تعد مسألة إنشاء جمعيات وتعاونيات فلاحية تضم يدا عاملة شابة ومختصة في المهن المرتبطة بالنخيل عامة وشعبة جني التمور بصفة خاصة، ضرورة أكثر من ملحة من أجل تطوير وتنمية هذه الثروة الاقتصادية «الهامة»، كما يرى مسؤولو قطاع المصالح الفلاحية. وفي ظل عدم اعتماد مكننة هذه الشعبة باعتبارها تتطلب دراسات تقنية خاصة، تطمح مديرية المصالح الفلاحية بولاية ورقلة التي تضم مساحة فلاحية تقارب 23 ألف هكتار مزروعة بأكثر من مليوني نخلة منتجة إلى إعادة الاعتبار للمهن التي تحافظ على النخيل بعد تسجيل تراجع كبير في ممارسة هذه المهن، حسبما أوضح مدير القطاع السيد، أحمد زبير. وتشهد مهنة «القَطّاع» وهو الشخص الذي يقوم بتسلق النخيل العالي لقطع العراجين وجني التمور أو القيام بأعمال أخرى مرتبطة بالنخلة خلال السنوات العشر الأخيرة تراجعا «كبيرا» وعزوفا «شديدا» من طرف فئة الشباب الذين يعتبرونها «مجازفة» على الرغم من الأهمية التي تحتلها النخلة في المشهد الاجتماعي لسكان الجنوب، وقد ترقى إلى درجة «القداسة» لارتباطها بالمنظومة التراثية والثقافية التاريخية لهؤلاء السكان. ويرجع السيد زبير هذا «العزوف» إلى كون هذه المهنة تتميز بالصعوبة وتتطلب صبرا وقدرة على التحمل بالنظر إلى ما يحتاج إليه تسلق النخيل من مؤهلات بدنية ورغبة ذاتية في ممارسة هذا النشاط، إضافة إلى ما تتطلبه هذه المهنة التقليدية من إلمام بكل تقنيات تسلق جذع النخيل الذي قد يتجاوز علوه في بعض الأحيان 17 مترا. كما تطرح أيضا إشكالية الأخطار المحدقة بتسلق النخيل في غياب آليات الحماية والإطار القانوني الذي يضمن التأمين للمتسلق أو أي تعويضات اجتماعية أخرى وهي العوامل وغيرها التي أدت إلى تفادي الشباب ممارسة هذه المهنة مما يتسبب في تدهور وضعية النخيل وهو ما يلاحظ حاليا في الكثير من الواحات المنتشرة بالمنطقة، مما يخلف ضياع كميات هائلة من محاصيل التمور التي تظل معلقة في عراجين بأعالي النخيل لتعرضها لأمراض وحالات تعفن مما يؤثر بشكل مباشر على المردود يضيف المتحدث . وحول هذه المسألة، يرى أحد منتجي التمور بمنطقة ورقلة أن مهمة العناية بالنخيل وتسلقها في تراجع لعدم اهتمام شريحة واسعة من الشباب بهذه الثروة التقليدية لأسباب متعددة مما يتعين الإسراع في تدارك الوضع والاهتمام بشكل جاد بهذه المسألة من خلال تنشئة جيل جديد من الفلاحين الشباب الذين سيخلفون مزارعي النخيل من الجيل السابق الذين يتقلص عددهم من سنة إلى أخرى». ويرتكز إنتاج التمور وتطوير محاصيله أساسا على أشغال صيانة هذه الشجرة المباركة التي ذكرت في القرآن الكريم على غرار تنظيفها دوريا من أغصان الجريد الجاف والسعف والليف، بالإضافة إلى المتابعة الصحية للنخلة لوقايتها من الأمراض الطفيلية وكذا القيام بانتظام بحملات تلقيح العراجين في آجالها الطبيعية، فضلا عن الحرص على جني محاصيل التمور في وقتها لتفادي تدهور القدرة الإنتاجية للنخلة. وتبعا لذلك، فقد أصبحت العناية بالنخيل المثمر تتطلب - كما ذكر مدير المصالح الفلاحية - يدا عاملة شابة ومختصة تتسم بالمهارة ومعرفة خصوصيات هذه المهنة التي تتميز بدقتها خاصة وأن جل العاملين فيها في الوقت الراهن أصبحوا من الفلاحين المتقدمين في السن وغدا الاستمرار في ممارسة هذا النشاط غير مضمون بالنسبة إليهم مستقبلا، فإن إنشاء تعاونيات فلاحية وجمعيات تعنى بالمهن المرتبطة بالنخيل مع إمكانية تأمينها قانونيا واجتماعيا، تضم يدا عاملة شابة ومؤهلة، أصبحت مسألة ملحة لضمان استدامة هذه الثروة الفلاحية وتحسين مردود التمور، لاسيما على مستوى المحيطات الفلاحية الجديدة المنتشرة عبر أقاليم الولاية مما سيمكن من تطوير شعبة التمور إنتاجيا وصناعيا من خلال استغلال مشتقات النخيل حسبما أكده السيد زوبير. ومن بين المبادرات التي تقوم بها مديرية القطاع، تنظيم مسابقات لتشجيع الشباب واستقطابهم نحو مهنة «القطاعة» على مستوى المعهد الوطني للأبحاث الفلاحية «سيدي مهدي» بدائرة تقرت ( 160 كلم شمال عاصمة الولاية) والتي يتم من خلالها انتقاء المشاركين ممن يبدون مهارات في تسلق النخيل، غير أن مثل هذه المبادرات تعطي نتائج محدودة. للإشارة، فإن إنتاج التمور خلال السنوات الأخيرة عبر ولاية ورقلة قد عرف ارتفاعا من حيث كميات المحاصيل المحققة وذلك بفضل المجهودات المبذولة للدولة والرامية إلى تطوير وتنمية هذه الثروة الفلاحية «الهامة». وأسفرت حملة الجني للموسم الفلاحي الجاري على جني 29ر1 مليون قنطار من التمور بمختلف أنواعها مقابل إنتاج بلغ 27ر1 مليون قنطار خلال الموسم الفلاحي الفارط حسب إحصائيات مديرية المصالح الفلاحية.