بداية أسمح لنفسي وفي ذات الوقت أستسمح أصحاب مهنة المتاعب للإدلاء بدلوي في هذا المجال، لكن بصفتي متلقيا للمادة الإعلامية وكمواطن يؤمن بالرأي والرأي الآخر. ولأن العمل الإعلامي في بلادي عرف نقلة نوعية منذ تحول النظام في الجزائر من الأحادية الى التعددية، وبالرجوع إلى سنة 1990 حيث الإصلاحات التي باشرتها الدولة في جميع المجالات، وبنظرة منصفة لأداء الإعلام الجزائري خلال السنوات الأخيرة، تؤكد هذه النظرة اتساع هامش الحرية الذي تتمتع به وسائل الإعلام على اختلاف تياراتها السياسية وانتماءاتها الحزبية. إضافة إلى تنوّع قضايا الرأي العام التي تتناولها وسائل الإعلام، حيث أصبح النقاش مفتوحا حول قضايا كانت بالأمس القريب من الطابوهات التي لا يمكن طرق أبوابها. ذلك أن الأداء الإعلامي أصبح يتّسم بالجرأة والشجاعة في معالجة العديد من القضايا. كما أن النظرة المنصفة أيضا، تؤكد أن بعض وسائل الإعلام في بلادي استخدمت هذا الهامش المتاح بشكل مسؤول، واتسم أداؤها المهني بالمسؤولية المهنية والاجتماعية فتحرت المصلحة العامة للمجتمع، وكشفت عن بؤر الفساد في قطاعات مختلفة، حيث نقلت للحكومة اتجاهات الرأي العام، وتسبّبت بالتالي في دفع الحكومة لحل مشاكل المواطنين الملحة، واتسم أداؤها بالتوازن، حيث كانت منبرا لوجهات النظر المختلفة في معالجة قضايا المجتمع. ومن هنا نجح الأداء المسؤول لبعض وسائل الإعلام في تحقيق حق الإعلامي في النشر من جهة، وحق الجمهور العريض في المعرفة، وكذا حق المجتمع في الحفاظ على الصالح العام. وهذا في رأي أي مواطن هو جوهر مفهوم المسؤولية المهنية والاجتماعية للعمل الإعلامي الذي يكون بمثابة العين الساهرة التي ترعى المصلحة العليا للمجتمع سلطة وشعبا، وتدعم اتجاهات النقد البنّاء الذي يبرز الإيجابيات والسلبيات معا، وفي ذات الوقت يهتم بتقديم البدائل الإيجابية لمواجهة المشاكل الاجتماعية. وعلى نقيض هذا، وبكل أسف اتجه تيار آخر للاستغلال الخاطئ والسيء لحرية الإعلام، فأخذ يتعمّد الإثارة والإشاعات والأخبار غير الدقيقة سعيا منه لتحقيق ما يعرف بالسبق الصحفي لكسب المزيد من الشهرة الإعلامية، والهدف طبعا تحقيق مآرب خاصة دون مراعاة لمبادئ أخلاقيات المهنة، والمسؤولية المهنية والاجتماعية لحرية التعبير، حيث نتج عن ذلك خلط واضح بين حرية التعبير المكرّسة بالدستور والقوانين، وبين حرية الإثارة التي قد ينجر عنها ما لا يكون في الصالح العام، مستغلة في ذلك حالة الكبت التي عاشها ويعيشها المجتمع وخاصة فئة الشباب، هذا الأخير الذي يجد في هذا الأسلوب متنفّسا للتخلص من بعض المشاكل التي يواجهها في شتى المجالات. ولأننا اعتدنا قراءة حملات التشكيك المتبادلة على كل الأصعدة، أصبح التشويق في تشكيل الرأي العام بشأن الموضوعات والقضايا المختلفة أمرا معتادا. حيث كرّس هذا التيار التوجه نحو اليأس والإحباط من خلال التركيز على كل ما هو سلبي في المجتمع دون الأخذ بعين الاعتبار للجوانب الإيجابية. وهو الأمر الذي يتنافى مع مبادئ آداب وأخلاقيات المهنة التي تقوم بالأساس على ضرورة الحياد وتحري الصدق في تغطية الأحداث والتطورات المختلفة بكل ما تحمل من إيجابيات وسلبيات لبلوغ إعلام هادف وبنّاء يساهم في بناء مجتمع متكامل يسعى إلى تكوين نظرة متفائلة لمستقبل واعد لكل المجتمع شعبا وحكومة.