يقول المثل الشعبي الشائع “يا قاتل الروح وين تروح” في إشارة إلى أن القصاص آت ولو بعد حين ... تلك الصورة تجسدت في وقائع جريمة هزت مدينة بكارية شرق تبسة وراح ضحيتها الشاب بلال الذي رميت جثته في قعر بئر بعد أن تعرّض لاعتداء جنسي وحشي. منذ تاريخ الخامس عشر من شهر ديسمبر 2006، وحينما تحرك والد الضحية للتبليغ لدى مصالح الدرك ببكارية عن اختفاء ابنه بلال ذو ال 20 ربيعا بعد عودته من مدينة تبسة، وبصدفة تصبغها الحكمة الإلهية وتزامنا مع دوريات متعددة للتفتيش والبحث والتحري للضبطية القضائية الموكلة لعناصر الدرك الوطني من قبل وكيل الجمهورية بمحكمة تبسة بالقرب من حي البناء الذاتي ببكارية، تقدّم إليهم أحد أقرباء الضحية وأخبرهم أنه شاهد بقع دم في الأرض الزراعية المسماة جنان العقبي بالقرب من البئر وأن أحد الأطفال أخبره بذلك، وتم إحضار الطفل “م.ل” الذي كان عمره بتاريخ الوقائع لا يتجاوز ال 13 سنة والذي سرد لفرقة البحث والتحري أنه كان في جولة لجمع الفطر بجنان العقبي ووجد علبة بسكويت داخل منزل في طور الإنجاز بحي البناء الذاتي ومبلغ 30 دينارا لم يجرؤ على أخذها بعد أن شعر بخوف كبير بسبب قطرات الدم التي كانت قد شكّلت مسلكا من البيت المهجور إلى غاية البئر، ليخبر الشخص الذي اتصل على الفور بعناصر فرقة الدرك، التي أخطرت النيابة العامة، ليحضر وكيل الجمهورية بتسخيرة للطبيب الشرعي وأعوان الحماية ويتم العثور على بلال جثة هامدة في حالة متقدمة من التعفن والتشويه، وقد أثبت محضر المعاينة المعد من قبل المحققين، أن البئر بعمق يتجاوز 30 مترا. وبتعميق إجراءات البحث والتحري، أوقفت فرقة الدرك 3 متهمين في هذه الجريمة البشعة والمتهم الرئيسي من مواليد 1964 والثاني 1972 والثالث 1985 يقطنون كلهم نفس المنطقة ومن عرش واحد، فيما يعرف المتهم الرئيسي لدى الرأي العام، بالمسبوق قضائيا وعدائية كبيرة لدرجة شهرته بذبح الكلاب.
في المحكمة.. ذباح الكلاب هو من قتل الشاب بلال برودة أعصاب المتهمين رغم حكم الإعدام أحالت غرفة الاتهام المتهمين الثلاثة أمام محكمة الجنايات، وفي بداية سنة 2008 تمكّن رئيس محكمة الجنايات من خلال بعض الأسئلة المعمقة والدقيقة الموجهة للمتهم في قضية الحال، من كشف النقاب عن العديد من النقاط بالرغم من الغموض الذي يكتنف الوقائع والتناقضات الصارخة بين تصريحات المتهمين والشهود الذين قدّر عددهم بأكثر من 20 شاهدا في مختلف مراحل التحقيق.. المتهم الأول، تقدم أمام منصة الاستجواب وحاول سرد نفس الوقائع التي صرح بها سابقا لمصالح الدرك الوطني والتي مفادها أنه تقدم في يوم 24 من نفس الشهر للدرك الوطني، وأفاد أنه منذ 6 أشهر كان يمر بالمحاذاة من بئر جنان العقبي وسمع صراخ شخص وعند اقترابه من المكان وجد قرابة 5 أشخاص بما فيهم الضحية بلال والذي كان مكبّل اليدين يتعرض للضرب من طرف هؤلاء المرافقين، تدخّل وفك قيده وزعم واقعة تقييده واقتياده هو نفسه للبئر مرة ثانية من طرف نفس الأشخاص، غير أنهم غيرّوا رأيهم وسلّموه مبلغ 1000 دينار، المتهم الأول أمام إصرار رئيس الجلسة والمستشارين على سرد الحقائق صرح بأن الرواية الأولى كانت مجرد سيناريو حبكه المتهم الثاني لإبعاد الشبهة عنه وأسرّ له بتغيير أقواله أمام الدرك الوطني مقابل 20 ألف دينار جزائري، رئيس الجلسة أمطر المتهم الأول بعدة أسئلة حول الشذوذ الجنسي للمتهمين الثلاثة وتعاطيهم المخدرات والأقراص المهلوسة، وأنهم اتخذوا المتهم الثالث كطعم لاصطياده فريسة للمتهم الثاني الذي كان عدوانيا ويخافون بطشه وتهديداته، غير أنه كان مصرا على إلصاق الشبهة بالمتهمين الثاني والثالث والخروج من مجرد حتى المشاركة في الجريمة ووقع في تناقضات فاضحة بعد أسئلة النائب العام المساعد ممثلا للحق العام.
