يبدي إيغور بيليايف، السفير الروسي بالجزائر، انشغال بلاده من عدم تحسن الأوضاع في منطقة الساحل، ويشير إلى أن روسيا تطرح تساؤلات حول جدية القوات الأجنبية في هذه المنطقة في مكافحة الإرهاب. ويكشف السفير الروسي، في هذا الحوار مع يومية "الخبر"، عدم رضا بلاده على مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين التي لا ترقى إلى حجم إمكانياتهما. كما يتحدث عن موضوع تسليح الجيش الجزائري ونظرة بلاده الاستراتيجية إلى هذا الملف. وعلى الصعيد الدولي، يعرّج السفير على مختلف القضايا الساخنة في العالم العربي، ويؤكد أن بلاده تؤيد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. كيف تقيّمون واقع العلاقات الجزائرية الروسية اليوم؟
نحن مسرورون بتطوّر علاقاتنا مع الجزائر. لدينا علاقات متعددة الجوانب وهي تتطور بخطوات كبيرة. على مستوى الحوار السياسي، هناك تبادل للآراء حول القضايا الإقليمية الراهنة. هذا ليس غريبا على العلاقات الجزائرية- الروسية الضاربة في التاريخ، فالعدد الإجمالي للذين درسوا في روسيا أو الاتحاد السوفييتي، يصل إلى 20 ألف، بعضهم درس في مهن عسكرية وبعضهم في تخصصات مدنية. وكدليل على عمق هذه العلاقات، احتفلنا السنة الماضية بالذكرى ال 60 للتعاون الحربي بين البلدين.
لكن لماذا يسود شعور أن العلاقات بين البلدين لم تستمر على نفس الوتيرة كما كانت سنوات الستينيات والسبعينيات؟
طبعا هذا يعود لظروف موضوعية مر بها كلا البلدين. علاقتنا لم تنقطع لكنها لم تتطور بالمستوى المطلوب. ثم جاءت الانطلاقة الجديدة بعد الزيارة التي أداها الرئيس بوتفليقة إلى روسيا في 2001، وكانت هذه الزيارة خطوة ذكية من قبل الجزائر، لأنه تعرّف على الرئيس بوتين وبدأت علاقة على أساس وثيقة صداقة موقّعة بين البلدين. اليوم العلاقات تتطور بوتيرة سريعة وهناك تبادل كثيف للزيارات، كان أبرزها زيارة وزير الخارجية الروسي ديمتري ميدفيديف سنة 2017 ووزير الخارجية الجزائر، عبد القادر مساهل، هذه السنة، وكذلك زيارة رئيس مجلس الأمن القومي، نيكولاي باتروشوف، وهو شخصية على مستوى عالي من الأهمية في روسيا.
أثير مؤخرا موضوع انضمام الجزائر إلى قاعدة بيانات حول الإرهاب تشرف عليها روسيا.. هل من معلومات حول هذا الموضوع؟
هذا الموضوع من اختصاص الأجهزة الأمنية، ونحن لا نتدخل في عملهم. هذه الأمور تجري بعيدا عن الأنظار. ما أستطيع قوله أن في موضوع مكافحة الإرهاب، هناك تعاون كثيف بين البلدين، وروسيا تأخذ هذه القضية على درجة عالية من الأهمية، بدليل مبادرة الرئيس بوتين لتشكيل جبهة لمواجهة الإرهاب الدولي.
يتم حاليا تشكيل قوة إفريقية في الساحل برعاية فرنسية.. كما توجد قوات فرنسية وأمريكية في المنطقة.. كيف تنظرون إلى هذا الوجود العسكري في منطقة الساحل؟
مبادرة قوة الساحل 5 مرّت عبر مجلس الأمن الدولي وروسيا دعّمت هذا المشروع، لكننا لا نشترك في تمويل هذه القوة ماليا أو عسكريا أو تكنولوجيا. على المستوى السياسي، نحن نتابع ما يحدث، ونحن نرى أن الوضع لم يتحسن أمنيا، وهذا ما يثير لدينا تساؤلات. بدا لنا في الوهلة الأولى أن الغايات طيبة لأنه مشروع لمواجهة الإرهابيين، لكن الأفعال لا تؤدي إلى نتائج إيجابية.
