خلق الاهتمام المفرط بالمظهر الخارجي في مجتمعنا، نوعا من المنافسة بين الجنسين، حيث أصبح الاهتمام المتزايد بجمال المظهر عند الشباب ملفتا للانتباه، تقف وراءه عدة أسباب، ولعل إثارة اهتمام الفتيات من أسبابه الرئيسية، لكن مهما بلغ اهتمام الرجل بأناقته فإنه لم ينجح في سحب بساط الهوس بالأناقة من تحت قدمي الفتاة، حسبما يوضحه الأستاذ في علم الاجتماع، السيد عبد الصمد بن يوب في لقاء خاص مع "المساء"... لم يعد المظهر الخارجي والاهتمام بالأناقة مقتصرين على الجنس اللطيف فقط، وإنما بات الرجال ينافسون النساء في الأناقة والاهتمام بالمظهر الخارجي. وحول هذا الموضوع أجرت "المساء" استطلاعا وسط بعض الشباب لمعرفة مدى هذا الاهتمام، فكانت بداية حديثنا مع رمزي 27 سنة، الذي أشار إلى أنه لم تعد مستحضرات العناية بالبشرة والماركات العالمية المعروفة من أولويات الفتيات فقط، بل استحوذت أيضا على عقول الشباب، معترفا أنه من الذين يبحثون عن محلات بيع الألبسة الرجالية الأنيقة للبحث عما يلائمه من أزياء من ماركات عالمية، وهذا يظهر مدى اهتمامه بمظهره الخارجي وعشقه للإطلالات الأوروبية التي يشاهدها على المواقع الإلكترونية، على حد قوله، معترفا أن بعض تلك الإطلالات تحمل ألوانا أو تفاصيل غريبة، إلا أنه لا يتخوف من التعليقات التي يتلقاها عند ارتدائها لأنه وببساطة يساير الموضة. وتقول حياة (22 سنة) بأنه يلفت انتباهها مرارا في الأماكن العامة، شباب يرتدي ألبسة بتصاميم أنيقة وألوان صارخة وتسريحات شعر غريبة، معلقة بقولها: "إنه أسلوبهم في جذب الانتباه". ولم ينكر رفيق طالب جامعي، أنه يولي اهتماما خاصا مظهره، وأنه يخصص منحته الجامعية وكل المصروف الذي يتلقاه من عند والده لشراء ألبسة بماركات عالمية، رغم ارتفاع سعرها، فبالنسبة له تلك الألبسة تمنحه جمالا خارجيا وطلة متألقة أصبحت مطلوبة جدا، موضحا أن المجتمع ولاسيما الشباب دخل في نوع من المنافسة، فيما بينه حول نوع اللباس الذي يرتديه، كما لم يخف أنه أحيانا يلجأ إلى تطبيق بعض الخلطات الطبيعية التي يأخذ وصفاتها من المواقع الإلكترونية لتجريبها على بشرته سواء للحصول على سمرة جميلة في الصيف أو لترطيب البشرة في الشتاء وغيرها من بعض الوصفات لتبيض الأسنان.. من جهته، قال عبد الحكيم أن الشباب في الآونة الأخيرة أصبح أكثر هوسا من الفتيات بالملابس الأنيقة، وأظن أن بعضهم وصل إلى مرحلة التخوف من خطوط التجاعيد على الوجه، أو ترهل العضلات، وهذا ليس دخيلا على بعض المجتمعات العربية الأخرى، إلا أنه في مجتمعنا وليد الساعة. وحول مدى شدة المنافسة في التألق بين الجنسين وهل أن الفتاة أكثر هوسا بالجمال أم تعداها الشاب بأشواط، يحدثنا السيد عبد الصمد بن يوب أستاذ علم الاجتماع، الذي أوضح أن تفتح مجتمعنا على الغرب جعل المظهر الخارجي من أولويات معظم الشباب، حتى وإن كانوا محدودي الدخل، إلى درجة أن البعض وصل إلى سطحية واضحة في ذهنيته وبات يقيس قيمة الفرد بما يرتديه وهذا ليس في مجتمعنا فقط، وإنما ورثنا ذلك من عدة مجتمعات، لاسيما الأوروبية والأمريكية، موضحا أن بحث الفتاة عن التألق اليومي ليس جديدا وإنما فطريا، فالفتاة منذ صغرها لها تلك الروح التي تدفعها إلى البحث عن الجمال في مظهرها وتحاول إبرازه بشتى الوسائل.. في الألبسة ومستحضرات التجميل والماكياج وتحاول المحافظة عليه بالخلطات الطبيعية أو باللجوء إلى الجراحة التجميلية، إلا أن الرجل والى وقت مضى لم يكن يبحث عن هذا التألق ولم يكن يليه كل هذا الاهتمام، كما أنه لم يكن يركض وراء الماركات العالمية، وإنما كان يكتفي بسروال وقميص بلون موحد وبسيط، بل العكس كان يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الألوان الصارخة، أو تلك التي تتميز بالأنوثة كاللون الوردي أو البنفسجي حتى لا يتشبه بالفتاة أو يتلقى تعليقات ساخرة من أصدقائه، وكان يسرح شعره بالقليل من "الجيل" فقط.. إلا أن اليوم لم تعد هناك حدود بين الجنسين، فكلاهما جرب ارتداء ما يرتديه الطرف الآخر، ولم تعد هناك ألوان خاصة بالرجال وأخرى للنساء، إلى درجة أنه باتت تصنع حقائب يدوية خاصة بالرجال، من كان يتخيل ذلك قبل 10 أو 15 سنة، فلو حمل حقيبة مثلها رجل في تلك الفترة للقب ب"المخنث"، فهذا الاهتمام الزائد لشبابنا بالمظهر الخارجي ورثناه من دول أوروبية، عبر القنوات التلفزيونية وكذا الصفحات الإلكترونية، ليحاول الشاب بذلك تقليد هؤلاء حتى يكون محط أنظار الفتيات، ويحاول فرض نفسه وتوضيح أنه قادر على لفت الانتباه هو الآخر بشكله ومظهره كالمشاهير وعرض صوره على مواقع التواصل الاجتماعي لرصد التعليقات كوسيم، أو ملابسك جميلة، وغيرها.. والظهور في الشارع كعارض أزياء. ويضيف المختص بالقول؛ إن هذا الاهتمام يعود كذلك إلى سببين آخرين جد هامين وهو كثرة سفر شبابنا، فضلا على استقرار محلات فرعية لماركات عالمية في الجزائر. مشيرا إلى أنه مهما بلغ هوس الشباب بالجمال الخارجي، إلا أنه لم يتم سحب بساط الأفضلية للفتاة، ليختم بقوله بأن الإفراط الزائد في حب التألق يعود إلى ضعف الثقة في النفس وعدم تقبل الذات طبيعيا ومحاولة التشبه بالآخرين.