الطرف المدني والنيابة العامة مع الإدانة والدفاع تطالب بالبراءة باب المرافعات استهله محامي الطرف المدني الذي ناقش وقائع القضية واصفا إياها بالجريمة البشعة التي اهتزت لها المدينة، ملتمسا إبقاء المتهمين الثلاثة تحت طائلة الاتهام. ممثل الحق العام سرد الوقائع مقتنعا بمشاركة المتهمين الثلاثة في ارتكاب جريمة القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، وقال إنه لولا الحكمة الإلهية وبراءة الطفل الذي كان يجمع الفطريات بالقرب من بئر جنان العقبي لما اكتشفت الجثة أصلا وقد تطمس معالم الجريمة نهائيا غير أنه وحسب المثل الشعبي “يا قاتل الروح وين تروح” والتمس في حق المتهمين الثلاثة عقوبة الإعدام. هيئة دفاع المتهمين الثلاثة التمست البراءة في حق موكليهم بالنظر لعدم توفر الأدلة المادية وضعف القرائن، فقد قالت محامية المتهم الأول أن موكلهالم يشارك في جريمة القتل وتطرقت لجنوح مرضى الشذوذ الجنسي نحو جريمة الدم وروح الانتقام استنادا لنظريات علم الإجرام كما قال محامي المتهم الثاني أن الأخذ بالأقوال سيورّط الأبرياء وتحدّث عن عدم جواز شهادة المتهم على متهم آخر طبقا لاجتهاد المحكمة العليا، هيئة دفاع المتهم الثالث طالبت بتبرئة ذمة موكلها بالنظر لاعتماد شهادة الشهود الذين صرحوا بوجود المتهم الثالث في دكانه لغاية 10 ليلا، كما أبرزت مخطط الأمن بوثيقة معاينة نقاط تواجد قطرات الدم ومسرح الجريمة. واستغربت هيئة دفاع المتهمين عدم أخذ البصمات وتحليل الشعر العالق في القضيب الحديدي المستخرج من البئر، وأسدل الستار على فصول جريمة قتل الشاب بلال بصدور حكم يقضي بإعدام المتهمين الأول والثاني وتسليط عقوبة 10 سنوات في حق المتهم الثالث، على أن يدفعوا تعويضا لعائلة الضحية قدره 160 مليون سنتيم.
20 شاهدا كان يتملكهم الخوف من ذبّاح الكلاب أكثر من 20 شاهدا من أقرباء الضحية والمتهمين، مروا على المنصة أمام رئيس الجلسة، لم تكن تصريحاتهم مفيدة في شيء غير تأكيد حضور حفل الزفاف وكذا التأكد من أن الجريمة وقعت بين التاسعة والعاشرة ليلا، كما أظهر الجميع خوفا شديدا من انحراف الشهادة ضد المتهم الثاني الذي قيل عنه بأنه كان يزرع الرعب في مدينة بكارية. تقرير الطبيب الشرعي أورد أن الضحية تعرض لإصابة أولى على مستوى الجهة الخلفية للرأس وإصابة أخرى على مستوى الجهة الأمامية فوق الحاجب ورضوض كثيرة نتيجة إسقاطه في البئر والضرب الذي تعرّض له.
هيئة الدفاع تشارك في إبراز الحقيقة عرفت الجلسة عدة مناوشات بين المتهمين والقضاة ورفعت عدة مرات وطلبت محامية المتهم الأول وقتا مستقطعا للتحاور مع موكلها ودفعه لقول الحقيقة، ليرجع بعدها المتهم الأول ويبدأ في سرد السيناريو الجديد بأنه يوم الأربعاء 14 ديسمبر 2006 ولما كان قادما من الجبل وبمحاذاة جنان العقبي وجد الضحية والمتهم الثاني والثالث تحت شجرة العرعار في جلسة عادية ووضعت بينهم زجاجة مشروب غازي وعلبة بسكويت وكيس ورقي من الشمة. كان المتهم الثالث يرتدي قشابية وسروال قطيفة واختفى المتهم الثاني لفترة من الزمن، ثم عاد يحمل قضيبا حديديا، ليتقدم الاثنين في اليوم الموالي للمتهم الثالث ويطلبان منه المساعدة في إخفاء جثة شخص قاما بقتله غير أنه رفض ذلك البتة. المتهم الثاني والثالث أنكرا ما أدلى به المتهم الأول من تصريحات بمبرر أنه يرغب في الانتقام منهما لأفعال سابقة وشجارات متكررة، مصالح الحماية المدنية تمكنت من العثور على القضيب الحديدي يوم 2 جانفي بعدما عاودت الغوص داخل البئر، وتعرّف عليه المتهم الأول وقال بأنه نفسه الذي شاهده بحوزة المتهم الثاني الذي قتل الضحية ونقله بمعية المتهم الثالث نحو البئر، غير أنه لم يوضح لماذا شارك في رفع الغطاء الحديدي الذي كان يحيط بفوهة البئر وكان ذلك بتاريخ 14 ديسمبر الأربعاء 2006 في حدود الساعة التاسعة حينما ذهب للعمل بالورشة التي يحرس بها بالبناء الذاتي ليصادف الضحية برفقة المتهمين الثاني والثالث، بحيث اعتديا عليه جنسيا، ليقوم المتهم الثاني بضرب الضحية بخنجر على مستوى الجهة الخلفية للرأس وكان يصرخ “يا يما، يا بابا، يا خاوتي”.. وكان المتهم الثاني يسبّه ويشتمه واشترك في ضربه مع المتهم الثالث ليلفاه في “باش” من المفرغة العمومية وكانا يهدّدانه برميه في قعر البئر ورأسه للأسفل، داعين إياه عدم التصريح بأي شيء وخلق سيناريو واقعة الستة أشهر لإلصاق التهمة بأشخاص آخرين مقابل مبلغ مالي، كما رفض المتهم الثالث تسليم “مثبت ألواح البناء” للمتهم الثاني بعدما حذرّه المتهم الثالث بإشارة ما عندما حضرا لبيته للتأكد من صمته وعدم التبليغ عن الجريمة،كما تحدث المتهم الثالث عن قدوم الضحية لدكانه ليلا قبل الجريمة وعرض عليه بأن يبيعه زجاجة عطر من نوع “لاكوست” وهي نفس القنينة التي عثر عليها بجيب الضحية.