هل نفهم من كلامكم أن هناك غايات أخرى لهذا الوجود العسكري خارج مسألة محاربة الإرهاب؟
قد يكون هناك نوايا وراء ذلك، وقد تكون هذه النوايا غير مخلصة، لذلك نحن نتابع الأوضاع بناء على المعلومات التي نحصل عليها من الأصدقاء. الجزائر دولة مهمة بالنسبة لنا في المنطقة، وهي أكثر اطلاعا على الأوضاع في الساحل بحكم أن ذلك يمثل مجالها الحيوي وبالتالي لديها مصالح في كل الاتجاهات. نحن نرى أن الجزائر لديها رؤية صائبة، لذلك نحن مهتمون بالتقييم الجزائري لما يحدث، وهذا ما يفسر أن روسياوالجزائر لديهما نظرة متقاربة وأحيانا متشابهة. لذلك، رؤية الجزائر تعطينا الأساس لتكوين موقفنا من موضوع الساحل.
لا نلاحظ اهتماما كبيرا أيضا من الجانب الروسي في الملف الليبي.. ما هو موقفكم مما يجري هناك؟
لدينا أولوية للموضوع السوري كما تعلمون. لكن الأزمة الليبية تهم روسيا أيضا. الحل في اعتقادنا يعود لليبيين أنفسهم، وعلينا كمجموعة دولية أن نساند الليبيين للجلوس على طاولة المفاوضات. مرة أخرى نقول إن الرؤية الجزائرية هي الصائبة في الملف الليبي، ونحن نجري اتصالات مع المسؤولين الليبيين في طبرق وطرابلس كل شهرين أو 3 أشهر وذلك لمحاولة الجمع والتقريب في وجهات النظر. نحن نعترف بحكومة الوفاق الوطني في طرابلس وكذلك نعتبر أن برلمان طبرق هو الشرعي، وبالنسبة لنا يجب تجاوز هذا الانقسام.
الجيش الجزائري يعتمد تاريخيا في تسليحه على روسيا.. هل يمكن معرفة تفاصيل عن الصفقات في هذا المجال بين البلدين؟
هذه التفاصيل لا يمكن أن ننشرها لأنها من اختصاص الجهات العسكرية والأمنية. لكن ما نؤكد عليه هو أن التعاون العسكري هو من أساسيات التعاون بين روسياوالجزائر. كما هو معلوم، فإن روسيا تعتبر الجزائر بلدا مركزيا ونحن نرى أن التعاون الروسي الجزائري في هذا المجال هو عنصر مهم لاستقرار المنطقة. نحن نساعد الشركاء الجزائريين لكي تتمتع الدولة الجزائرية بالقوة اللازمة لمواجهة أي تحدي خارجي. ما تحصل عليه الجزائر، هو أنظمة دفاعية متطورة جدا من السلاح الروسي التي أثبتت فعاليتها في الميدان.
هل يزعجكم أن تقوم الجزائر بتنويع مصادر تسليحها وعدم الاكتفاء بالسلاح الروسي فقط؟
المعروف أن هيكلة وبناء القدرات القتالية لأي جيش يجب أن تكون منسجمة، لأنه لا يوجد سبب لإنفاق مليارات الدولارات على شراء أسلحة من دول أخرى تكون غير متجانسة.
