ببلوغ النصف الثاني من شهر رمضان، يتضاعف إقبال العائلات على المحلات والمراكز التجارية، ليس من أجل تزيين المائدة الرمضانية بما لذ وطاب، لكن لاختيار كسوة العيد، فتتزايد الحركة في الأسواق التي تعرف اكتظاظا في الليل والنهار، ومعها تسهل مهمة اللصوص وتنشط خفة الأيادي التي يدخل أصحابها في مناورات كرّ وفر مع أصحاب المحلات. تعلمنا ونحفظ عن ظهر قلب أنه ما إن يقبل شهر رمضان حتى تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنم وتصفّد الشياطين، لكن هذا ليس عائقا أمام البعض الذين يتربصون بأصحاب المحلات لسرقة ما خف وزنه وغلى ثمنه، دون مراعاة حرمة الشهر الكريم. والغريب في الأمر، أن أبطال عمليات السرقة هذه هن نساء في الغالب، وهي الحقيقة التي أكدها أصحاب المحلات الذين تحدثنا إليهم في جولتنا بالعاصمة. البداية كانت من شارع ديدوش مراد الذي لا تتوقف فيه الحركة طيلة أيام السنة وتتضاعف مع الاستعدادات لاستقبال عيد الفطر. توقفنا عند محل لبيع العبايات الخليجية، المحل كان مكتظا عن آخره، إقبال يضاعف بالتأكيد من أرباح المحل، بالمقابل يزيد من متاعب العاملات فيه، ولعل هذا أول ما شدني وأنا ألج المحل، العاملات يتبادلن النظرات والإيماءات والإشارات لمراقبة الزبونات، وأخريات يقفن في انتظار خروج الزبونات من الأماكن المخصصة لتجريب الملابس، بدا المكان وكأنه ثكنة عسكرية. سألت إحدى العاملات عن “حالة التأهب القصوى” دون أن أكشف عن هويتي، فردت مبتسمة “هكذا ويا ربي، أي سهو منا سيجعلنا ندفع الثمن”، وراحت الشابة تتحدث عن حالات السرقة التي تم تسجيلها في المحل رمضان الماضي، رغم أنه مزود بالكاميرات، والسرقات كانت بطلاتها سيدات وشابات. تواصل محدثتي: “رغم أن المحل مزود بالكاميرات، إلا هذا لم يمنع من أن تمتد إلى البضاعة أيادي اللصات المحترفات، فهن يستهدفن السلع من أبسط أكسسوار إلى أغلى عباية”. وما يثير الاستغراب هو قيام الزبونات “السارقات” بابتكار طرق وأساليب جديدة غير متوقعة في عمليات السرقة، حيث يخدعن أصحاب المحلات التجارية بأخذ مجموعة من الملابس ويدخلن إلى غرفة القياسات لتجريبها ثم يقمن بإخفاء تلك الملابس تحت تلك التي يرتدينها. غرفة القياسات مشكلة كبيرة وأنا أكلم العاملة تدخلت زميلتها لتشاركنا الحديث وهي تترقب خروج إحدى الزبونات من غرفة القياسات: “حالات السرقة نسجلها طيلة أيام السنة، لكنها تتضاعف في الأيام الأخيرة من رمضان بسبب التزاحم في المحل، وفي رمضان الماضي سجلت عدة محاولات لسرقة عبايات، فإحداهن مثلا دخلت لتجريب العباية وتظاهرت أنها لم تناسبها وأعادتها إليّ، لكن بعد جرد السلعة في صباح اليوم الموالي اكتشفنا أننا فقدنا عباية ثمنها 13 ألف دينار، وبعد مراقبة تسجيل الكاميرا اتضح أن الزبونة أخذت معها اثنتين لتجريبها، ولم ننتبه لها عندما أعادت إحداها قبل خروجها، لأنها كانت ترتدي الأخرى تحت حجابها”. وأضافت محدثتي أن هذا الأمر دفع صاحب المحل إلى اتباع طريقة أخرى عند منح الملابس للزبونة لتجريبها، “فإذا أخذت قطعتين نسلمها ورقة عليها رقم اثنان، وإذا أخذت ثلاث قطع نسلمها ورقة عليها رقم ثلاثة وهكذا، تسلمها للبائعة عند خروجها من غرفة القياس، فالبائعة قد تسهو مع كثرة الزبائن ولا تتذكر عدد القطع التي أخذتها الزبونة”. تضاعف عدد السرقات في رمضان تركنا ديدوش مراد وتوجهنا إلى ميسوني.. السوق الذي يعرف إقبالا كبيرا طيلة أيام السنة، فما بالكم في رمضان. ولم يكن صعبا فتح الحديث مع أصحاب المحلات عن السرقات التي تطال السلع من الملابس وغيرها في هذا التوقيت بالذات، فمحمد، صاحب محل لبيع ألبسة الأطفال انتفض من مكانه وأنا أسأله عن الموضوع، قائلا: “اكتبوا عليهم يا ختي، ما يخافوا ربي ما يراعوا حرمة رمضان”، واسترسل محمد أن الغريب في كل هذا أن السارقات لا يجدن حرجا في القيام بهذه الأفعال أمام أطفالهن. يقول محدثي: “أضبط عدة حالات يوميا في باقي أيام السنة، لكن المحاولات تتضاعف في رمضان ولهذا دعّمت المحل بثلاثة بائعين مؤقتين في هذا الشهر من أجل ضمان حراسة السلعة، لأن أي سهو سيكلفني غاليا، فالسنة الماضية فقدت ما قيمته ثلاثة ملايين بسبب السرقات”. وأضاف محمد أن كل “حيله” و”تجنيده” للعاملين في محله لمراقبة حركات الزبائن والزبونات تحديدا، لم تنفع أمام الحيل الجهنمية التي يعتمدنها، مواصلا: “تجدين إحداهن تأخذ أكثر من ثلاث قطع لتجريبها لابنها، وعندما تجدك منشغلا مع زبون آخر، توهمك بأن القياس غير مناسب وتأخذ إحدى القطع دون أن تنتبه إليها، وأخرى تأخذ سروالا أو قميصا وتضعه بين مشتريات اقتنتها من محل آخر، وعندما تواجهها بالجرم المشهود تقسم أنها اقتنتها من محل آخر أمام أنظار طفلها”. الحالات نفسها وقفنا عليها في سوق بن عمر بالقبة، يقول صاحب محل لبيع الألبسة النسائية: “إذا كانت العشر الأواخر مناسبة لحصد الثواب والتقرب من الله بقراءة القرآن وقيام الليل، فهي مناسبة أيضا للبعض لتعبئة حسابهم بالسيئات”. وراح محدثي يتحدث عن يومياته في مراقبة الزبونات اللواتي يلجن محله وبينهن الكثيرات اللواتي يدخلنه فقط بنية السرقة “الغريب يا أختي أنهن لا يخجلن بعد أن أواجههن بفعلتهن، فمن هن من تقسم أنها لم تفعل، وأخرى تكذبني وتهددني بالاستنجاد بالشرطة لأنني أتبلى عليها ووو”. ورغم اعتراف أغلب أصحاب المحلات الذين تحدثنا إليهم بتزايد الظاهرة في الأيام الأخيرة من رمضان، وعجزهم عن السيطرة عليها، إلا أنهم اتفقوا جميعا على أنهم لا يقومون بتقديم السارقات للشرطة إلا في حالات نادرة “أعرف أنهن سيتعرضن للفضيحة وهذا سيجلب العار لعائلاتهن.. واش تحبي يا ختي حنا حشمنا وهما ما حشموش”، يقول أحدهم.