فزنا عليكم في ”كان” 98 ولولا العشرية السوداء لما غبتم مرة واحدة عن المونديال لم أندم على عدم المشاركة في كأس العالم وهذه قصتنا مع المشعوذ ولحم الدجاج قد يصبح اللاعب مع مرور الوقت مدربا، فناخبا وطنيا، وقد يقوم بالمهمتين معا في الوقت نفسه، لكن النجم السابق للكرة الغينية تيتي كامارا تعدى ذلك ليكون من القلة الذين لبسوا ثوب اللاعب ثم الناخب، قبل أن يصبح وزيرا للشباب والرياضة ببلده. التقت به ”الخبر” خلال زيارته للدوحة وخصّنا بحوار تحدث فيه عن أمور عدة متعلقة بمشواره الكروي كلاعب، وصولا إلى المنصب الوزاري، وأخرى تخص مشاركة ”الخضر” والمنتخبات الإفريقية الأخرى في العرس الكروي العالمي بالبرازيل. بداية مرحبا بك معنا في هذا الحوار.. مشكورون ولقاؤكم شرف لي والعودة وإياكم إلى الوراء لاسترجاع بعض الذكريات التي بدأت في النسيان مع السنين. لعبت في البطولة الفرنسية والإنجليزية والسعودية والقطرية، فمن منها التي تحتفظ فيها بأجمل الذكريات؟ كل فترة لها خصوصياتها، فمن حيث التتويجات بالألقاب تعتبر المرحلة التي قضيتها رفقة الاتحاد السعودي هي الأفضل، كوني فزت معه بلقب البطولة ويعتبر الاستحقاق الوحيد في مشواري الكروي. الفترة التي قضيتها في فرنسا كانت هي كذلك جميلة، سواء مع فريق سان إيتيان الذي ترعرعت فيه واكتشفت رفقته المستوى العالي من المنافسات، ثم لانس الذي أصبحت فيه هدافا، وبعده مرسيليا بقاعدته الجماهيرية الفريدة، قبل أن أرحل إلى ليفربول الانجليزي الذي أعتبره النادي الأفضل في مشواري الكروي، لأن اللعب في البطولة الإنجليزية أمر خاص جدا ومميز، ثم انتقلت بعدها إلى نادي ويست هام الانجليزي الذي عشت رفقته أصعب الفترات بعد إصابتي التي أبعدتني طويلا عن الملاعب، الأمر الذي جعلني أرحل باتجاه السعودية، ثم بعدها إلى قطر. من لاعب دولي ثم مدرب لمنتخب بلادك، فوزير الشباب والرياضة في غينيا، ماذا يفعل تيتي بعد تركه المنصب الوزاري منذ سنتين؟ أنا أعمل في الفترة الأخيرة على إنشاء مشروع أكاديمية كرة قدم تحت شعار ”رياضة ودراسة”، على غرار ما تنتهجه العديد من الدول الأوروبية. نحن نبحث الآن عن ممولين لدعم في هذا المشروع، لأن لدينا مادة أولية رائعة ومواهب كروية ممتازة في غينيا، تحتاج فقط للعناية والصقل من أجل تفجير قدراتها على أعلى المستويات، وأنا هنا للبحث عن الأشخاص المناسبين ورجال الأعمال القادرين على مساعدتنا في تحقيق أهدافنا من خلال دعمنا ومساعدتنا على تكوين هذه الأكاديمية . لكن أين ومتى تطمحون للبداية في هذا المشروع؟ المشروع سيكون بالعاصمة الغينية كوناكري، أين هناك الكثير من المواهب الشابة التي تنتظر وتحلم في الحصول على فرصتها من أجل الكشف عن مؤهلاتها والظفر بعقود احترافية في أوروبا، مثلما فعلناه نحن في السابق، وأعتقد أن المستقبل كل المستقبل لهذه الشبيبة الإفريقية التي تحتاج فقط للتأطير والاعتبار، لذا فالأكاديمية التي نسعى لإنشائها ستحقق حلم البعض منهم الذين لم يتعد سنهم الخامسة والعشرة من العمر. وأي المهام أصعب، أن تكون لاعبا محترفا، أم ناخبا وطنيا، أم وزيرا في قطاع حساس كالشبيبة والرياضة؟ في الواقع لا يمكن المقارنة بين هذه المهام الثلاث، لأن لكل منها تحدياتها ومشاكلها أيضا. فلما تكون مهاجما محترفا، فإنك مطالب بتسجيل أكبر عدد ممكن من الأهداف لتحقيق طموحات النادي أو المنتخب. أما عندما تكون مدربا لهذا الأخير، فإن المسؤولية تصبح أكبر، كونك مطالبا بالتفكير دوما من أجل إيجاد الحلول والطبخة اللازمة لتمثيل البلد أفضل تمثيل على المستوى الخارجي، ناهيك عن الضغوط الكثيرة التي تكون من حولك، سواء من الجماهير والصحافة وغيرها. كما أن تولي منصب في الوزارة وفي قطاع حساس، كما قلت، يعتبر أمرا بالغ الأهمية والصعوبة في الوقت نفسه، لكن عموما أعتقد أن مهمة تدريب المنتخب كانت هي الأصعب، خصوصا وأن الأمور لم تسر في صالحنا خلال تلك الفترة، وخاصة المتعلقة بالنتائج. ماذا تعرف عن الكرة الجزائرية؟ بمجرد ذكر اسم الجزائر، إلا ويأتي في ذهني ذلك المنتخب العالمي القوي الذي ساندناه بقوة خلال مونديال إسبانيا سنة 82 بكل من ماجر وبلومي وعصاد وآخرين.. ممن صنعوا أمجاد الكرة الجزائرية والإفريقية على حد سواء، مثله مثل المنتخب الغيني الذي كان أحد كبار القارة السمراء خلال فترة السبعينات وبداية الثمانينات بفضل لاعبي النادي القوي والتاريخي، وهو حافية كوناكري.. وعموما، فإنه بالرغم من النكسات والتعثرات التي تحصل من فترات لأخرى، إلا أن الكرة الجزائرية كانت وستبقى أحد معالم الكرة الإفريقية بفضل لاعبيها المميزين، سواء الذين عرفتهم خلال مشواري كلاعب، وحتى الذين شاهدتهم ومازلت أشاهدهم عبر الشاشة يصنعون أفراح أندية عريقة في أوروبا. من هم هؤلاء اللاعبون الذين عرفتهم؟ لقد عرفت خلال مشواري الكروي العديد من اللاعبين الجزائريين المميزين، ولعل من صاحبته أكثر هو سليم حرشاش الذي أمضيت كامل فترة تكويني معه في مركز تكوين نادي سان إيتيان، حيث كان لاعبا ذا أخلاق عالية جدا وانضباط مثالي في العمل. كما أنني كنت معجبا جدا بمستوى وأداء الثنائي موسى صايب وعبد الحفيظ تسفاوت، اللذان أديا مشوارا رائعا مع نادي أوكسير، لكن للأسف الشديد أن الجزائر كانت تعاني أزمات سياسية في تلك الفترة، وهو الأمر الذي لم يسمح ببروز هؤلاء اللاعبين بالشكل اللازم. وأنا متأكد بأنه لولا تلك الظروف الصعبة، لما غابت الجزائر ولو مرة واحدة عن المونديال، على غرار منتخبات نيجيرياوالكاميرون، خاصة في ظل الدعم الجماهيري القوي خلال المباريات التي يلعبها المنتخب الجزائري فوق أرضه. هل سبق لك مواجهة المنتخب الوطني الجزائري؟ نعم، لقد واجهنا المنتخب الجزائري خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا سنة 1998 ببوركينافاسو، وتفوقنا عليه بثنائية نظيفة وقتها بالرغم من اللاعبين المميزين الذين كانوا يشكلون ذلك المنتخب الذي تأثر كثيرا بالأوضاع الصعبة التي كانت تعيشها البلاد.. كما سبق لي اللعب ضد الخضر مرتين أو ثلاث هناك بالجزائر، لكنني لست أتذكر بالضبط المناسبات ولا التواريخ. كم هي عدد المرات التي قدمت فيها إلى الجزائر، وما الشيء الذي شد انتباهك؟ تعلمون أننا لما نتنقل من أجل لعب مباريات دولية، فإن مدة إقامتنا في ذلك البلد لا يمكن أن تتعدى يومين أو ثلاثة أيام، ناهيك عن شساعة مساحة الجزائر التي يتوجب المكوث لشهور عديدة هناك من أجل اكتشاف ذلك البلد الجميل، لكن عموما الجزائروغينيا تربطهما علاقات أخوة ومودة قوية جدا، سواء أتعلق الأمر بالرياضة وحتى بمجالات أخرى. كما أن المباريات التي جمعت بين المنتخبين، وأيضا أندية البلدين، ستبقى دوما وأبدا تاريخية في سجل الكرة الإفريقية وعقول متابعي المستديرة في القارة السمراء. كيف ترى حظوظ ”الخضر” في مونديال البرازيل؟ إنها المشاركة الثانية على التوالي، لذا فعلى اللاعبين الذين كانوا حاضرين في مونديال جنوب إفريقيا توجيه زملائهم الشباب لعدم ارتكاب الأخطاء السابقة نفسها. أما فيما يتعلق بخصوم ”الخضر”، فإن بلجيكا تمتلك منتخبا قويا جدا، لكنها ليست البرازيل، لذا فعلى رفقاء بوڤرة اللعب بدون أي مركب نقص من أجل تحقيق نتيجة ايجابية.. أما المنتخب الروسي، فلا أعتقد أنه أفضل من المنتخب الجزائري، وأتوقّع أن بطاقتي التأهل ستلعب بين منتخبات بلجيكا، الجزائر وكوريا الجنوبية الذي كسب الكثير من الخبرة خلال مشاركاته الدائمة في الموعد العالمي.. أكيد أن هناك منتخبات مرشحة للذهاب بعيدا ونيل اللقب، لكن كرة القدم عوّدتنا دوما على المفاجآت، لذا فكل شيء وارد. أسباب تواضع نتائج منتخباتنا الإفريقية في المونديال، هي سوء التحضير الذي يتبعه انعدام في التركيز والاكتفاء بالتأهل إلى الدور الثاني، وهو الأمر الذي جعلنا لا نتخطى الدور ربع النهائي. ماذا تعرف عن الناخب البوسني الحالي ل”الخضر”، وحيد حاليلوزيتش؟ أنا لا أعرفه شخصيا، لكن ما أعلمه عنه أنه مدرب حاول دوما تقديم كل ما لديه خلال مشواره مع الأندية والمنتخبات التي أشرف عليها، كما أنه شخص من الصعب أن يتنازل عن مبادئه. الآن على لاعبي المنتخب الجزائري الانضباط والرضوخ لأوامره وتفادي خلق المشاكل، كما سبق أن حصل في العديد من المرات حتى قبل قدوم هذا المدرب. وماذا عن المنتخبات الإفريقية الأخرى المشاركة في العرس العالمي؟ كما قلت، نملك في إفريقيا خزانا هائلا من المواهب الشابة التي تبسط سيطرتها على كؤوس العالم الخاصة بالفئات الشبانية. غير أن انعدام الاستمرارية في العمل وأيضا الصراعات والمشاكل داخل الاتحادات وأيضا المنتخبات، يحول دون وصولها لأعلى المستويات في المونديال، ولو أن حظوظ المنتخب الغاني والنيجيري بطل القارة الإفريقية كبيرة هذه المرة، شريطة أن يتأهلوا بسلام من المجموعات القوية التي أوقعتهم القرعة فيها. أما الكاميرونوالجزائر، فيعتبر المرور إلى الدور الثاني نتيجة إيجابية جدا بالنسبة لهما، في ظل غياب عامل الخبرة لدى اللاعبين. لعبت في أندية عريقة، لكنك لم تشارك في المونديال، ألست نادما على ذلك؟ لا أبدا، لست نادما على ذلك، يجب أن نفهم أمرا مهما جدا في عالم كرة القدم، وهو أنّ التأهل إلى كأس العالم يتطلب توفر العديد من العوامل والشروط، منها ما نستطيع التحكم فيها، ومنها ما هو فوق إرادتنا. لقد كسبنا جيلا مميزا جدا من اللاعبين الذين أكدوا قوتهم في العديد من الأندية الأوروبية الكبيرة، لكن ذلك لم يكن أبدا كافيا لتحقيق حلم المونديال، كوننا افتقدنا للحظ وأيضا التوفيق. كما أن وجود مسيرين أكفاء يسهلون على اللاعبين الأمور، بالأخص خلال أيام المباريات، أمر هام جدا في المعادلة، وهو ما لم يكن لدينا في الكرة الغينية خلال تلك الفترة. تحدث دوما أمور غريبة في الكرة الإفريقية، فهل من قصة خاصة بك تحكيها لنا كملح لهذا الحوار؟ (يفكر قليلا).. هناك العديد من القصص الغريبة والمضحكة التي وقعت لي، لكن لعل التي أتذكرها أكثر حصلت سنة 2005 خلال تواجدنا في تونس من أجل مباراة في إطار تصفيات كأس العالم 2006، كنا سنواجه يومها المنتخب التونسي الذي تفوقنا عليه ذهابا في غينيا بهدفين مقابل هدف، وكان أعضاء البعثة الغينية قد طلبوا العون من أحد الأشخاص الذي كانت مهامه دوما خاصة بالأدعية وتحضير لنا الحرز للحصول على الحظ والتوفيق أثناء المباريات. وكما جرت عليه العادة، تناولنا آخر وجباتنا قبل ساعتين من موعد المباراة، وبمجرد انتهائنا اتصل ذلك الشخص من كوناكري وأراح أعضاء البعثة بأنه قام بكل الطقوس اللازمة لكي نفوز، شريطة ألا نتناول لحم الدجاج خلال ذلك اليوم. لكن وللأسف، الطبق كان عبارة عن دجاج مشوي، لعبنا المباراة وانهزمنا بهدفين نظيفين وأقصينا من تصفيات المونديال، فحمّل المسؤولون لحم الدجاج المسؤولية (قالها ضاحكا).. نترك لك ختام هذا الحوار؟ أشكركم جزيل الشكر على هذا الحوار السريع والشيق في الوقت نفسه، متمنيا لكم التألق أكثر في الميدان الإعلامي والتوفيق لمنتخب الجزائر في المونديال البرازيلي، كونه يمثل قارة كاملة وليس فقط الشعب الجزائري والأمة العربية.