سنوات وتضاعف خلال الأشهر الاخيرة”، وتوصل قوجيل إلى قناعة تفيد بأن “ما يحدث بالحزب معركة أشخاص وليس معركة جبهة التحرير. هذه هي الحقيقة. وإذا أردنا تدارك الأمر فإني تقدمت باقتراح عقد مؤتمر مصغر”. وقال أيضا “لم أستغرب لمنع إطارات وشخصيات من دخول القاعة التي احتضنت الدورة، ولكني استغربت للطريقة التي تم بها المنع. أمر غير مقبول بتاتا”. وقال قوجيل “بعد نجاح المنتخب الوطني في بلوغ الدور الثاني بمونديال البرازيل، تمنيت لو تم التركيز في جدول أعمال اللجنة المركزية الأخيرة على الرياضة ونشدنا قسما، لكنا حققنا هدفنا”. وأوضح عضو اللجنة المركزية المعارض لقيادة الحزب الحالية وعلى رأسها عمار سعداني، إن المبادرة التي تقدم بها “مازالت قائمة”، وأكد ردا عن سؤال حول ما يحضر له المعارضون في المرحلة المقبلة بعد أشغال دورة اللجنة المركزية الأخيرة “سنعمل سويا لتحديد خارطة طريق للوصول إلى مؤتمر حقيقي، نحن لا نقبل أن يكون مستوى الجبهة هو الذي ظهر مؤخرا، ومنذ سنوات وأشهر مازال المناضلون ينتظرون حلا، ونحن نتأسف لذلك، لكني مادمت حيا فلن أسكت حتى وإن بقيت وحدي”. وقال قوجيل ردا عن سؤال حول موقع الرئيس بوتفليقة فيما يجري داخل الحزب العتيد الذي يرأسه، أوضح قوجيل “لا أريد التدخل بمثل هذه الأمور، لأنها بعيدة عني، ولا أعرف إن كان بوتفليقة تدخل أم لا، لكني أعتقد أن الأمر داخلي، ولا ننتظر أن يقال لنا افعلوا هذا ولا تفعلوا ذاك”. وشبه المتحدث الانقسام الحالي في الأفالان بالانقسامات التي وقعت إبان الحركة الوطنية، بينما كانت الثورة بتونس والمغرب حدث شرخ بالجزائر، فخرجت جماعة رافضة طريقة معالجة القضية الجزائرية، ليقرر مناضلون حقيقيون (مجموعة ال22) تفجير الثورة. وأفاد المتحدث “اهتمامنا الوحيد هو مصير الجبهة في الساحة السياسية مستقبلا. لو لم يكن الحزب موجودا كتيار وطني يحدث التوازن كيف سيكون عليه الوضع؟ لا يعقل أن يعيش الحزب الأول في البلاد حالة الفوضى”. الجزائر: حاوره محمد شراق