جزائري بسيط من عمق الرّيف، من قدماء حزب الشعب الجزائري والحركة الوطنية، التقته “الخبر” في مدينة تلمسان وقد حلّ بها رفقة العشرات من الأوفياء للحركة الوطنية ولخطّها وزعيمها، في وقفة ترحمية على قبر مؤسس نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب الجزائري، مصالي الحاج، في الذكرى الواحدة والأربعين لوفاته. ولأنه كان الحارس الشخصي لمصالي الحاج في إقامته الجبرية ثم في منفاه بمدينة “غوفييه” شمالي غرب فرنسا، حاولت “الخبر” استنطاق ذكريات الشيخ عطية أيام حراسته لمصالي في رمضان والمناسبات والأعياد، فكان يجيب بثقة وحزم وهو في شمعته الثانية بعد الثمانين. ولد عطية شرّون سنة 1933 بمنطقة أولاد جلّال في ولاية بسكرة، انخرط في حزب الشعب الجزائري سنة 1951 وشارك في 29 معركة ضد قوات الاستعمار الفرنسي في صفوف جيش التحرير الوطني “جناح الحركة الوطنية” بقيادة مصالي الحاج، في 16 مارس 1960 تم توقيفه من قِبل قوات الاستعمار، وأحيل على المحاكمة بمدينة تيزي وزو، حيث حُكم عليه بالسجن لمدة سنتين، ونفي بعدها إلى مقاطعة ليل بفرنسا، ليطلق سراحه عشية استقلال الجزائر، ومن هناك توجّه مباشرة إلى مقر الإقامة الجبرية لمصالي الحاج الكائن ب«غوفييه” حيث كان يتجمع ويلتقي العشرات من أنصار الحركة، وهناك اختاره المناضل الكبير محمد الممشاوي ليكون أحد الحرّاس الأربعة المقربين والمشرفين على أمن وسلامة مصالي الحاج من 1962 إلى 1966، حيث تسلّم قطعة سلاح من نوع “مات” لا تفارقه ليل نهار. قال عمّي عطية، مسترسلا في حديثه ل«الخبر”: “مصالي كان يغادر الإقامة ويعود محمّلا بالأسلحة فيطلب منا العناية بها ومسحها وتخزينها، ولما سألناه لماذا كان يشتري السلاح؟ كان يجيبنا “آه..”.. “لا نستطيع التدخل في شؤونه وسؤاله من أين يأتي بالسلاح؟ ولكن الأكيد أنّه كان يرسله إلى الجزائر لجنود الحركة الوطنية في الجبال”. وعن حياة ويوميات مصالي الحاج في إقامته الجبرية في فرنسا، وهو الذي رافقه طيلة أربع سنوات، يقول محدّثنا “مخطئ من يعتقد أن مصالي الحاج كان يعيش حياة أرسطوقراطية وحياة تكبّر وبذخ، هذا غير صحيح، لقد كان إنسانيا إلى أبعد الحدود.. كان يقاسمنا طعامه في شهر رمضان وفي الأعياد، وكان يربي كلبتين يطعمهما من طعامه الخاص.. كان يضحك ويلعب معنا، وحين كنّا نسأله عن جبهة التحرير وبن بلة وآيت أحمد كان ينفعل ويقول “كلّهم أبنائي وتلاميذي، لقد اختلفنا في السياسة ولكن سنلتقي بعد الاستقلال..”، ويضيف محدثنا يقول “كان همّه هو استقلال الجزائر. واللّه لقد عاشرت الرجل وحرسته أربع سنوات كاملة، من سنة 1962 إلى سنة 1966، وظلّ وفيا لموقفه تجاه خصومه السياسيين ويصفهم بالأبناء والتلاميذ. وبعد السنوات الأربع التي قضيتها في حراسة وخدمة “الحاج” رخّص لي بالعودة إلى البلاد لزيارة الأهل، وكان ينصحني بتجنّب الدخول في مشاحنات وملاسنات مع المناوئين للحركة الوطنية”. يقول عمي عطية “مصالي الحاج كان في منفاه ثوريا وإنسانيا وقائدا رائعا.. كنّا نحن المناضلين البسطاء نستحي في الحديث إليه، وكان هو يقاسمنا الطعام وفرحة الأعياد خاصّة في شهر رمضان، حيث كان يعاملنا معاملة الأب لأبنائه”. عطية شرّون حين عاد إلى الجزائر سنة 1966 اشترى قطيع غنم وقطعة أرض في منطقة نڤاوس بولاية باتنة، ويقول إنّه يحمد اللّه تعالى على نعمه وأنّه لم يندم يوما على ما قدّمه في سبيل استقلال وطنه، رغم أن الإدارة ووزارة المجاهدين في جزائر الاستقلال لا تعترف له بشرف الجهاد، مثله مثل الآلاف من أنصار الحركة الوطنية. وحين سألته “الخبر” عن الرسالة التي يفضّل أن يوجهها للحكام بعد ثلاث وخمسين سنة من الاستقلال؟ قال عمّي عطية “إذا كان هؤلاء الحكام يحبّون بلادهم حقّا عليهم التصالح مع التاريخ والحفاظ على وحدة البلاد واستقلالها الذي نادى من أجله مصالي الحاج منذ سنة 1936، كأوّل سياسي يقول بصوت مرتفع إنه يعمل من أجل استقلال الجزائر”.