اختلفت آراء المشاركين في ملف ”الخبر” حول موضوع ”سينما حرب التحرير ومسألة المسكوت عنه”، عقب الضجة التي رافقت عرض فيلم ”الوهراني” لإلياس سالم، بين من يرى أن حرية الإبداع لا تعني تزييف الحقائق التاريخية والكذب على الناس وتخريب تاريخنا، ومن يرى أنه حان الوقت لتناول حرب التحرير سينمائيا تناولا مختلفا عن النظرة السابقة التي اعتمدت على التمجيد والبطولات، اعتمادا على حرية الفن والإبداع.
الدكتور أحسن تليلاني ”حرية الإبداع لا تعني تزييف الحقائق والكذب على الناس”
يرى الدكتور أحسن تليلاني أن ”السينما لكونها تعتمد على الصورة الحية، فهي تمتلك قوة هائلة على محاكاة الواقع وتصويره بصدق، هذه القوة الكبيرة قد لا تمتلكها الفنون الأخرى، ولذلك ثار الناس مثلا على فيلم ”الوهراني”، ولم يثوروا قبلها على عدد كبير من الروايات الجزائرية التي دنست تاريخ الثورة وأدانت بعض حوادثه وشخصياته”. وقال تليلاني الذي ألف مؤخرا سيناريو حول مسار الشهيد زيغود يوسف ”لنعترف ثانيا أن التاريخ يشكل مادة هامة بالنسبة لأي فنان مبدع، سينمائيا كان أم مسرحيا أم أديبا، فالفن يغرف موضوعاته من ينبوع التاريخ، كما قد يستقيها من الواقع المعيش، ولعل التاريخ يكون أكثر جاذبية وأهمية لأنه مكتمل الوقائع وحافل بالصراعات والحكايات والشخصيات، غير أن هذا السينمائي أو ذاك الفنان ليس مؤرخا همه توثيق الحقيقة، ولكنه مبدع يستعمل الحقيقة التاريخية كوسيلة للتعبير عن أفكاره وآرائه وتصوراته، لذلك فإذا كان تحقيق الصدق التاريخي هو غاية المؤرخ، فإن الصدق الفني هو أهم شيء بالنسبة للفنان المبدع، ومن أجل تحقيق هذا الصدق الفني المنشود، يجوز للفنان ما لا يجوز لغيره بغض النظر عن قضية الالتزام بالحقيقة أم لا”، وأضاف ”وبصرف النظر عن جدلية التقديس والتدنيس، لأن الفنان حر في نظرته للتاريخ، ومن حقه أن يفسر الشخصيات والحوادث كما يشاء بما يخدم رؤيته وفكرته وغايته الإبداعية، إذ لا شيء يغدو مقدسا هاهنا سوى قداسة الفن والإبداع في حد ذاته”. لكن في المقابل يعتقد تليلاني ”أن الإيمان بحرية الفنان لا تعفيه تماما من تحمل مسؤولياته تجاه رسالة فنه من جهة وتجاه جمهوره من جهة ثانية، فالحرية لا تعني العبث والتحامل وتزوير الحقائق، إنما الحرية الفنية هي في المقام الأول التزام بقيم الحق والخير والجمال، ولذلك نقيس قيمة العمل الإبداعي بغاياته والهدف من ورائه”، وتساءل قائلا ”لماذا يتم الإصرار من قبل البعض على تصيد الأخطاء في تاريخنا الوطني، في حين يتم التعتيم عن المواقف البطولية؟ هل فرغنا من استلهام بطولاتنا حتى نتفرغ لخيباتنا؟ ثم لماذا هذه الحملة المسعورة بالذات على تاريخ ثورتنا لدرجة تحطيم جميع الرموز البطولية والتاريخية؟ ولمصلحة من هذه الحملة؟” ليضيف ”إننا جميعا نرى مدى حرص الشعوب والأمم الأخرى على حماية تاريخهم الوطني والقومي من أي تلاعب أو تحامل إلى درجة اللجوء للقضاء وتسليط أقسى العقوبات على المخالفين، فلماذا إذاً نقوم نحن بتخريب تاريخنا بأيدينا بحجة حرية الإبداع والحق في تصوير الأخطاء؟”. وذكر تليلاني أنه كتب سيناريو فيلم زيغود يوسف بعيدا عن أي تمجيد أو تقديس، لم يجد في سيرة هذا الشهيد البطل ما يشينه، فكل حياته، كما قال، ومنذ طفولته إلى غاية استشهاده كفاح وتضحيات وبطولات ومواقف رجولية يعجز خيال المبدع عن تصويرها. وختم تليلاني بالقول ”إن هذا الزمن الذي نعيشه اليوم غريب فعلا، بحيث قد أفسدنا وشوهنا كل شيء من اللغة إلى الدين إلى الأخلاق، وحطمنا المدرسة والمسجد والأسرة والحي والمدينة، ولم يبق لنا سوى التاريخ الذي يوحدنا ويمنحنا الشعور بالاعتزاز بانتمائنا، والخوف كل الخوف أن نستيقظ يوما فنجد العابثين يتلاعبون بهذا التاريخ بحجة حرية الإبداع والفن. فالرحمة الرحمة بتاريخنا أيها الناس”.