مبالغة في إعادة تقييم المشاريع الوزارة تعترف بوجود نقائص أظهر مجلس المحاسبة تحفظات شديدة على التسيير المالي لوزارة الخارجية في عهد وزير الخارجية الأسبق، مراد مدلسي، خصوصا في مجال التحكم في تقديرات الميزانية واللجوء المتكرر لإعادة تقييم المشاريع، مسجلا تبذير أموال عمومية خلال اقتناء مراكز دبلوماسية وقنصلية. لاحظ المجلس، في الوثيقة المرفقة لتقريره السنوي حول تنفيذ الاعتمادات المالية لسنة 2012، بشأن تقييم ميزانية وزارة الخارجية، وجود “نقائص في التحكم في تقديرات الميزانية بالنسبة للحساب الخاص بعنوان مساهمات الدولة في المنظمات الدولية والإقليمية”. واستدل على ذلك بتسجيل نفس مخصصات السنوات المالية السابقة لبعض الأبواب، بالرغم من تدني الاستهلاكات خلال نفس الفترة، لاسيما الباب 34-02 الخاص بالأدوات والأثاث والباب 43-01 الخاص بمصاريف التكوين المزودة بنفس المبالغ منذ سنة 2010 والمقدرة على التوالي ب 18,375 مليون دينار و400 مليون دينار جزائري، مع أن متوسط الاستهلاك لهذين البابين لم يتجاوز 38 بالمائة للأول و1 بالمائة للثاني. واستغرب المجلس تخصيص نفس الاعتمادات الموجهة لتنظيم “لجان متابعة الجلسات للجالية الجزائرية المقيمة بالخارج” ول«العمل المغاربي”، والمقدرة ب6 ملايين دينار و11 مليون دينار، دون تسجيل أي استهلاك خلال الفترة المعنية، معتبرا أن هذه الممارسات بعيدة عن أحكام المادة 25 من القانون المتعلق بقوانين المالية، الذي ينص على تبرير الاعتمادات اللازمة لتغطية نفقات التسيير بصفة سنوية وكلية. ومن ملاحظات التقرير أيضا، إلحاق اعتمادات إضافية غير مبررة ببعض الأبواب، لافتا إلى استمرار نفس النقائص والخلل في عمل الهيكل المكلف بالرقابة والمتابعة للتسيير المالي للمراكز الدبلوماسية والقنصلية، حيث أن “نشاط المراقبة يبقى محدودا بالنظر لوسائل عمله غير المتناسبة مع عدد المراكز الموجودة في الخارج وحجم العمليات المتزايدة باستمرار”. وأشار التقرير في تقييمه لميزانية التجهيز أن قطاع الخارجية لم ينج من عدوى عمليات إعادة التقييم وإنضاج المشاريع المنتشرة على نطاق واسع في الجزائر، وسجل التأخر المسجل في إنجاز المشاريع على غرار مقر المعهد الدبلوماسي وتوسيع دار الضيافة وإنجاز وتهيئة مختلف القنصليات والإقامات لصالح المراكز الدبلوماسية والقنصلية. وسجل مثلا أن إنجاز وتجهيز مقر وزارة الخارجية الجديد بهضبة العناصر خضع لإعادة تقييم بما يعادل 38 مرة الميزانية الأولية له، وبلغت التكلفة 18,900 مليار دينار، بينما ارتفعت الميزانية المخصصة لإعادة مركز الاتصال ببراقي ب 400 مليون دينار، أي ما يعادل 10 مرات الميزانية الأولية، فيما قفزت الميزانية المخصصة لإنجاز مقر للقنصلية الجزائرية ببريتوريا 13 مرة الميزانية الأولية. ولام المجلس وزارة الخارجية على طريقة إدارة اقتناء مقر جديد للقنصلية الجزائرية بالعاصمة البريطانية “حيث لم يراع فيها الضمانات والاحتياطات الواجب اتخاذها”. وينسحب هذا على عملية مماثلة تخص بناء إقامة وقنصلية بدبي، حيث سطر إنجازها بمبلغ مليار دينار، ثم أعيد تقييمها لينتقل المبلغ في عام 2011 إلى 2,4 مليار دينار، غير أن عملية الاقتناء لم تكتمل رغم تحمل مصاريف بقيمة 493 ألف جنيه إسترليني، أي ما يعادل 58 مليون دينار. ولم تنكر وزارة الخارجية، في ردها على تقييم المجلس، وجود اختلالات، وأشارت إلى القيام بتصحيح بعض الأوضاع وإدماج بعض الميزانيات، لافتة إلى وجود جهد لسد المناصب المالية الشاغرة من خلال المسابقات التي نظمت في السنوات الماضية. وعلقت على غياب المراقبة المالية لسير البعثات الدبلوماسية في الخارج، بأنه جرى توظيف دفعة مكونة من 57 ملحقا ماليا وإداريا، وستساعد هذه الوضعية، حسب الوزارة، في التكفل بعمليات المراقبة الخارجية. وبررت تأخر إنجاز المشاريع، ومنها مقر المعهد الدبلوماسي، بعدم توفر شروط الانطلاق، بينما تم إلغاء عملية توسيع وإعادة تهيئة دار الضيافة. وفسرت اللجوء لعمليات إعادة التقييم لوجود حاجة لذلك، واستدلت بمقر وزارة الخارجية الجديد، حيث تم تغيير مكان إنجازه من دالي إبراهيم إلى هضبة العناصر، وظهور تعقيدات ضمت مشاكل نزع الملكية وتطلبت اللجوء إلى مجلس الوزراء. وبخصوص ملاحظات عملية اقتناء مقر قنصلية بالعاصمة البريطانية، أشارت الوزارة إلى أن الملف قيد التسوية، حيث تم إيجاد مقر جديد، بعد رفض السكان تواجد القنصلية بالقرب منهم. غير أنها لم تعلق على قضية اقتناء قنصلية بدبي التي كلفت ميزانية الدولة خسائر ب58 مليون دينار. وحصلت وزارة الخارجية في ميزانية 2015 على رخص لإعادة تقييم اقتناء مزيد من المشاريع الدبلوماسية في الخارج، منها قنصلية بالعاصمة الفرنسية باريس، الرياض بالمملكة العربية السعودية، ومدينة نيويورك، بإجمالي 3900 مليون دينار.