تعد الفنانة جهيدة هوادف من بين الأسماء اللامعة في الفن التشكيلي الجزائري، حيث استطاعت خلال مسيرة ثلاثين سنة، تكريس بصمتها الفنية والعمل بدون هوادة، رغم الصعوبات التي اعترضت وما تزال - مسارها الفني، وفي هذا السياق، استضافتها «المساء» في منتداها وتناولت معها العديد من المواضيع. من اليسير جدا التعرف على أعمال الفنانة التشكيلية جهيدة هوادف، فشخصيات لوحاتها لها رقبات طويلة وأعين كبيرة، أما ألوانها فمتنوعة وصاخبة ويغلب عليها اللونان الأزرق والأخضر، كما تستلهم مواضيعها من الطفولة والطبيعة وأصولها «النقاوسية» وتمنحها نظرة عميقة وحسا صادقا، وهنا تشير جهيدة إلى أن ولوجها عالم الفن منذ طفولتها كان قدرا وليس قرارا مخططا له، حيث كانت تعيد رسومات البورتريهات والبطاقات البريدية وسط تشجيعات العائلة، لتلتحق بعد الأخذ بنصيحة صديقة لها بمدرسة الفنون الجميلة في العاصمة. أوضحت جهيدة أنها تخصصت في فن السيراميك، وبعد تخرجها التحقت بسلك التدريس، فعلّمت الطلاب الثانويين أبجديات الرسم وبعدها عادت إلى الدراسة بالمدرسة العليا للفنون الجميلة (تخصص الرسم الزيتي) وأكدت في السياق، عدم قدرتها على تخصيص الكثير من وقتها وفنها لطلبة لا يهتمون بالرسم وغير منضبطين، مشيرة إلى أن النظام التدريسي لا يمنح للطلبة حق اختيار هواية ما، مثل الرسم والموسيقى والمسرح، بل يجبرهم على دراسة الرسم فحسب، وهو ما لا يحبذه الكثيرون. جهيدة التي اعتبرت الفن التشكيلي أكسجينا لا يمكن أن تستغني عنه، لم تستسلم أبدا أمام الصعاب والعراقيل اليومية التي تمس تقريبا كل الفنانين التشكيليين، والبداية بصعوبة بل ربما استحالة العيش من الفن، فمعظم الفنانين مجبرون على إيجاد عمل مواز بعيدا عن المحيط الفني، كما لا تشجع الدولة الفنان، بحيث لا تشتري أعماله، إضافة إلى عدم وجود سوق فن تشكيلي منظمة، أو فضاء للإبداع، أي أن الفنان مجبر على العمل في بيته وهو كثيرا ما يعيق تجسيد مهامه الفنية. وأوضحت جهيدة أنها لا تملك ورشة ترسم فيها وتستضيف فيها الجمهور ورفقاءها الفنانين، فهي ترسم في البيت ومن حظها أن أفراد عائلتها يعملون نهارا، بالتالي يتركون لها فسحة للعمل، كما أنها تملك مرآة كبيرة تعكس أعمالها، وفي هذا تقول؛ «من الضروري أن يرجع الفنان حينما يرسم، في بعض الأحيان، إلى الخلف كي يستريح ويشاهد أعماله، بالتالي العمل في فضاء ضيق لا يناسب الفنان، كما أن عدم امتلاكه لورشة يعرقل عمله، فلا يمكنه إنجاز لوحة كبيرة واستقبال الجمهور وتبادل الآراء معهم، فالفنان حينما يعمل، ينفرد بنفسه، لكن بعد انتهائه من لوحته يرغب في إشراك الآخرين في ما قام به، أي أن يسلط الضوء على عمله ويخرج إلى العلن. واعتبرت جهيدة أن الفنان بحاجة إلى التواصل مع الجمهور والانتشار، ولن يتم ذلك إلا بالعمل المتواصل وتعريف الجمهور بأعماله من خلال الصحافة والنقاد، لتتوقف عند هذه النقطة متسائلة عن قلة نقاد الفن التشكيلي وعدم وجود كتاب واحد يتناول تاريخ الفن التشكيلي في الجزائر. وعادت هوادف للحديث عن إعالة الفنان لنفسه خارج فنه، وقالت بأن هذا الأمر يضر كثيرا الفنان الذي عليه أن يخصص وقته للفن وليس للركض خلف هذا وذاك بهدف عرض أعماله، متسائلة: «كيف له أن يتصرف حينما يأتيه الإلهام في مكان عمله؟ فعدم ترجمة مواهبه في كل وقت، يسبب له الاكتئاب والشعور بالفشل». ومع ذلك، كم لوحة تبيع جهيدة في السنة الواحدة؟ تجيب الفنانة بأنها لا تبيع لوحاتها بشكل منتظم، فأحيانا تبيع لوحتين في السنة وأحيانا عشر لوحات، حسب الطلب أو لنقل حسب «الحظ» المتعلق بمعارفها ومحبي أعمالها، وتضيف أنه بعد انتقالها للعالم الافتراضي» الفايسوك»، أصبح لها تواصل أكبر مع الجمهور والفنانين، رغم أنه شتان بين هذا العالم البعيد عن الواقع والواقع في حد ذاته. إمكانية سرقة أعمالها المعروضة في الشبكة العنكبوتية لا تكترث لها جهيدة هوادف، لأن الجانب الإيجابي في عرضها على الشبكة أكبر من عدم عرضها، كما أنها تعرضت لسرقة أفكارها في الواقع، لتضيف أنها لا تؤمن بمهمة الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، باعتبار أنها عانت من الاستغلال أكثر من مرة. جهيدة التي تفضل الرسم نهارا كي تستعمل الألوان على طبيعتها، تؤكد عدم «جنسنة» الفن التشكيلي، فهي لا تؤمن أساسا بإمكانية التعرف على جنس الفنان من خلال لوحته، معتبرة أن كل فنان كيفما كان أنثى أو ذكر، لديه أحاسيسه الخاصة التي قد تكون فاترة أو مشتعلة، وهو في هذا يتأثر بمحيطه النفسي والاجتماعي وحتى السياسي. ومع ذلك، أكدت هوادف امتنانها لعميدات الفن التشكيلي «النسوي»، مثل باية وسهيلة بلبحار، واعتبرتهن مرجعا للمرأة الفنانة التي واجهت الصعاب وفرضت اسمها في عالم الرجال وعبّدت الطريق لفنانات، كي يمارسن هذا الفن ويبدعن فيه.