روسياوالجزائر دولتان كبيرتان، لكن مستوى التبادل الاقتصادي بينهما يبقى ضعيفا ودون حجمهما.. كيف تفسرون ذلك؟
صحيح، فالتبادل التجاري بين البلدين هو في حدود 4.6 مليار دولار السنة الماضية، وهو مبلغ دون مستوى البلدين وعلاقاتهما القوية. هناك أسباب موضوعية لذلك. الاقتصاد الروسي والجزائري غير متكاملان بمعنى أن طبيعتهما متشابهة، فكلا البلدين يعتمدان على تصدير المحروقات والمواد الخام. رغم ذلك نرى أنه من الممكن أن نجد مجالا لدفع العلاقات الاقتصادية إلى الأمام، وهذا كان موضوع زيارة ميدفيديف إلى الجزائر. فقد اصطحب معه حوالي 60 شركة روسية وتم بحث فرص التعاون. أعتقد أن هناك تقصيرا من الجانبين في هذا المجال، فالجزائر، مثلا، بإمكانها تصدير منتوجات فلاحية من خضر وفواكه إلى روسيا كما أن روسيا بإمكانها تصدير القمح إلى الجزائر على سبيل المثال لا الحصر. من جانب آخر، نعتقد أن العلاقات التي تربط الجزائر بدول قريبة جغرافيا تجعل من دخول المنتجات الروسية من الصعوبة بمكان.
هل تقصدون أن ثمة لوبيات أجنبية تعيق تطور المبادلات أو الاستثمارات الروسية بالجزائر؟
الحضور القوي لشركات غربية في الجزائر يجعلها تنظر إلى الشركات الروسية على أساس أنها منافس وهذا طبيعي. لكن لا يمكنني إعطاء أمثلة حية حول إعاقة شركات روسية.
الجزائروروسيا تصدران الغاز لأوروبا.. هل تنظر بلادكم إلى الجزائر على أنها منافس على هذه السوق أم شريك؟
لا نعتبر الجزائر منافسا، فلكل بلد سوقها. نحن نصدّر الغاز إلى أوروبا الوسطى والجزائر إلى بلدان أوروبا الجنوبية. نحن نعمل كشركاء، وكما هو ملاحظ، بين البلدين تعاون وثيق في مجال الطاقة. وفي هذا المجال، لدينا حاليا لجنة للتعاون الاقتصادي والتجاري، ونحن نعمل معا من أجل رفع أسعار النفط ما دام أن لنا مصلحة مشتركة في ذلك. كما أننا دعمنا إنشاء منظمة للبحث في تطوير الغاز بالجزائر، وهي مؤسسة تابعة لمجموعة الدول المصدرة للغاز.
هناك لاعبون جدد دخلوا السوق الأوروبية للغاز على غرار قطر.. كيف تنظرون إلى هذا الواقع؟
استراتيجيتنا تقوم على الحوار مع جميع الأطراف والسعي للحفاظ على سعر مناسب للجميع.
بخصوص العلاقات الشعبية.. هل هناك تسهيلات لتشجيع السياحة خاصة في موضوع التأشيرة بين البلدين؟
زيارة وزير الخارجية عبد القادر مساهل سمحت بالتوقيع على اتفاقية لإلغاء التأشيرة بالنسبة للدبلوماسيين.. لكن هذا غير كاف. علينا اليوم أن نوجد نظاما مناسبا لدخول المواطنين، مثلما هو معمول به بين روسيا ومصر ومع تركيا وتونس أيضا. التنقل بين البلدين ضئيل لأن حجم التبادل التجاري قليل، وحاليا لا توجد سوى رحلة طيران واحدة في الأسبوع تربط الجزائربموسكو، وهي رحلة للخطوط الجوية الجزائرية بينما لا توجد رحلات لشركات طيران روسية. روسياوالجزائر وقّعتا في نفس الخطأ في الماضي، حيث اعتمدتا على البترول والغاز بينما لم يتم تنشيط السياحة.
