الجاني “ع. أمين”، في الثلاثينيات من العمر، لم يكن شخصا عاديا، فهو شاب مثقف، يدرس بمركز تجاري بالمعرض الدولي للصنوبر البحري، وكانت الضحية وشقيقتها التوأم شريفة التي تتقاسم معها نفس الشقة، وهي الأخرى أستاذة في اللسانيات، تعطفان عليه على اعتبار أنه جارهما، ويعاني من تشوهات جسدية بسبب تعرضه لحريق في صغره. ولكن الجاني استغل طيبة الشقيقتين، ليقابل الإحسان إليه بالجحود بعد أن قرر سرقة شقتهما وبأية طريقة، فالعملية التي نفذت بتاريخ 11 ماي 2011، لم تكن مجرد عملية سرقة، بل اقترنت بجريمة قتل راحت ضحيتها أستاذة جامعية لا تزال الأسرة الجامعية تبكيها. توجه الجاني إلى مسجد الحي لأداء صلاة الفجر على غير العادة، وبعد خروجه راح يراقب تحركات الشقيقتين عن بعد، لاقتناص أية فرصة لتنفيذ خطته، وعند تأكده من مغادرة إحداهما المنزل، توجه إلى الشقة، حيث طرق الباب موهما الضحية عائشة بأنه بحاجة لحبة طماطم، وبمجرد أن فتحت له الباب، فاجأها بضربات عنيفة على الرأس بمطرقة، ثم طعنها بسكين قبل أن يخنقها بواسطة وسادة نوم. لم ينتظر المجرم طويلا لمغادرة المكان، فبعد أن تأكد أن الضحية فارقت الحياة، اهتدى لتنفيذ ثاني مرحلة من جريمته، برمي قوارير خمر وبقايا سجائر التقطها من حديقة عمومية في المنزل، ليوهم الشرطة بأن الفاعلين جماعة من السكارى، ثم استولى على جهاز كومبيوتر محمول كانت تستخدمه الضحية في إعداد الدروس. “شريفة” مصدومة بالموازاة كانت أخت الضحية شريفة وهما في الخمسينيات من العمر، تحاول مرارا وتكرارا الاتصال بها عبر الهاتف النقال الخاص بها، وهاتف البيت الذي أبى هو أيضا أن يرد، لأنهما كانا على موعد للذهاب سويا للقيام بواجب العزاء في وفاة أحد الأقارب. ولم تكن تظن أن الجو الجنائزي سينتقل بعد ساعات إلى بيتهما، بعدما جاءت في حدود الواحدة للبيت لتفاجأ بأختها جثة هامدة في بهو البيت تسبح في دمائها أمام المطبخ وقبالة صالون الاستقبال. كان المشهد صادما للأخت، فراحت تصرخ ليلتف حولها الجيران ويدركون الحقيقة المرّة..الأستاذة عائشة قتلت، كانت الدهشة بادية على وجوه الجميع من المصير الذي خلصت إليه هذه الدكتورة التي يشهدون لها بسيرتها الحميدة بحي 618 مسكن بالمحمدية، فهي تقطن وأختها الحي منذ أكثر من 20 سنة ومحبوبة من طلبتها. طرحت تساؤلات كثيرة حول من يكون وراء هذا الفعل الإجرامي، واختلفت الروايات، خاصة أن الضحية هي عضو في التنسيقية الوطنية من أجل التغيير. فالرواية الأولى تقول أنها بداية تصفية جسدية لأعضاء التنسيقية، حسب تصريحات رئيس النقابة الوطنية المستقلة والتنسيقية من أجل التغيير، رشيد معلاوي آنذاك الذي أكد أن الفقيدة كانت عضوا فيها. أما الرواية الثانية، فترى أن الضحية فوجئت بسارق يقتحم بيتها بعد استيقاظها من النوم، فأرداها قتيلة بضربة مطرقة على الرأس بعدما قاومته، لكن التحقيقات سرعان ما أظهرت أن الجاني ما هو إلا جار الضحية ويقطن بالطابق الأرضي. وشيّع عشرات الطلبة والأساتذة من جامعة الجزائر، الفقيدة بمسقط رأسها بمنطقة البرواڤية بولاية المدية، وسط دهشة وذهول زملائها في التعليم العالي، وبرحيلها تكون الجامعة قد فقدت أستاذة ذات كفاءة عالية، وهي متخصصة في العهد العثماني، ذاع صيتها في أقطار عديدة كالمغرب وتونس وفرنسا وإيطاليا. هل وراء القضية دوافع سياسية؟ وضعت الشرطة جميع الفرضيات للتوصل إلى القاتل والدوافع الحقيقية لارتكابه الجريمة، وفتحت كل الاحتمالات بما فيها الدوافع السياسية التي رفعتها التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية، وجاءت على لسان “رشيد معلاوي” المناضل في النقابة المستقلة لعمال الإدارة العمومية، على اعتبار أن الضحية كانت عضوا بها. فبعد تلقي الشرطة بلاغا بوقوع الجريمة، تنقلت في حدود الثالثة ظهرا، واستعانت بأعوان من الشرطة العلمية لرفع البصمات، وتتبع آثار هذه الجريمة، حيث تبيّن لها أن الضحية توفيت في الحال بعد ذبحها وطعنها بالسكين، وهو ما يشير إلى تعرف الأستاذة على الجاني، مدمن المخدرات، فتخلص منها حتى لا يكتشف أمره. وبعد ساعات من مباشرة التحقيق، ألقي القبض على القاتل، ليحال على وكيل الجمهورية لدى محكمة الحراش، ومنه على قاضي تحقيق الغرفة الأولى، والذي أودعه الحبس المؤقت على أساس جناية القتل العمدي. وقد ورّط الجاني أمام مصالح المقاطعة الشرقية للشرطة القضائية، اثنين من أبناء حيه في العمارة المقابلة لمسكن الضحية، أحدهما حارس حظيرة والآخر بطال. وسمح التحقيق في القضية، بجلب المتهمين لوسائل الجريمة، ويتعلق الأمر بالمطرقة التي ضرب بها المتهم الرئيسي الضحية، وكان سيستخدمها في كسر باب البيت لكنه وجده مفتوحا. وحسب المحققين، فإن الضحية التي تقع شقتها بالطابق الخامس، كانت تحسن إلى الجاني الذي يقطن بالطابق الأرضي، مقابل قضاء بعض حاجيات بيتها، إلا أنه خان الثقة واستقدم عشية الجريمة شريكين من الجوار، كما عثر في مكان الجريمة على ثلاث قنينات من الجعة مع قرص دواء مهلوس إلى جانب فنجان قهوة. واسترجعت مصالح الأمن من عند القاتل مبلغا ماليا بالعملة الصعبة، وتلفزيون بلازما و2 كمبيوتر محمول وهاتف نقال. “ديكستير الجزائر” يعترف أمام المحققين جسد المتهم المدعو “ع.م” فكرة المسلسل الأمريكي “ديكستير” لتنفيذ جريمته في حق الأستاذة المحاضرة بمعهد التاريخ بجامعة الجزائر2 ببوزريعة، حسب ما صرح به أمام قاضي تحقيق الغرفة الرابعة لمحكمة الحراش بالعاصمة. المتهم من مواليد 1982، اعترف ببرودة أعصاب أثناء التحقيق، بجريمة القتل التي راحت ضحيتها الأستاذة عائشة غطاس، ولكنه نفى أن يكون ذلك بدافع السرقة، بل قال إنه تأثّر بالمسلسل الأمريكي المعروف “ديكستير” الذي يحكي قصة رجل ذي حياة غامضة، يعمل كأخصائي جنائي في دراسة بقع الدم بمسرح الجريمة، وعند إلقاء القبض على الجاني يتولى محاكمته على طريقته الخاصة، والتي تنتهي دائما بتقطيعه إلى أجزاء صغيرة يضعها في أكياس سوداء ثم يرميها في البحر. غير أن “ديكستير الجزائر”، وهو طالب يتلقى تكوينا في التجارة بالصنوبر البحري، نفذّ جريمته في حق أستاذة لا ذنب لها سوى أنها أفنت عمرها