تحولت ميادين ملاعب كرة القدم، في الأسابيع الماضية، إلى ساحات معركة مفضلة للأنصار وأروقة خالية من الموانع في سباق شن هجماتهم على اللاعبين والحكام، في مقابلات البطولة بقسميها (الرابطتان المحترفتان الأولى والثانية)، معرضين سلامتهم وأمنهم إلى الخطر، ولم تسلم أيضا المرافق العمومية من الإتلاف والتخريب، في وقت لا يكترث “الهوليغانس” لفاتورة التصليح والترميم والترقيع، تزامنا مع شح الخزينة العمومية. بلغت درجة اجتياح الملاعب في الجولات الأخيرة مستويات لا يمكن مواصلة التزام الصمت حيالها، وأصبح يمثل هاجسا للاعبين والحكام، إلى درجة أنهم أصبحوا يشعرون بالرعب، كلما وجدوا أنفسهم معنيين بالمقابلات التي تستقطب جماهير كبيرة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالمواعيد الكبيرة التي تنشطها الأندية التي تطبع علاقاتها الحساسية. ووجدت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم في وضع حرج إزاء السلطات العمومية، جعلها تشعر بثقل مسؤوليتها لوقف انتشار العدوى إلى ملاعب أخرى، خاصة مع اقتراب نهاية الموسم، الذي يعرف عادة مواجهات خطيرة داخل الميدان وخارجه، واضطرت الفاف إلى دق ناقوس الخطر لردع المشاغبين عبر إلزام الحكام بوقف المقابلات فور حدوث اجتياح للميدان للأنصار، في خطوة أرادت، من خلالها، أن توجه رسائل إلى الأنصار، أن الأندية، التي يشجعونها، ستدفع الثمن غاليا إذا عرفت الميادين التي تحتضن مقابلاتها، اجتياحا للأنصار. وتزامنا مع تراجع الاشتباكات بين اللاعبين فوق الميدان وأحداث الشغب خارج الملاعب، أخذت ظاهرة اجتياح الملاعب منعطفا خطيرا، في الأسابيع الماضية، ما يستوجب تشديد الإجراءات العقابية بالتزامن مع إطلاق حملات تحسيسية تتمتع بمصداقية للتحكم أكثر في تصرفات الأنصار في الملاعب، دون تجاهل الاستفسار عن إستراتيجية تأمين الملاعب من الداخل. ويعني تسجيل أرقام قياسية لاجتياح الملاعب في المدة الأخيرة، أن الكرة تسللت إلى شباك الجهة المختصة التي تسهر على الأمن في الملاعب، ما يجعلها مدعوة إلى إعادة النظر في الخطط الأمنية التي تضعها لتأمين المقابلات، وسط تساؤلات عما إذا كان أعوان الملاعب يتصرفون بمسؤولية ويضعون أمن كل الأنصار في الملاعب في كفة واحدة، أم أنه لا يمكن الرهان عليهم للتخفيف من التوترات، بما أن هؤلاء سرعان ما ينسون واجباتهم المهنية ويتحولون إلى أنصار متعصبين؟ وأعادت الاجتياحات الأخيرة لميادين الملاعب، البطولة الوطنية إلى نقطة الصفر، كما أساءت كثيرا إلى صورة كرة القدم الجزائرية، بعدما شهدت تحسنا قياسا بتراجع الشغب، ما يعني أن المشاغبين لم يتقاعدوا إطلاقا ولم يطلّقوا أفعالهم كليا، وكل ما في الأمر أنهم استفادوا من استراحة قصيرة، قبل تحضير عودتهم لترويع اللاعبين والحكام والأنصار الأوفياء المسالمين، فوق الميادين، التي أصبحت أشبه بساحات ملغمة، يسارع اللاعبون والحكام إلى مغادرتها سالمين، خشية حدوث صدامات تعرض حياتهم إلى الخطر. أين الخلل؟ ما كان الأنصار يتصرفون بالطريقة التي عرفتها الملاعب مؤخرا للاحتجاج على أداء أنديتهم أو الحكام، لو لم يستغلوا ثغرات في الترتيبات الأمنية، التي تتخذها الجهات المختصة عموما، قبل انطلاق المقابلات، فإما يوجد سوء تقدير للمخاطر الأمنية في التحضير للمقابلات التي تصنف ساخنة، في الاجتماعات التي تنظم قبل المقابلات بحضور ممثلي الأندية والأمن الوطني، وإما تتم الاستعانة بأعوان ملاعب يفتقدون إلى أدنى درجات المسؤولية والتكوين في تأطير وتوجيه الأنصار في المدرجات، وإما أن الجهات المعنية (السلطات العمومية والفاف والجمعيات) غير مقتنعة كليا بالاستثمار في نشر ثقافة الروح الرياضية، بما أنها تتجاهل دور وأهمية الحملات التحسيسية، وتدير ظهرها لإعداد برامج مدروسة بعناية، في هذا الخصوص، وإما لجان الأنصار تجاوزها الزمن وأصبح ضروريا البحث عن إطار قانوني آخر لتأطير الأنصار، بما أن لجان الأنصار لم تعد تتمتع بأي مصداقية وتأثير على الأنصار، الذين ينتمون إليها.