أثير مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي خبر حول إلغاء مقاطعة روسية للتأشيرة على الجزائريين .. ما مدى صحة ذلك؟
نعم صحيح، مقاطعة فلاديفوستوك الروسية يمكن زيارتها دون تأشيرة. لكن لا يمكن مغادرتها إلى موسكو مثلا إلا بتأشيرة.
لماذا هذه المقاطعة تحديدا وهل هي منطقة سياحية؟
روسيا الاتحادية تبنّت سياسة جديدة لتطوير الأقاليم البعيدة عن المركز. الأقاليم القريبة من اليابان لم تتطور بالشكل الكافي عكس الأقاليم القريبة من أوروبا.
تحتضن بلادكم كأس العالم في جوان المقبل.. هل هناك تسهيلات للجزائريين الراغبين في مشاهدة المونديال في روسيا للتنقل هناك؟
كل من يشتري تذكرة لمشاهدة مقابلة في المونديال بإمكانه أن يدخل روسيا دون أي إشكال ولا حاجة له للتأشيرة، لا فرق في ذلك بين جزائري أو أمريكي أو أوروبي. المطلوب فقط هو ملء استمارة على الأنترنت والحصول على شارة لحضور المونديال.
كانت الحركة الثقافية نشطة بين الجزائر والاتحاد السوفييتي.. لكن اليوم لا يوجد مركز ثقافي روسي في الجزائر.. ما هي الأسباب؟
نحن نعمل حاليا على إعادة فتح مركز ثقافي روسي في الجزائر وآخر جزائري في روسيا، من أجل التبادل الثقافي والعلمي. وزارتا الخارجية تعملان على صياغة اتفاقية في هذا المجال. الأمر يحتاج إلى وقت فقط. هذا القرار اتخذناه لأننا ندرك أن هناك تطلعا وشغفا بمعرفة الثقافة الروسية وتعلّم اللغة من جانب الجزائريين، وكذلك الأمر بالنسبة للروس.
بعد العودة القوية لروسيا إلى المسرح الدولي، هل يمكن القول اليوم أن عهد الأحادية القطبية قد ولى؟
نعتقد أن الأحادية القطبية قد ولّت منذ زمن، فهناك مراكز قوة متنوعة كالصين والهند، وإفريقيا بتنوّع بلدانها مثل جنوب إفريقيا ومصر والجزائر، كلها مراكز قوة، أمريكا اللاتينية كالبرازيل والمكسيك مراكز قوة أيضا، فهناك مراكز متعددة للقوة، فعهد القطب الأحادي ولّى، لكن البعض لا يريد أن يدرك ذلك، ويريد أن يعود بالأمور إلى وقت سابق..
لكن في مرحلة معينة ظلت أمريكا وحدها في الساحة قبل عودة روسيا، وقد تكون الأخيرة القوة الوحيدة التي بإمكانها مجابهة أمريكا، فرغم قوة الدول التي ذكرتموها، إلا أنه من الناحية العسكرية روسيا هي التي بإمكانها الوقوف الند بالند، ألا تعتقدون ذلك؟
إذا رجعنا إلى التاريخ، لم تكن روسياوأمريكا في أي فترة من الفترات أعداء بالعكس، كانا حليفان في الحرب العالمية الثانية، وناضلا من أجل تحرير أوروبا من النازية، لكن أمريكا دخلت في الحرب عندما عرفت إلى أي اتجاه يميل التوازن، بعد ستالين غراد، عندما بدأت روسيا تتجه إلى أوروبا من أجل تحريرها انتقلت معها. ما حدث في السابق كان تصويرا على أن هناك صراعا سياسيا بين الشيوعية والرأسمالية، لكن روسيا أصبحت بلدا غير شيوعي، الآن النظام الرأسمالي موجه لدعم الشعب البسيط والفقراء، لكن العداء الأمريكي زاد تجاه روسيا الاتحادية، لماذا؟ لأن الأمريكيون يتصرفون كحاكمي العالم، يملون شروطهم على الدول، وروسيا عبر تاريخها لم تقبل يوما بتنفيذ إملاءات من الخارج، ولطالما أردنا البقاء أسياد قراراتنا،.. أحرارا، وهذا ما يزعج أمريكا.
