كثيرا ما يصادفنا مشهد طفل رأسه ممدود على كتف أمه، يلقي عليها جسده النحيل، يحاول الاستعانة بها للتعويض عن إعاقته الحركية.. مشهد يتكرر مع تزايد عدد المصابين بالشلل الدماغي في الجزائر، يقابله غياب شبه تام لوسائل التكفل بهذه الفئة المهمشة من المجتمع، وعلى رأسها مراكز التأهيل الحركي. “آلاء شايب”، طفلة لم تتجاوز السادسة من عمرها، أعاق الشلل الدماغي حركة جسمها.. هي واحدة من بين عشرات الأطفال المعاقين حركيا في الجزائر، تقول والدتها “إن الأطباء لم يتمكنوا من اكتشاف حالتها إلا بعد أربعة أشهر من ولادتها”، تضيف: “أي بعد فوات الأوان”. فلو تم اكتشاف حالتها مبكرا، لاستفادت من رعاية خاصة كان يمكن أن تخفف عنها ولو القليل من المعاناة التي تعيشها، فهي مشلولة بنسبة 100 في المائة، وغير قادرة حتى على الأكل بصفة طبيعية، مثل باقي الأطفال، إذ تقوم والدتها بإطعامها بواسطة الحقن. وبعد اكتشاف حالتها، طافت بها والدتها عددا من المستشفيات بالعاصمة، غير أنها لم تجد من يتكفل بها، ولم تتمكن إلا بعد جهد جهيد من إدخال ابنتها إلى مستشفى مصطفى باشا الجامعي، أين بقيت لفترة وجيزة تحت الرعاية الطبية، ليتم تسريحها بعد ذلك، لتبدأ رحلة عذاب ومعاناة آلاء ووالدتها التي باعت الغالي والنفيس كي توفر المال الكافي لتغطية مصاريف العلاج والتنقل من “بودواو”، مسقط رأسها، إلى مختلف المراكز الخاصة بالتأهيل الحركي. مشهد تراه صباح كل يوم لتلك الأم المسكينة التي تحمل ابنتها بعناء، ساعة خروجها للبحث عن مكان لتأهيلها حركيا، بعد أن رفضت المؤسسات الحكومية التكفل بحالتها بحجة غياب الأدوات والهياكل، وحتى الأشخاص المؤهلين للقيام بذلك. ويقول المختصون إنه في حالة عدم إجراء جلسات العلاج الطبيعي للأطفال المصابين بالشلل الدماغي، ستحدث لهم مضاعفات تبدأ بتشوهات في المفاصل، تؤدي إلى قصر في العضلات والتهاب، وقد تتطور حالتها فيحدث ضعف في عضلات التنفس والقلب، ومع مرور الوقت من الممكن أن تؤدي إلى الوفاة، وهذا التشخيص ينطبق على حالة الطفلة «آلاء» والتطور السلبي لحالتها الصحية إذا تأخر التأهيل، وفقا لما ذكره الأخصائيون. الوضعية نفسها تعيشها الشابة “إيمان بعوش” ذات 19 ربيعا، التي لا يبعد بيتها عن بيت آلاء إلا ببضع أمتار فقط، وكأن القدر شاء أن تولد المعاناة في الحي نفسه، فقد ولدت هي الأخرى بالإعاقة نفسها وعاشت معها، ولم تتلق، حسب والدتها، أي رعاية أو تأهيل حركي منذ أن كان سنها 3 سنوات، وذلك بسبب غياب الهياكل والمختصين في التأهيل بالمؤسسات الاستشفائية القريبة منها، في حين رفضوا استقبالها بمستشفيات العاصمة، وبقيت بعد ذلك طريحة الفراش دون أي رعاية تذكر. تقول الأم إن الطبيب المعالج قال لها إن أول مرحلة من مراحل علاجها؛ أن يتم تأهيلها حركيا، ولكن للأسف حاليا “إيمان” لا تستطيع أن تجلس أو تمشي أو تتكلم أو حتى أن تنادي على أمها. ونتيجة لغياب أخصائيي العلاج التأهيلي في المستشفيات والوحدات القريبة، يقطع الأهالي مسافات طويلة وهم يتنقلون بأطفالهم بحثا عن مستشفيات خارج حدود قراهم ومدنهم، يتوفر فيها أخصائيون يجرون لهم الجلسات، فتتضاعف معاناتهم، خاصة مع ظروفهم الاقتصادية الصعبة، فيستسلمون سريعا ويقررون البقاء في البيت، فتتدهور حالة صغارهم.