كشف رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، أول أمس، المحاور الكبرى التي سيتضمنها مشروع التعديل الدستوري لتعزيز الإنجازات والمكاسب التي حققتها الجزائر في السنوات الأخيرة، بهدف تعزيز دعائم ديمقراطية هادئة، حيث ذكر في هذا الصدد بأن هذا المشروع المرتقب تجسيده قريبا، سيعمل على تدعيم مجال الحوكمة وتعزيز الوحدة الوطنية واحترام حقوق المواطنين وحرياتهم، مع تدعيم استقلالية العدالة، وتفعيل دور المعارضة السياسية، وإقامة آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات، مبرزا في الوقت نفسه المكانة التي يتيحها هذا التعديل لترقية دور الشباب في المجتمع.. فقد ذكّر رئيس الدولة في رسالته إلى الأمة بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال61 لاندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، بسعيه منذ انتخابه رئيسا للجمهورية في 1999، للعمل على تجسيد مشروع التجديد الوطني، من خلال البرامج الطموحة التي أطلقها في مختلف مجالات الحياة، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، مبرزا أهمية الإنجازات التي تحققت ضمن هذا المسعى، والجهود الحثيثة التي لازالت تُبذل من أجل استكمال وتعزيز بعضها، على غرار تلك المرتبطة بالمجال السياسي والحوكمة. وأوضح الرئيس بوتفليقة أن الإرادة المعبّر عنها لتعزيز وتدعيم هذه المكاسب والإنجازات يترجمها مشروع مراجعة الدستور، الذي سيتم الإعلان عنه عما قريب، مؤكدا أن هذا المشروع يعكس، بالدرجة الأولى، تطلّع الدولة إلى تعزيز الوحدة الوطنية حول تاريخ الأمة وهويتها وقيمها الروحية والحضارية، وكذا إرادتها في تدعيم مكانة الشباب الجزائريين ودورهم في مواجهة تحديات الألفية. وقد لفت رئيس الدولة في رسالته بمناسبة عيد الثورة، إلى الغاية المرجوة من عمليات تشبيب الأطر المسيّرة لمؤسسات الدولة، التي يجري تكريسها بشكل فعلي في الفترة الأخيرة، من خلال التعيينات الجديدة التي مست مختلف مؤسسات الدولة وهيئاتها الرسمية، والمتمثلة في تمكين جيل الشباب من مساهمة فعالة في بناء جزائر التنمية والرقي "بنفس الروح التي حرر بها آباؤه الإنسان والأرض". كما أكد السيد بوتفليقة أن مسعى التعديل الدستوري المقرر استكماله عما قريب، يستهدف تعزيز احترام حقوق المواطنين وحرياتهم ودعم استقلالية العدالة، من خلال إدراج ضمانات جديدة تكفل هذه المبادئ بشكل ملموس، وتعمل، في الوقت نفسه، على تعميق مبدأ الفصل بين السلطات، وتحقيق التكامل فيما بينها، لا سيما عبر إمداد المعارضة البرلمانية بالوسائل والآليات القانونية التي تمكّنها من أداء دور أكثر فاعلية في العمل السياسي. وفي هذا الإطار، كشف رئيس الجمهورية أن مجال تعزيز دور المعارضة السياسية سيتم تكريسه من خلال تمكينها من الحق في إخطار المجلس الدستوري بأي مسألة ترى فيها عدم تساوق مع الإجراءات القانونية والدستورية، فضلا عن دسترة آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات، وهما الإجراءان اللذان ما فتئت أحزاب المعارضة السياسية تنادي بضرورة تكريسهما، وتطالب بوضعهما لتعزيز شفافية الاستحقاقات. وقد جاء تبرير الرئيس بوتفليقة لهذا المحور الهام من المحاور المقرر أن يحملها التعديل الدستوري، متساوقا مع هذه المطالب، حيث أشار إلى أن تنشيط المؤسسات الدستورية المنوطة بالمراقبة وإقامة آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات، سيكون من بين ما يجسّد الرغبة في تأكيد الشفافية وضمانها في كل ما يتعلق بكبريات الرهانات الاقتصادية والقانونية والسياسية في الحياة الوطنية. كما أعرب، في سياق متصل، عن أمله في أن تسهم هذه المراجعة المرتقبة للقانون الأسمى للبلاد، في تعزيز دعائم ديمقراطية هادئة في سائر المجالات، وإضفاء مزيد من تفتح طاقات الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين في البلاد؛ خدمةً لمصالح الشعب، مشددا على أن الشعب يبقى دون سواه، مصدر الديمقراطية والشرعية والحكم الأوحد الذي يعود له القول الفصل في التداول على السلطة. ولم يفوّت الرئيس بوتفليقة الفرصة لتجديد الدعوة لكل الجزائريات والجزائريين بأن يدركوا ويعوا رهانات المرحلة، وأن يقفوا في وجه التحديات التي تعترض بلادهم بدون ارتباك، لافتا، بالمناسبة، إلى أن الكثير من هذه التحديات يجري تهويلها لتخويف الشعب والتشكيك في قدراته، وهز ثقته في قيادته وأطره، وفي ذلك إشارة إلى خطابات التهويل التي تسوقها بعض الأطراف من حين لآخر لرسم مشهد قاتم ومستقبل غامض، والتشكيك في السياسات التي تتخذها السلطات العليا في البلاد؛ سواء في إطار استكمال برنامج الإصلاحات ومسعى التجديد الوطني، أو في إطار المساعي المتخذة لمجابهة التحديات المترتبة عن الاضطرابات الخارجية، مثلما هو حاصل على الصعيد الاقتصادي بفعل تأثيرات تراجع أسعار النفط في السوق الدولية. وإذ سبق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن فنّد بعض المزاعم المثارة حول الأهداف المنتظرة من مشروع مراجعة الدستور، بتأكيده أن هذا التعديل لن يكون موجها لخدمة السلطة أو النظام، وإنما بالعكس هو مسعى يطمح إلى تعزيز الحريات والديمقراطية التي ضحى من أجلها شهداء ثورة نوفمبر الأبرار، ولا سيما عبر توطيد استقلالية القضاء وحماية الحريات وتعزيز الفصل بين السلطات ودور البرلمان ومكانة المعارضة السياسية، جاء تفصيله لبعض المحاور الكبرى التي سيحملها هذا المشروع الوطني، كرد على الانتقادات التي أثيرت في الفترة الأخيرة، والتي حاول أصحابها تفريغ هذا المشروع من محتواه بالادعاء بأن هذا التعديل لن يحمل أية مكاسب للدولة، لينهي الرئيس، بالتالي، الجدل القائم حول هذا المشروع المصيري، بالكشف عن أهدافه الحقيقية ومحاوره الكبرى، وكذا آجال تجسيده التي لن تتأخر كثيرا، حسبما أكدت ذلك رسالة الرئيس.