في جامعة الجزائر. وذكرت مصادرنا أنه أجريت خبرة عقلية أولى على الجاني، وأظهرت أنه مزدوج الشخصية، وارتكب الجريمة وهو تحت تأثير الحبوب المهلوسة. أما الوصول إلى الجاني، فكان بعد استغلال هاتف نقال الضحية، الذي استعمله مباشرة بعد تنفيذ الجريمة في الاتصال بشريكيه، أحدهما بطال والآخر حارس حظيرة بالقرب من بيت الضحية. المؤبد للقاتل جرت محاكمة “ديكستير الجزائر” أمام جنايات العاصمة، حيث أثارت تصريحاته استغراب هيئتها بعد أن ألصق التهمة ّبشخصيته الثانية الشريرة”، لأنه حسب ادعائه مزدوج الشخصية، لتسلط عليه عقوبة السجن المؤبد بعدما كان يواجه عقوبة الإعدام. ومن جملة تصريحات القاتل أثناء التحقيق، أنه تأثّر بفيلم بوليسي أمريكي، وهو تحت تأثير الحبوب المهلوسة، كان ينوي سرقة الأستاذة غطاس عائشة بعد أن كان يتردد عليها لتلبية بعض طلباتها في شراء بعض الأغراض، وخطط منذ مدة على نفس الطريقة التي حفظها من الفيلم، ولكنه تفاجأ بوجودها في الشقة. كانت تستعد للمساهمة في إنجاز موسوعة ولاية المدية عائلة الأستاذة “غطاس” تستنكر محاولات المتاجرة السياسية بروح الضحية استقبل بيت عائلة الضحية غطاس الكائن بأحد أقدم أحياء مدينة البرواڤية بولاية المدية، أعدادا هائلة من المعزّين والمصدومين بجريمة الغدر التي تعرّضت لها بطريقة “خاين ثقة الدار” بصبر وثبات، وهي التي كانت عشية الجريمة تجهّز للمشاركة في يوم دراسي مبرمج بدار الثقافة حسن الحسني بالمدية، إعدادا لإنجاز مشروع “موسوعة ولاية المدية” الذي يكون لتاريخها الجانب الأكثر أهمية في المشروع، والتركيز على الفقيدة في إزاحة الظل عن العديد من نقاطه المفصلية، حسب بعض من حضروا افتتاح هذا اليوم الدراسي، وحالت صدمة فقدان الأستاذة غطاس دون الخوض في برنامجه من طرف النخبة المدعوة، مؤجلين ذلك إلى وقت لاحق. واستنكر أشقاؤها أي تداول سياسي لفجيعتهم، إذ سبق أن صرحوا ل«الخبر”، أن استغلالها من قبل أطراف لا علاقة لها بهم زاد من وقع الصدمة على أنفسهم، وبأن شهادة الطبيب الشرعي أشارت إلى أن الوفاة وقعت بعد تلقي الضحية لضربة قوية، مما يجعل ما تداولته وسائل الإعلام من تشخيصات سماعية مبالغ فيه، وزاد من تأثر العائلة أنه لم يطّلع سوى القليل من ذويها على الجثة، قبل نقلها إلى مسقط رأسها حيث دفنت وسط جو مهيب بمقبرة البرواڤية. الجريمة تحت المجهر “ثقة الشقيقتان استفزت النزعة الإجرامية في الجاني” قالت سامية هميسي، مختصة في علم الإجرام، في تحليلها لتفاصيل الجريمة وشخصية المتهم، أنه يتسم بالمكر ونكران المعروف، وهو من المجرمين الذين لا يميلون إلى الانتظار الطويل لتنفيذ خطتهم. وذكرت المختصة في السياق، أن المجرم ترصد الضحية لمدة قصيرة، ونفّذ خطته بعد أن كسب ثقتها وشقيقتها التي تتقاسم معها نفس الشقة، حيث اعتبر نفسه واحدا من العائلة. وتضيف هميسي، أن ثقة الشقيقتين استفزت في الفاعل روح الجريمة والطمع في ممتلكاتها، فقرر النيل منها بتنفيذ خطته، وهو ما يحدث عادة في حالات وجود علاقة بين شخص وآخر يتميز بنزعة إجرامية.