قلتم سابقا إن الملف السوري يعتبر أهم ملف تسعى روسيا إلى إيجاد حل له. فما مآلات المسار السوري اليوم؟ وهل يمكن أن تؤدي الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والحملة التركية والتدخل الأمريكي، إلى إعاقة مسار التسوية السورية، على غرار جنيف والأستانا وسوتشي؟
بعدما تدخلت روسيا في الأزمة السورية وصمدت الحكومة السورية، كان الإنجاز الأساسي هو القضاء تقريبا على المنظمات الإرهابية التي كانت على أبواب دمشق، لكن في نفس الوقت نحن ندرك أن الصراع مع الإرهاب سيستغرق وقتا طويلا، خاصة وأن المنظمات والخلايا الإرهابية منتشرة ومتواجدة في كل العالم، فالمنظمات الإرهابية التي جاءت إلى سوريا من أجل محاربة النظام الشرعي، حاملة لحوالي 100 جنسية مختلفة من كل أنحاء العالم، واليوم هؤلاء أضحوا يفرون صوب مناطق يرونها ملاذا آمنا، وحاليا الهم الأساسي لروسيا بعد سلسلة من الانتصارات المسجلة على الإرهابيين، هو الوصول إلى تحويل الأزمة العسكرية إلى حل سياسي، وهذا هو الهم الأساسي الذي تبذل روسيا اليوم جهدا حياله، كون النتيجة التي تنبثق عن الحرب هي القتل وإراقة الدماء والوصول إلى دمار كبير، والمتضرر هو كل الشعب السوري، والأمر يتجاوز كونه من المعارضة أو من الموالاة، وبذلك تعمل روسيا والدول التي تدعم مواقفها على تحويل المرحلة العسكرية إلى أخرى سياسية. وكل ما نعمل عليه الآن يرمي إلى الوصول إلى تحقيق هدف المرحلة السياسية، فلو أخذنا مؤتمر سوتشي على سبيل المثال، فقط دعونا 1500 سوري للمشاركة فيه، من كافة أطياف وشرائح المجتمع، ومن القبائل والأقليات من دروز وعلويين وأرثودكس وغير أرثودكس، وهذا دليل على رغبتنا في جمع كل السوريين على طاولة المفاوضات ويصلوا إلى اتفاق حول مستقبل البلاد، وتشكيل لجنة من 150 شخصية من مختلف الشرائح بهدف صياغة دستور للبلاد، وكذا الاتفاق حول إجراء انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية. طبعا، لم يحضر الجميع إلى سوتشي، فمجموعة "الرياض" لم تأت، لكن البعض من هذه المجموعة حضروا بصفة شخصية، واعتقد أن مؤتمر سوتشي كان ناجحا، لكنه ليس بديلا لجنيف أو الأستانا، لكنه مكمل لهما.
لكن ألا تعتقدون، كما سبق وأن ذكرت في سؤالي، بأن الاعتداءات الإسرائيلية والحملة التركية والتدخل الأمريكي من شأنه تقويض المسار السياسي السوري؟
نحن نعرف أن هناك تدخلات ومحاولات لمنع نجاح الجهود الروسية، وهنا لا أقصد تركيا لأن كلا من تركياوإيران دولتان ضامنة لمناطق تهدئة الأوضاع في سوريا، لكن المشكلة أنه لكل دولة مصالحها الخاصة، فأمريكا مثلا تعمل على تسليم مناطق في سوريا للمعارضة، وترسيخ هذا الوضع ممكن أن يؤدي مستقبلا إلى تقسيم البلد، ونحن ضد ذلك، نحن نود أن تكون سوريا موحدة، ذات سيادة على الحدود المعترف بها، لكن ما يقوم به الأمريكيون يثير شكوكا حول مستقبل سوريا.
