رغم الطفرة النوعية الكبيرة التي عرفها قطاع البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال منذ تحريره في سنة 2000، إلا أن مستوى تجسيد المشاريع المدرجة ضمن استراتيجية تنمية القطاع عرف تأخرا كبيرا، رهن الأهداف المتطلع إليها لبناء مجتمع المعلومات،لا سيما في ظل غياب صناعة تكنولوجيات الاتصال الحديثة في الجزائر. وقد اعترف الوزير عبد الحميد بصالح من خلال العرض الذي قدمه أول أمس، أمام خبراء وطنيين وأجانب بمناسبة ورشة العمل الخاصة بتقييم ركائز الاقتصاد المبني على المعرفة، بوجود اختلالات في تحقيق الأهداف التي رسمها القطاع لنفسه منذ إعلانه عن الإصلاحات التي صاحبت مسار تحريره، ولا سيما في مجال تجسيد البرامج والعمليات العمومية الموجهة لدعم ركائز مجتمع المعلومات والمعرفة، وفي مقدمتها برنامج "أسرتك" الذي يقضي بتزويد كل عائلة جزائرية بجهاز حاسوب، وكذا توسيع عملية إدخال الانترنيت إلى الهيئات العمومية والحكومة والمؤسسات الإدارية والتربوية وغيرها من المرافق المنتشرة عبر مختلف مناطق التراب الوطني، بما فيها المناطق الريفية. وكشفت الأرقام التي قدمها وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال في هذا الإطار أن عملية "أسرتك" التي تتوخى الوصول إلى تزويد 6 ملايين عائلة جزائرية بجهاز إعلام آلي في غضون سنة 2010، لم تتجاوز حدود ال50 ألف جهاز لحد الآن، بينما لم يتخط برنامج توسيع الاستعمال الوطني لشبكة الانترنيت ذات التدفق العالي، حدود ال400 ألف خط، وهذا بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الجهات المسؤولة، ولاسيما في سنة 2007 التي حملت شعار (سنة ال"أ دي أس أل"). وبالرغم من أن الجزائر تعد من بين الدول الرائدة على المستوى القاري والجهوي في إدخال الشبكة المتعددة الخدمات التي تعتبر من اكبر وأسرع وأدق الطرق السريعة للمعلومات، إلا أن الاستغلال الجيد لهذه الوسيلة لم يصل إلى المستوى المرجو، حيث بقي استعمال هذه الشبكة محتشما، كما تراجع عدد الممونين لخدمات الانترنيت من 76 متعاملا إلى 25 متعاملا. أما فيما يخص انعكاس نمو القطاع على البيئة التنموية العامة للبلاد فقد سجلت سوق تكنولوجيا الإعلام والاتصال رصيدا متواضعا، مقدرا ب3,38 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وبحصة متواضعة من حيث مناصب الشغل المستحدثة، مقدرة هي الأخرى 1,18 بالمائة من السكان النشطين. والملاحظ من خلال الإحصاءات المتعلقة بنمو القطاع أن هذا الأخير يعرف نموا أكبر في مجال المشاريع الموجهة للاستهلاك المباشر، على غرار مشاريع الهاتف النقال، وذلك على حساب المشاريع الكبرى الهادفة إلى تنمية أهداف الرقمنة وإرساء مجتمع المعرفة كأولوية وطنية، ولذلك تراهن الوزارة على استدراك كل هذه النقائص في إطار الإستراتيجية الإلكترونية الممتدة إلى سنة 2013، والتي ترتكز على مسعى منسق يجمع كل الأطراف الفاعلة من الحكومة إلى القطاع خاص والباحثين والمجتمع المدني. غير أن نجاح هذه الاستراتيجية تستدعي في المقام الأول تثمين العنصر البشري، وتشجيع الكفاءات، من اجل الحد من ظاهرة الهجرة التي تطال المهندسين والتقنيين الساميين في ميادين تكنولوجيا الإعلام بشكل كبير، حيث قدر الوزير نسبة الإطارات التي تغادر الجزائر بنحو 60 بالمائة من مجموع 11 ألف إطار يتخرجون سنويا من الجامعات والمعاهد العليا الجزائرية. وتجدر الإشارة إلى أن المحاور الكبرى للإستراتيجية الإلكترونية التي شرع في تنفيذها منذ 8 سنوات، تتضمن إلى جانب استكمال تطوير البرنامج الفضائي، ومشروعي حظيرتي المعلومات بالعاصمة وعنابة، وتطوير صناعة البرمجيات والمضامين الإلكترونية، وتعميم استخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال على المستوى الوطني ولا سيما من خلال الاستغلال الأمثل للشبكة الوطنية للألياف البصرية التي يقارب حجمها 66 كلم. كما تشمل الأهداف المسطرة ضمن الإستراتيجية تحقيق نسبة 24 بالمائة من الاستعمال الوطني للهاتف الثابت، و107 بالمائة من الاستعمال الوطني للهاتف المحمول و28 بالمائة من مستوى امتلاك جهاز الإعلام الآلي و69 بالمائة في مجال استعمال شبكة الانترنيت، إضافة إلى تسريع عملية إدخال التكنولوجيات الحديثة إلى الإدارة، وترقية مجالات البحث والتجديد. للإشارة فإن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يحرص شخصيا على متابعة تنفيذ برنامج تشييد مجتمع المعلومات، الذي تعهد بتخصيص كل الوسائل لبنائه وترقيته، وقد دعا خلال الاجتماع المصغر المخصص لقطاع البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، اللجنة الوطنية المكلفة بالإشراف على ترقية مجتمع المعلومات والاقتصاد القائم على المعرفة على تكثيف عملها والإسراع في تنفيذ المخطط الاستراتيجي الإلكتروني الجزائر 2013، لفائدة المواطنين والاقتصاد الوطني، كما حث الحكومة على تنسيق مساعيها في هذا المجال وتثمين المؤهلات، وأبرز الأهمية التي توليها الجزائر لتطوير صناعة محلية في مجال هذه التكنولوجيات.