أمتع الوزير الشاعر صديق المجتبي محمد الأمين أول أمس جمهور المكتبة الوطنية بقراءاته الشعرية ذات النسمات السودانية والتي تضمنت قضايا يعيشها عالمنا العربي عموما، وعلى الرغم من جدية المواضع ذات البعد السياسي المحض إلا أنها لم تكن تخل من خفة الروح وحضور الدعابة· الأمسية الشعرية جاءت باقتراح من سعادة سفير السودان بالجزائر السيد حيدر، لما لهذا الشاعر من مكانة في بلاده وأيضا لرواج شعره في الوسط الثقافي الجزائري· عند صعوده المنصة لم يتردد الشاعر في استحضار تاريخ الجزائر بأبطالها المقاومين والفاتحين وبشعرائها الذين تجاوز شعرهم الأصقاع· بدأ الشاعر قراءاته بقصيدة تحمل عنوان "أسمار الفقراء"استوحاها من سكان إحدى القرى السودانية كان ذلك سنة 1984، حيث كان يعمل صحفيا وأثناء مروره بها ليلا سمع سمر بعض الفقراء فيها يجسلون على الطريق وينتقدون بشكل لاذع "الأسياد" الذين حرموهم لقمة العيش بينما يعيشون هم حياة البذخ، يقول أحدهم مخاطبا غنيا· عفوا يامولاي عليك اللعنة** أنت السيد ابن السيد حتى يرث الله الأرض كما قارن الشاعر في مقطع آخر من القصيدة بين كوخ الفقير وقصر الغني، موضحا أن الكوخ تملؤه الأذكار ويخرج منه الثوار وتغرد فيه الأطيار بينما القصر تملؤه القهقهات وتأكل فيه الأطيار، وفيه يكون فرح السلطان حبيس الدار، ليخلص الى أن العرش والقصر الحقيقي هو ذلك الذي يحمل المعنى لا مجرد مبنى· السمر الثاني في القصيدة خاص بشاعر فقير يتغنى بمحبوبته التي "تكالب" عليها العشاق مشبها هذه القصة بلعبة شعبية سودانية يلعبها الصبيان حيث يخفون عظما في الظلام ليجري البحث عنه وهكذا أيضا الحال بالنسبة للمعشوقة ليلى والمقطع يحمل دلالات سياسية جريئة· أما قصيدة "ملحمة القدس" فقد هزت القاعة وهي قصيدة يسرد فيها الشاعر حادثة ضرب اسرائيل بصاروخ عراقي ليلة الإسراء والمعراج يقول فيها ألحق في القدس آذان الفجر لأكتب صديقا للعصر وأصلي خلف إمام الرسل وفيها يصف الشاعر الراهن العربي الصعب خاصة على الصعيد السياسي ويقول: "رأيت ملوكا حجوا للبيت الأبيض هذا العام في زي الإحرام العربي"، ويضيف "اقتل ماشئت من عرب مادمت لا تمس بحقوق الإنسان"· قصيدة أخرى خصصها "للعراق" وكانت مواساة لشاعر عراقي تألم لاحتلال بلده وشاهد ماحصل فيه وهو يزور الخرطوم، والقصيدة محاولة لربط مصير العراق والسودان اللذان يواجهان نفس التحديات وهي ربط أيضا بين وادي النيل ودجلة والفرات، اللذان يصبان في عروق كل إنسان عربي· حضور الشاعر وقوة إلقائه وروح المداعبة عنده جعلت الحضور منجذبا إليه أكثر فأكثر بما فيهم الدكتور أمين الزاوي الذي كان يقهقه من بعض اسقاطات الشاعر واستعماله لألفاظ هزلية تصور الراهن العربي، بينما ظهر الأستاذ عز الدين ميهوبي مشدودا لإلقاء الشاعر علما أنه عندما طلب من الشاعر ميهوبي إلقاء بعض قصائده فضل أن يكون مستمعا مستمتعا بشعر صديق لكنه فضل الحديث عن الحياة الثقافية في السودان التي ظلمتها الصورة الإعلامية السوداء التي تروج لنواحي بعيدة عن الثقافة والحياة الجميلة في هذا البلد القارة، كما تحدث ميهوبي عن زياراته الى الخرطوم والتي تعرف فيها الى أدبائها ومفكريها ومنهم طبعا صديق الذي هو زميله في مؤسسة جائزة البابطين. لتذكير فإن صديق المجتبي تقلد منصب وزير السياحة ثم وزير الثقافة بالسودان، وهو عضو في العديد من المؤسسات الثقافية العربية، وله العديد من الدراسات في الفكر والأدب والسياسة، إضافة الى الدواوين الشعرية منها "أسمار الفقراء" و"الفلاحة التائهة" و"الشعر في زمن العولمة"·