خيم صمت وحزن رهيبان على قاعة الجلسات بمحكمة بئر مراد رايس، أول أمس، وهيئة المحكمة تستمع لتفاصيل أبكت الحضور في قضية الرضيعة أميرة، فرحة والديها الأولى، التي فتحت عينيها على الدنيا سليمة لكن لساعتين فقط، وغادرت عيادة “آية” في العاصمة، حيث ولدت، مشوهة الوجه واليدين. ولدت أميرة قبل 18 شهرا من تاريخ اليوم، كان والداها سعيدين بعد أن رزقا بها خاصة أنهما فقدا قبلها رضيعا، لكن فرحتهما لم تدم طويلا، وتحطمت أحلامهما بعد ساعتين فقط من ولادتها ووضعها في القاعة المخصصة للرضع حديثي الولادة. فهناك في غرفة الرضع وقعت الكارثة، حيث نشبت شرارة كهربائية تسببت في ذوبان المصباح من نوع “نييو”، محدثا مأساة على جسد الرضيعة الغض، إذ بدأ البلاستيك يذوب ويتقاطر على وجه أميرة التي كانت نائمة أسفله مباشرة، ما أدى إلى احتراق وجهها وأصابع يديها. ولم يتم التفطن للحادث إلا بعد فوات الأوان، حيث أخرجت أميرة من الغرفة مفحمة الوجه ومصابة باختناق بعد أن استنشقت غاز ثاني أكسيد الكربون، حسب تصريحات والديها في الجلسة العلنية، وبعد إخطار أمها بأن طفلتها تعرضت لحادث مميت بالعيادة، دخلت في أزمة نفسية حادة. الأم: “منظر ابنتي صدمني” بدت الأم منهارة وهي تروي مأساة رضيعتها التي ستعيش بوجه مشوه لما تبقى من حياتها، وهي التي خرجت إلى الدنيا سليمة معافاة، وكانت الأم تتكلم بحزن كبير وعيناها غائرتين وهي تحاول بصعوبة حبس دموعها. تقول والدتها: “صدمت بمنظر رضيعتي وهي متفحمة الوجه وقتا قصيرا بعد ولادتها، ظننتني سأفقدها، طفلتي تعيش بعاهة مستديمة وأنا لا أزال إلى غاية يومنا هذا تحت وقع الصدمة النفسية”. تصمت قليلا وتسترجع أنفاسها، قبل أن تواصل “.. سمعنا الرضع يبكون ويصرخون بأعلى أصواتهم لكن لا أحد ذهب إليهم، وبعد ساعتين تفطنت الممرضة لحدوث حريق بالغرفة كونها كانت بصدد مساعدة القابلة على توليد امرأة حامل، لم يكونوا بصدد حراسة أطفالنا أثناء وقوع الحادث، والعاهة المستديمة التي تعاني منها طفلتي كان سببها إهمال الطاقم الطبي.. ابنتي بُتر إصبعها، ناهيك عن الحروق التي تعتري جسدها الصغير، والتشوه الذي أتى على وجهها”. الأب: “العيادة حاولت طمس آثار الجريمة” والد الطفلة أميرة راح يروي للقاضية ما حدث بتاريخ الوقائع والدموع تنهمر من عينيه، استجمع قواه بصعوبة شديدة، وراح يروي للقاضية المعاناة التي يعيشها رفقة عائلته الصغيرة إلى يومنا جراء الإهمال الطبي لعيادة “آية”. يقول والد أميرة: “بعد وقت قصير من ولادة طفلتي وردني اتصال من زوجتي تخبرني فيه أن طفلتنا تعرضت لحادث مريع، بعد أن تفحم جلدها إثر نشوب حريق في الغرفة التي وضعت فيها”. الدموع لم تفارق عيني الأب وهو يروي بألم ما حدث “تصوروا طفلتي التي لم يتجاوز عمرها الساعتين راحت تخفي وجهها بكلتا يديها من شدة الألم عندما كان يذوب البلاستيك على وجهها، ما تسبب في تفحم أصابع يدها اليمنى ومن ثم بتر إصبعها، ناهيك عن تشوه وجهها، فلغاية الساعة لا يمكننا إخراجها دون وضع مرهم وتغطيتها جيدا لحمايتها من أشعة الشمس”. واتهم الأب مسؤولي العيادة بطمس آثار الحادث قبل وصول شركة التأمين لمعاينته، مشيرا إلى أن مسيّر العيادة طلب منه دفع مبلغ 7 ملايين سنتيم لمعالجة الطفلة من الحروق، مواصلا “ثم طلب مني إخراج زوجتي وطفلتي والتوجه لمعهد (باستور) حيث تكفل الطاقم الطبي بطفلتي، وهناك قام الطاقم الطبي وعلى رأسهم البروفيسور بوغتو بمجهود مضاعف لإنقاذ ابنتي من الموت المحتم، خاصة أن أفراد الطاقم الطبي بعيادة “آية” نزعوا عن طفلتي ثيابها عنوة ما أدى إلى انسلاخ جلدها بهدف طمس آثار الجريمة، واتصلت بالمسيّر أكثر من مرة للتكفل بعلاج ابنتي ولكن لا حياة لمن تنادي”. صاحب العيادة والممرضة: “لا نتحمل المسؤولية” من جهتهما، أنكر صاحب عيادة “آية” وممرضة تعمل لديه تهمة التسبب في الجروح الخطأ أمام هيئة المحكمة، وجاء ضمن تصريحات الممرضة أنها مباشرة بعد سماعها صراخ الرضع هرولت مسرعة لإنقاذهم. من جانبه، ذكر صاحب العيادة أنه عرض على والدي الطفلة مساعدة مادية والتكفل بعلاجها في الخارج، كما صرح بأنه تكفل بتقديم يد المساعدة للرضيعة، وهو الأمر الذي أنكره والداها جملة وتفصيلا، وذكرا، في تصريح ل«الخبر” على هامش المحاكمة، أن الأخير لم يسأل عن الرضيعة مدة 18 شهرا، وبحلول تاريخ المحاكمة أراد تسوية الأمور معهما وديا، وهو الأمر الذي رفضاه خاصة أن العيادة، حسبهما، ارتكبت جريمة لا تغتفر في حق ابنتهما وجميع الرضع على حد سواء وعليهما إيصال قصة طفلتهما للعام والخاص. المحامية: “سأرافع كأمّ وليس كمحامية” استغربت دفاع الطفلة أميرة من عدم تكييف القضية كجناية، خاصة أن موكلتها تعرضت لعاهة مستديمة، كما استغربت من نتائج الخبرة، وتناولت خلال مرافعتها المأساة التي تعيشها عائلة الرضيعة منذ تاريخ الحادث، وأضافت بأنه على الجهة الوصية أن تأخذ قضية موكلتها بعين الاعتبار، خاصة في ظل اللامبالاة والإهمال من قبل المشرفين على توليد ورعاية الرضع بهذه العيادة. وبعد المناقشات القانونية، التمس وكيل الجمهورية تسليط عقوبة سنتين حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة بقيمة 200 ألف دج في حق كل من صاحب العيادة والممرضة، في حين قررت القاضية سميرة كيراد تأجيل النطق بالحكم لتاريخ 9 أفريل القادم.