الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات: تكريم عمال ومتقاعدين بشرق البلاد    وساطة الجمهورية: التكفل ب 97 بالمائة من عرائض المواطنين خلال سنة 2024 بولاية جانت    الوزير الأول يشرف بحاسي مسعود على مراسم إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات    العاصمة..المديرية العامة للأمن الوطني تطلق الحملة الوطنية للتبرع بالدم    تأميم المحروقات من اهم القرارات الحاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة    حمدي: قرار تأميم المحروقات..نقطة تحول في مسار التنمية وتعزيز للمكانة الجيو-سياسية للجزائر    نعم انتصرت المقاومة وإسرائيل تتفكك رويدًا رويدًا    ياسع يشارك بالصين في أشغال الجمعية العامة للهيئة الأممية للتغيرات المناخية    مشاريع تحلية مياه البحر نابعة من إرادة سياسية استشرافية لمواجهة شح الأمطار وللاحتياجات التنموية    محروقات: وكالة "ألنفط" تعتزم إطلاق مناقصة دولية جديدة في أكتوبر المقبل    المعهد الوطني للصحة العمومية ينظم يوما إعلاميا حول الأمراض النادرة    القنوات السمعية البصرية مدعوة خلال رمضان إلى تقديم برامج متنوعة وراقية    بوغالي يعزي في وفاة ثلاثة عسكريين أثناء أداء واجبهم الوطني بعين تيموشنت    وزير الداخلية في زيارة رسمية إلى إسبانيا ابتداء من يوم الاثنين    المجلس الوطني الفلسطيني: استخدام الاحتلال للدبابات في "جنين" يهدف لتدمير حياة الفلسطينيين    صحراء ماراطون : مناسبة متجددة للتضامن مع الشعب الصحراوي ونضاله من أجل حريته واستقلاله    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    كرة القدم/ الرابطة الأولى موبيليس (الجولة ال 17): مولودية الجزائر تفوز على نادي بارادو (3-1) وتعمق الفارق في الصدارة    مدير البريد والمواصلات لولاية الجزائر    ارتفاع حصيلة المراقبين الدوليين الذين طردهم المغرب    نشيد بدور الجزائر في حشد الدعم المادي للقارة    رؤية شاملة لمواصلة لعب الأدوار الأولى    رؤية استشرافية متبصرة لريادة طاقوية عالمية    محطات تحلية المياه مكسب لتحقيق الأمن المائي    ترقية التعاون جنوب-جنوب في مجال الطوارئ الكيميائية    سعيدة : فتح ستة أسواق جوارية مغطاة تحسبا لرمضان    دورة تكوينية للنواب حول المالية والإصلاح الميزانياتي    بونجاح وعبدلي يؤكدان جاهزيتهما لتصفيات المونديال    "إسكوبار الصحراء" تهدّد مملكة المخدرات بالانهيار    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    خارطة طريق جديدة للقضاء على النفايات    السيد بوغالي يترأس بالقاهرة أشغال الدورة ال37 الاستثنائية للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي    سيطرة مطلقة للمنتخب الجزائري    الدخول المهني: استحداث تخصصات جديدة تواكب سوق العمل المحلي بولايات الوسط    هذه هي الجزائر التي نُحبّها..    توقيف لاعبَيْ مولودية الجزائر واتحاد بسكرة 6 مقابلات    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    قِطاف من بساتين الشعر العربي    الشوق لرمضان    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    الطارف : انطلاق التربص التكويني لمدربي كرة القدم FAF1 بالمركب الرياضي تحري الطاهر    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يجدّد دعمه للجمهورية الصحراوية    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاكم التفتيش المقدس تستيقظ في الجزائر
على هامش تكفير الروائي الجزائري كمال داود
نشر في الخبر يوم 19 - 12 - 2014

الساكت عن الحق شيطان أخرس. والصامت عن الجريمة شريك فيها. بعد مقتلة دامت أكثر من عشر سنوات، وخلفت وراءها أكثر من 200 ألف ضحية، وقرابة الأربعين مليارا حولت إلى رماد، ها هي الآلة الجهنمية تطل برأسها من جديد، داعية كما عادتها التي لم تنسها أبدا، إلى التكفير والقتل، من خلال آلية من الجهل والعجز الفكري والتأملي.
