لم يكن المسجد مكانًا للعبادة فحسب وإنّما كان مركزًا لنشر الدعوة الإسلامية وتعليم المسلمين أمور دينهم، كما كان المسلمون يجتمعون فيه للتّشاور في شؤون الدِّين والدّنيا معًا. وكان المسجد هو المقر الدّائم للرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فيه يؤمّ المسلمين للصّلاة، وفيه يعلّمهم أمر دينهم، ومنه ̉يصدر القرارات المختلفة لتنظيم المجتمع الجديد، وفيه تربى النّفوس والأرواح على تقوى الله جلّ شأنه. يعين على الإخلاص في العبادة والإتقان في العمل والصّدق في المعاملة ومحاسبة النّفس عن كلّ صغيرة وكبيرة.. فمن هذا الأساس الأوّل نشأ هذا المجتمع قويًا لا تهزّه الأعاصير، صلبًا لا تؤثّر فيه الأزمات والمِحن، متماسكًا لا تنال منه الفتن. وصدق الله إذ يصفه بقوله: {أفَمَن أُسِّسَ بُنيانُه علَى تَقْوًى منَ الله ورِضوان خيرٌ أمْ مَنْ أُسِّسَ بنيانُه على شَفَا جُرْفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ في نارِ جهنَّمَ واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالمين} التّوبة:109، وما سوى هذا البناء الرّاسخ المطمئن، بناء قائم على حافة جرف منهار، يَنهار وينزلق ويهوي بأصحابه في هُوّة جهنّم وبئس القرار. المؤاخاة من المبادئ الّتي طبّقها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عندما هاجر إلى المدينةالمنورة مبدأ المؤاخاة بين المسلمين. فقد آخى صلّى الله عليه وسلّم بين المهاجرين والأنصار كما آخى بين المهاجرين بعضهم بعضًا وكذلك بين الأنصار أنفسهم. وكان لهذه المؤاخاة شأن كبير في ترابط المجتمع الإسلامي الأوّل وتضامنه، فهذه الأخوة في الله هي أقوى رابطة من الأخوة في النّسب. وقد جعلت هذه المؤاخاة المجتمع الإسلامي كأنّه أسرة واحدة، كما أنّها قضت على نزعات التعصّب للقبيلة الواحدة ونزعات الصّراع بين القبائل. فقد كانت هناك حروب بين قبيلتي الأوس والخزرج قبل الإسلام ولكن بفضل هذا الدّين الحنيف أصبحت القبيلتان أمّة واحدة.. وقد مَنّ الله عليهم بهذه النّعمة في قوله جلّ ذِكرُه: {وَاعْتَصِموا بحَبْلِ الله جميعًا ولا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمتَ اللهِ عليْكُم إذْ كُنْتُم أعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْن قُلوبِكُم فأصْبَحْتُم بِنِعْمَته إخْوَانًا وكُنْتُم على شَفَا حُفْرَةٍ منَ النّارِ فَأنْقَذَكُم منْها كذلك يُبَيِّنُ الله لكُم آياتِه لعلَّكم تَهْتُدون} آل عمران:103.