كيف ترون الدور الإيراني في المنطقة، والأزمة القائمة بين السعودية وإيران؟
إيران دولة حاضرة في المنطقة ولها نفوذها، وهو نفوذ تاريخي، فنحن من أنصار التعايش السلمي بين كل دول المنطقة، وأطلقنا في أوائل التسعينيات مبادرة للتعاون والتعايش السلمي في الخليج، ونعتقد أن إيران يمكن أن تكون عنصرا فاعلا في المنظومة، نود أن نصل إلى تحقيق مجموعة مثل منظمة التعاون والأمن في أوروبا "الأمن للجميع". فالجميع يعيشون في سلام ويتعاونون ويتبادلون المعلومات، وحينما نلتقي مع دول الخليج نطرح هذه المبادرة، وبعض الدول رحّبت بها، والبعض الآخر يسكت ولا يبدي رأيه، لكن المبادرة موجودة على الطاولة. وفي كل مرة نقترح أن يكون هناك حوارا ما بين السعودية وإيران، ونحن مستعدون للمساعدة لتنظيم لقاءات وحوار مباشر لحل المسائل بينهما، فكلاهما موجودان على الخريطة، ونحن أيضا على نفس الخريطة ولسنا متواجدين في الفضاء، لذلك علينا أن نعمل على العيش في سلام.
هل لنا معرفة الدول المرحّبة بالمبادرة؟
المبادرة لازالت في طور النضج..
الملاحظ هو الليونة الروسية مع السعودية، هل الأمر راجع لاقتناء السعودية للسلاح والطائرات الروسية؟
علاقاتنا مع السعودية تتطور باستمرار، السنة الماضية زار الملك السعودي روسيا، وهي زيارة تاريخية.. أول زيارة خلال عقود..
نحن لا نخسر الجيران، بل نتعوّد على الوضع القائم ونتكيّف معه، ونقيم علاقة حسن الجوار مع الدول الجارة، لأن هناك مصالح مشتركة أقوى من أي خلاف ومن أي نزاع، يمكن أن يأتي بآثار سلبية للغاية للجانبين.
عبّرت السلطة الفلسطينية عن أملها في أن تلعب موسكو دورا بعد تخلي أمريكا عن دور الوسيط المنحاز، فماذا كان رد فعلكم؟
تاريخيا، لدينا علاقات وطيدة مع فلسطين والشعب الفلسطيني، نحن ندعم إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا، في حدود حزيران 67، وعاصمتها القدس الشريف. للأسف كل المحاولات السابقة فشلت، اليوم الوضع الفلسطيني أصبح أكثر سوء، بسبب الإدارة الأمريكية الجديدة الميالة إلى الدفاع عن المصالح الاسرائيلية، لذلك نحاول أن نفعل الآلية الموجودة لدفع المسار السلمي لحل القضية الفلسطينية، وهي آلية رباعية دولية تضم الولاياتالمتحدةوروسياوالأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي. يقلقنا الوضع المتأزم الحالي، واستمرار الاستيطان للأراضي الفلسطينية، إلى جانب تقزيم الأراضي الفلسطينية، لذلك نحاول تصحيح الأمور، ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة اتخذت موقفا مؤيدا للمصالح الاسرائيلية، وهنا تكمن المشكلة، لأن علاقاتنا مع إسرائيل جيدة كذلك، لذا نحاول إيجاد حل مقبول لدى الطرفين، للفلسطيني والإسرائيلي، لأن هذا الأخير كذلك موجود في تلك الأراضي، إلا أنه كيف نتجاوز الأزمة الناتجة عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لا أدري.. نحن نتحدث مع الأمريكيون، ونقول إن هذه الخطوة غير مفيدة، إلا أن الإدارة الأمريكية لا تستوعب الأمر ولا تريد استيعابه، وهذا خطير جدا، لأن عدم حل القضية الفلسطينية يؤثر على شعوب المنطقة العربية والإسلامية، والمنطقة مكتظة بالنزاعات، وإعطاء دفع جديد لهذه النزاعات غير مفيد.