من الذي يمنح هؤلاء القتلة المتخفين، حق الإفتاء بقتل الآخرين الذين لا يوافقونهم الرأي؟ اعتمادا على دين إسلامي متسام، لكنهم جيّروا تأويلاته وفق شهواتهم المريضة. ما هو هذا الشيء العظيم الذي يتهدد الإسلام والمسلمين ليصل الشيخ؟ عبد الفتاح زيراوي، الحاكم بأمره، أن يخرج من الظل ليعلن جهرا بأنه يجب حرمان الروائي كمال داود من جنسيته ومنعه من دخول الجزائر ومحاكمته وتطبيق الحد عليه. قتله.
فجأة أخذ مكان الدولة وأفتى ضد كاتب لا أعتقد أنه يحمل أكثر من قلم وحاسوب صغير. نعم ما قاله كمال داود عن العروبة وفلسطين والجزائر والدين وغيرها من الموضوعات التي أثارها في قناة “فرانس 2”، دفعت الصحفيين الفرنسيين إلى وضعه أمام خياراته التي دافع عنها بطريقته، قابل لأن يناقش. قال سلسلة من الآراء، ومن يتابع كتابات زوايا كمال داود في الصحافة الجزائرية، والحادة جدا، لا يستغرب رأيه. وهذا حقه. على الشيخ الحاكم بأمره أن يحمل قلمه ويكتب ويجادل كمال داود بالتي هي أحسن، إن كان يملك ما يقوله، بدل الركض وراء التهم الخطيرة التي قد تقوده هو إلى السجن قبل إعدام كمال داود، لأنها مناداة صريحة وعلنية بالجريمة، التي يعاقب عليها القانون كجريمة.
الروائي والصحفي كمال داود يكتب منذ سنوات زاويته النقدية ضد كل مظاهر الحياة بحدة بما في ذلك العدوان الإسرائيلي على غزة الذي له فيه وجهة نظر قد لا تكون صحيحة، لكنها رأي وعلى من يختلف معه أن يسال قلمه ويفتح الجدل. ماذا قال كمال في الدين ليُجرّم سوى التأكيد على أن المجتمعات العربية مريضة بدينها، كما قال المرحوم المفكر مصطفى الأشرف، وعليها أن تنظر للمسألة الدينية نظرة موضوعية وجادة ولا تتركه لتجار الإيمان وموزعي صكوك التكفير والغفران. طالب بنظرة فعالة تدخل الدين في الحيز الخاص الذي يجعل الدين فوق الصراعات الموسمية والسياسوية، كما نراه اليوم في الوطن العربي، والمراهنة على المستقبل. وكل هذا لا علاقة له برواية الكاتب التي تطرح إشكالية ما بعد الكولونيالية.
سؤالي، هل قرأ الشيخ عبد الفتاح زيراوي، الحاكم بأمره، الرواية وهو العارف للغة الفرنسية؟ هل أزعجته رواية مهما كانت قيمتها، فهي في النهاية عمل تخييلي، ولم تزعجه الصفقات المشبوهة، والسرقات الموصوفة للمال الجزائري والفساد المستشري الذي لم تعد الدولة نفسها قادرة على إخفائه من شدة عفن رائحته؟ ماذا يقول الشيخ عن وضعية الملايين من البشر، الحياتية في المجتمعات الإسلامية والعربية تحديدا؟ مادام أصبح خبيرا في الرواية، فماذا يقول عن النفط الذي أصبح في أدنى مراتبه بفضل العرب والمسلمين لتجويع الملايين؟ ما رأيه في داعش التي تنام في كأس القهوة التي يشربها كل صباح، وما رأيه في المسلمين وغير المسلمين الذين تقتلهم على الملأ، أمام الشاشات العالمية؟ لماذا لا يدين القتلة الذين أساؤوا إلى الدين الحنيف وشوّهوه، ومنحوا كل المبررات لاعتبار العربي المسلم إرهابيا بموجب الدين واللغة وليس بموجب الممارسة؟ ما رأي الشيخ الحاكم بأمره في المسلمين الذين يقتلون المسلمين؟ والعرب الذين يبيدون العرب والعروبة التي تنفي العروبة؟ هل يعرف أن الرواية هي في النهاية عالم لغوي ينشئه الكاتب ليقول فكرة ما أو التعبير عن أزمة ما في الجسد الذاتي والمجتمعي، ومن يخالفه في الفكرة هناك شيء اسمه النقد، هو أيضا نشاط لغوي وليس سيوفا أو كاتمات الصوت، ترفع في وجه الكتاب. فليأت بفكرة بديلة، أو بكتاب، بدل القفز إلى الجريمة الموصوفة. داعش ليست فقط حركة إجرامية، أوكلت لها وظيفة تدمير منظم لأي حياة ممكنة في المجتمعات الإسلامية والعربية تحديدا، ولكنها نظام أيديولوجي وفكري ومنظومة من الأحكام العمياء التي تلغي الزمن، لتركن في زمنها الأبدي والميت، لتقدم خدمة جليلة لأعداء الحرية والتنور والتطور. خطاب القتل بسبب ثقافي وأدبي، هو تشريع للقتل. أيام الموت الجزائرية في التسعينيات بدأت بنفس الطريقة. إعلانات سريعة هنا وهناك، وشيوخ قتلة يكفرون هذا وذاك، ووزير أوقاف يبرر بسذاجة غير مقصودة القتل عندما قال: لماذا يقتلون الشرطة المساكين، فهم ليسوا شيوعيين. وكأن، على الشيوعي أو مخالف الفكر المهيمن، أن يقتل. الفكر يموت وينطفئ، عندما يأتي سدنة الدين الجدد الذين لا يستولون فقط على النص القرآني ولكن على مساحات التأويل، فيظهرون شطارتهم عل الحلقات الأضعف، أي المثقفين، وينسون الفساد الذي ينخر البلاد ويدمرها من الداخل. دولة في دولة. تماما كما في العشرية السوداء، عندما انتقل خطاب الجريمة إلى الجريمة نفسها كممارسة، فقُتِل الطاهر جاووت الذي اتّهِم بالكفر والإلحاد، والكتابة الجيدة، الكتابة الجيدة تهمة طبعا، كما هو اليوم حال كمال داود. قتِل عبد القادر علولة بنفس التهم، لأن مسرحه الذي فتح أعين الناس، ينادي بالمروق لأنه يوصّف فساد المؤسسة وعنفها وحرقها للناس البسطاء.
لهذا أقول إني أشم رائحة الموت تحوم على تلك الأرض التي اسمها الجزائر، لأن الدولة التي تصمت عندما تنشأ في داخلها دولة، أي سلطة تحكم على الناس وتكفر من تشاء، وتتحول إلى دار إفتاء وقضاء، تصبح شريكا ضعيفا وأنها في خطر. والبلاد أيضا في خطر سيكون هذه المرة قاتلا.
على الدولة أن لا تتحول إلى حلزون عنيد يخفي رأسه وكأن شيئا لم يكن، في وقت أن القتلة يتهددونها ويتهددون السلم المدني. كيف يسمح شيخ، حاكم بأمره، بأن يهدر دم كاتب لم يسرق ولم يقتل ولم ينهب، عيبه الأوحد أنه كتب رواية جميلة أدبيا، بلغة راقية وعالية وشديدة التألق والأناقة أوصلت صاحبها إلى مربع “الغونكور”، التي لم يفز بها، صحيح، ولكن الحديث عنها فاق الرواية التي فازت بالجائزة.
كمال داود رجل يفكر وينشئ عالما تخييليا، متجانسا مع أفكاره وانشغالاته، لا يمكن محاورته بالسكاكين والتهديدات، ولكن بالمزيد من النقاش والجدل، كما حدث له وهو يواجه صحفيي قناة “فرانس 2”. أتمنى من القنوات التي استضافت الشيخ زيراوي ليعلن على الملأ التكفير القاتل، أن تستضيف كمال داود الذي أهدِر دمه، وتسمعه، لأنه لو حدث أي مكروه للكاتب، سيتحمله القاتل الذي أفتى. فهو ليس أقل إجراما من داعش التي استعار خطابها وممارساتها. لهذا أقول اليوم بلا تردد، الجزائر في خطر. ليس بسبب سجال بين كاتب وقارئ سماعي، لم يقرأ النص لأن كل ما قاله الشيخ الحاكم بأمره، رواية ميرسو، تحقيق مضاد، لا يبين مطلقا أنه قرأه أو حتى لامسه. لم يذكر في أية لحظة من لحظات أحكامه بالإعدام، أن الكاتب استعاد حادثة قتل العربي في “غريب” كامي، وأعطى المساحة لهذا العربي الذي كان بلا اسم، ليعبر عن هويته باسمه: موسى، وأن ما اعتبر ذاكرة منسية أعادها الكاتب داخل الرواية إلى الواجهة من خلال شخصية هارون، أخ موسى.
الشيخ الذي يفتخر بالحضارة الأندلسية التي علّمت الغرب العقلانية، أمثاله هم من طرد ابن رشد من أسوار مدينته، وقذفوا به نحو المنافي وأحرقوا كتبه. ربما كانوا أرحم من الشيخ عبد الفتاح زيراوي، لأنهم لم يطالبوا على الأقل بقتل الكاتب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.