اقترح رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد محمد العربي ولد خليفة، أمس، أن يكون تاريخ 29 سبتمبر من كل سنة يوما وطنيا للمصالحة الوطنية في كل أنحاء الجزائر، والتعريف بمسارها ونتائجها خارج البلاد، واصفا إياها بالإنجاز الاستراتيجي لكل الجزائريين ولكل أنصار السلم والأمن في العالم. جاء ذلك في كلمة لرئيس المجلس الشعبي الوطني، خلال تنظيم يوم برلماني حول "السلم والمصالحة الوطنية والتنمية في الجزائر" بمقر المجلس بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة للمصادقة على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، حيث شاطر الفكرة أيضا محمد جميعي، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني، مقترحا بدوره إدراج هذا اليوم ضمن الأعياد الوطنية، إلى جانب تأسيس أكاديمية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للمصالحة الوطنية، من منطلق أن الرجل يستحق التكريم داخليا وخارجيا. وقال السيد ولد خليفة، إن الجزائر أصبحت نموذجا ناجحا لإنجاز السلم والمصالحة، مما جعل الكثير من الدول تستلهم من التجربة الجزائرية لاستعادة الأمن والاستقرار، كما مكّن الدبلوماسية الجزائرية من الحصول على ثقة الكثير من البلدان في الجوار الجيوسياسي والأمني لمساعدتها على استعادة الأمن والاستقرار، كون الجزائر تحترم سيادة البلدان ولا تتدخل في شؤونها الداخلية، ولا تساوم ولا ترضخ لأي ضغوط في هذه المسألة. وأوضح رئيس المجلس الشعبي الوطني، أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يعد تجسيدا للعهد الذي قدمه الرئيس بوتفليقة، للشعب الجزائري وهو العهد الذي حمل التصور الاستراتيجي الذي بدأ بالوئام المدني الذي أسس لإعادة الثقة بين أبناء الشعب الواحد، وتجاوز الصراعات وما أدى إلى سفك للدماء وتدمير مؤسسات الدولة وعزلة الجزائر عن المحيط الإقليمي والدولي، مضيفا أن هذه الوضعية كبّدت أمتنا خسائر معنوية ومادية فادحة. قوة الجزائر وحصانتها ترتكز على وحدة شعبها وحرص ولد خليفة، على إضفاء صورة متكاملة على الأبعاد الحقيقية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي قام على قيم أصيلة في المجتمع الجزائري، تحث على الصلح والتسامح، مضيفا أنه استند كذلك إلى عبر من تاريخ بلادنا العريق. في حين أشار إلى أن التجربة أثبتت أن قوة الجزائر وحصانتها ترتكز على وحدة شعبها وتضامن كل فئاته في السراء والضراء، وأن أولويات هذه المرحلة تبقى في تضافر جهود مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها العدالة ومنظمات المجتمع المدني لمكافحة فيروسات الفساد والرشوة والتهريب، والتبذير والتسيّب في إطار القانون وبكل صرامة. ومن هذا الباب يرى رئيس المجلس الشعبي الوطني، أن رئيس الجمهورية وضع هذه القيم في إطارها السياسي، بحرصه على ترسيخ قوانين الجمهورية واحترام حقوق الإنسان، والعمل على بناء دولة الحق والقانون التي تتطلب من المواطنين ومن مؤسسات الدولة نشر ثقافة التسامح والتعاون ونبذ التطرف بكل أشكاله وتقبّل الرأي الآخر. وإذ أشار إلى أن التعصب والعنف والكراهية هي النقيض للإسلام، فقد أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني، أن مبادرة رئيس الجمهورية مكّنت من هزيمة الإرهاب وتجريده من أسلحته التضليلية وتأسيس إجماع وطني واسع النطاق يرفض المجموعات المتطرفة، كما أوضح أنه بفضل هذا المسعى تمكنت الجزائر من إفشال مشاريع التفكيك والتدخل، واستجداء الحماية من الخارج، من منطلق أن الأغلبية الساحقة من المواطنين على قناعة بأن لا مستقبل لهم ولوطنهم