ألا ينطبق قلقكم على الوضع في فلسطين، على ذلك السائد في آخر مستعمرة إفريقية وهي الصحراء الغربية، وأنتم عضو في مجلس الأمن، ألا يمكن لعب دور مساعد في الوصول إلى حل للقضية الصحراوية؟
لطالما لعبنا دورنا في القضية الصحراوية، ونحن نعتقد أن هناك بعثة الأممالمتحدة وآلية أممية، وهي بعثة خاصة بتنظيم الاستفتاء.. لكنه استفتاء لم يتم وطال أمده لمدة تجاوزت 25 سنة، كما أنها بعثة أممية غير مكتملة الأعضاء.. إذا كانت هناك دول فاعلة تمنع الوصول إلى حل، فالأمر صعب.. لا ننسى أن هناك حل جماعي، وإذا قررت الأممالمتحدة أن يكون هناك حل تحت إشرافها، فعلينا التوجه في هذا الطريق، أقصد مفاوضات ما بين جبهة البوليساريو والمغرب واتفاق حول تنظيم الاستفتاء.
بمعنى أنكم تعتبرون الصحراء الغربية أراضي محتلة من قبل المغرب؟
نحن نعتقد أن هناك آلية وقرارات بخصوص مستقبل الصحراء الغربية من المفروض تنفيذها.
ما خلفية العقوبات المسلطة على روسيا من قبل واشنطن وأوروبا، وما مدى تأثيرها عليها؟
نحن ضد العقوبات المسلطة على روسيا، لأن هذه العقوبات أحادية الطرف، تتخذ لإملاء شروط على هذا البلد، وهي عقوبات غير مبررة، ولكن مفعولها تجاه روسيا كان إيجابيا نسبيا، لأن فرضها أرغم روسيا على تنويع اقتصادها وتطويره، فحدث تطور سريع في الزراعة مثلا، وخلال الخمس سنوات الأخيرة هناك إنجازات كبيرة..
أي رب ضارة نافعة..
صح، لكن العقوبات مضرة، وأتت بضرر على الاقتصاد الروسي، خاصة في مجال الاستثمارات.
ونحن على بعد أيام قليلة عن الانتخابات الروسية، هل يمكن أن تكرّس الأخيرة حكم الرئيس فلاديمير بوتين؟
شكرا على السؤال الجيد، انتخابات الجالية الروسية المقيمة في الجزائر، ستجري يومي 16 و17 مارس في الخارج، أي قبل الانتخابات الروسية بيومين، وهي تكرّس لشعبية الرئيس بوتين، والواقع أنه ليست هناك شخصية سياسية بمستواه، أنا لا يحق لي كدبلوماسي أن أقوم بدعاية قبل أيام عن الانتخابات، ولكنه أمر واقع، استطلاعات الرأي المختلفة تبيّن أن 90 من الشعب الروسي يميلون لسياسة بوتين، وهذا ليس من باب الصدفة، بل هو اعتراف بما قام به بوتين خلال 18 سنة من عمله على مستوى قيادي، فحينما انتخب رئيسا الوضع لم يكن جيدا، وضعيفا على المستوى الدولي، إلى جانب مشاكل كبيرة في الاقتصاد الروسي، لكن بعد 18 سنة تقدمت روسيا واستطاعت أن ترجع كقوة دوليا، وحتى فيما تعلق بالشأن الداخلي وتطوير الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة. هذا لا يعني عدم وجود مشاكل والطبقة الفقيرة موجودة كذلك، إلا أنها تقلصت، ومن المؤكد منح فترة جديدة للرئيس معناه إيجاد حل للمشاكل الداخلية.