إلا عن طريق ترسيخ الوحدة الوطنية والتجانس المجتمعي وعدم السماح باستخدام عناصر معزولة من الهوية الوطنية لأغراض سياسية ضيقة. واستطرد السيد ولد خليفة، بالقول إن نجاح الهندسة الدقيقة لقانون المصالحة، سمح بتوفير مزيد من المناعة للجزائر في محيط مضطرب أدى إلى انهيار الدول والتدخل الخارجي ومآسي نشاهدها اليوم في قوارب الموت التي يغامر فيها الآلاف من اللاجئين في أمواج المتوسط، مضيفا أن كل ذلك جعل الجزائر توصف بحق بالجزيرة الآمنة، والمستقرة في جوار قريب وبعيد فقدت فيه الكثير من البلدان سيادتها وخسرت مكانتها في مجمع الأمم. وإلى جانب كل ذلك، أوضح السيد ولد خليفة، أن نجاح المصالحة الوطنية سمح بالاستقرار وهو الشرط الأول للتنمية الوطنية، مضيفا أن الجزائر تمكنت بقيادة الرئيس بوتفليقة، من وضع إستراتيجية للتنمية المستدامة، منحتها درجة مرتفعة من المناعة. وأبى السيد ولد خليفة، إلا أن يذكّر بالرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية، أول أمس، عشية الاحتفاء بالذكرى العاشرة للمصادقة على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، حيث أكد على عدم العزوف عن خيارات الخلاص، مع التمسك بالوحدة لمواصلة تحديث المؤسسات الديمقراطية وبناء اقتصاد أقوى ومتحرر من التبعية للمحروقات دون سواها. من جهة أخرى، أسهب رئيس المجلس الشعبي الوطني، في التذكير بالمسار الدبلوماسي للرئيس بوتفليقة، مشيرا إلى أن إنجازاته استحقت تقدير واحترام كبار قادة العالم، الذين أضحوا يستمعون إليه ويطلبون رأيه والاستفادة من تجربته السياسية لحل النزاعات والاضطرابات التي تعيشها الكثير من مناطق العالم. وفي هذا الصدد أكد ولد خليفة، أن الكثير من المسؤولين العرب والأفارقة وحتى في أمريكا اللاتينية قد أكدوا أحقية حصول الرئيس بوتفليقة، عن جدارة على أكبر جائزة دولية للسلام في العالم التي تقدم سنويا في أوسلو. من جهة أخرى دعا رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني محمد جميعي، الشعب الجزائري إلى تثمين ما أنعمه الله عليه من "سلم وتآخي وألا ينصتوا للأبواق الجاحدة المشكّكة فيما أنجزه رئيس الجمهورية لوطنه وشعبه"، واصفا ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ب"أعظم ميثاق في حياة الأمة الذي سمح لها بالخروج من النفق المظلم الذي أدخلها فيه الإرهاب بهدف ضرب وحدة الشعب ومقدراته وهويته". وأضاف أن نجاح التجربة الجزائرية الرائدة في صناعة السلم بالمصالحة، أرست دعائم إصلاحات سياسية كبرى، بادر إليها رئيس الدولة من أجل الوصول إلى دولة الحق والقانون، مشيرا إلى أن المصالحة الوطنية "رغم كيد الكائدين وسراب المشكّكين ضمنت للجزائر مناعتها وللجزائريين كرامتهم". أما حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فقد اقترح من جهته إدراج مبادئ السلم والمصالحة الوطنية في مشروع مراجعة الدستور، حيث أشار رئيس الكتلة البرلمانية للحزب محمد قيجي، إلى ضرورة تكريس هذه القيمة الحضارية دستوريا والاستفادة منها لتنشئة الأجيال. وعلاوة على دسترة قيم المصالحة الوطنية، دعا قيجي إلى "إدراج سياستها في البرامج التربوية الرسمية، إضافة إلى إنشاء جائزة دولية للسلم والمصالحة الوطنية". وإذ أشار إلى أنه لا يمكن إنكار ما حققته المصالحة الوطنية للشعب الجزائري، حيث لم يقتصر هدفها على استتباب الأمن، بل شمل أيضا إرساء دعائم الدولة العصرية، فقد ذكر ممثل "الأرندي" بإسهامات الجزائر الواضحة لحل الأزمتين في مالي وليبيا، من خلال جمع الفرقاء على طاولة الحوار والنتائج التي حظيت بتقدير واعتراف الجميع.