بدأت طبول الحرب تقرع من جديد في الأجواء الليبية وسط مؤشرات انزلاق عسكري قد يدخل كل المنطقة في متاهة تصعيد لا أحد يعلم نهايته وتبعاته الكارثية على منطقة لم تعرف الاستقرار منذ بداية سنة 2011. وشكلت تسريبات صحفية أكدت نشر الولاياتالمتحدة فرقتين في ليبيا أول تأكيد على المنحى التصعيدي الذي سيعرفه هذا البلد ضمن تحرك استباقي أرادت الإدارة الأمريكية القيام به لأخذ زمام المبادرة في بلد محل تجاذبات بين القوى الكبرى الساعية إلى وضع موطأ قدم في هذا البلد النفطي. وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" واسعة الانتشار في الولاياتالمتحدة أن البنتاغون قرر نشر فرقة في شرق ليبيا وأخرى في غربها ضمن خطة لإحكام قبضته على تنظيم إرهابي نقل تهديداته من مدينتي درنة وسرت في شرق البلاد إلى مصراتة في غربها تحضيرا لشن هجومات عسكرية ضده. وجاءت هذه التسريبات غداة تأكيدات مسؤول أمريكي أول أمس عن نية أمريكية لرفع الحظر عن الأسلحة التي تريد حكومة فايز السراج الحصول عليها حتى تتمكن من تنفيذ خطتها ضد تنظيم "داعش". والمؤكد أن التحركات العسكرية الأمريكية أخذت هذه المرة طابعا جديا بعد تواتر أخبار من داخل ليبيا حول قيام تنظيم "داعش" في الأيام الأخيرة بعمليات عسكرية في شرق البلاد وغربها سعيا منه لتعزيز مواقعه لإدراكه المسبق أن المعركة مع قوات الحكومة الليبية وحتى قوات الجنرال خليفة حفتر في مدينتي بنغازي وسرت أصبحت مسالة أسابيع إن لم تكن قضية أيام فقط. وهو ما يفسر الخطاب العسكري الامريكي الذي عزز رغبة واشنطن هذه المرة في أخذ زمام المبادرة قبل أن يستفحل الأمر وخاصة وان تنظيم "داعش" أوجد كل مبررات ضربه بعد أن راح عناصره يستفزون القوات الحكومية الليبية وحتى السكان المدنيين الذين أرغموا على هجرة منازلهم والنزوح الى مدن أخرى بعيدا عن تهديداتهم. والمؤكد أن البنتاغون يكون قد اتخذ كل احتياطاته لضمان نجاح عمليات قواته في ليبيا من خلال فرق خاصة أجمعت عدة تقارير أنها تتحرك في داخل العمق الليبي ضمن خطة استخباراتية سرية لتعقب عناصر هذا التنظيم الإرهابي. وحتى وإن نفت الإدارة الأمريكية تلك التسريبات إلا أنه لا يعقل أن تحظى ليبيا بالاهتمام الأمريكي دون أن يكون مخبروها قد اعدوا الخطة العملياتية التي تجنبها عدم الوقوع في المأزق الذي وقعت فيه في العراق وأفغانستان وقبلهما في الصومال. وهو الأمر الذي لمح إليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أكد في تصريح صحفي قبل أسبوعين أن أكبر خطأ ارتكبته إدارته في ليبيا، انسياقها وراء الدول الأوروبية في شن هجوم عسكري ضد النظام الليبي السابق ثم انسحابها دون إتمام مهمتها وشجع ذلك تنظيم "داعش" على تفريخ عناصره وفق معادلة "لوغاريتمية" إلى الحد الذي أصبح يهدد فيه أمن دول الجوار الليبي. وكانت أحداث مدينة بن قردان التونسية بداية شهر مارس الماضي أكبر مؤشرات هذا الخطر الداهم وجعلت قائد القوات الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" الجنرال ديفيد رودريغيز يؤكد أن عدد الإرهابيين الذين التحقوا بصفوف التنظيم تضاعف العام الماضي ليصل إلى حوالي 6 آلاف عنصر. ويبدو أن الولاياتالمتحدة أخذت هذا الرقم الضخم محمل الجد مما جعلها تحرص على عدم الوقوع في خطأ قد ينعكس سلبا على صورتها مما جعلها تتحرك هذه المرة منفردة دون انتظار الدول الأوروبية التي إن هي انضمت إلى عمليتها العسكرية فإنها ستكون مرغمة على دخول الصف وتنفيذ أوامر قواتها. وهو ما سيؤكد عليه يوم غد وزير الخارجية الامريكي جون كيري أمام المشاركين في ندوة العاصمة النمساوية حول ليبيا وستكون مسالة محاربة تنظيم "داعش" نقطته الرئيسية. وما يعزز المقاربة العسكرية الأمريكية في ليبيا مضمون التقرير الذي أعده مجلس اللوردات البريطاني الذي أكد على فشل عملية "صوفيا" التي تبنتها الدول الأوروبية لوقف الهجرة السرية انطلاقا من السواحل الليبية. في إثبات على الاتحاد الأوروبي إن هو فشل في مهمة عادية فيكف له أن ينجح في عملية عسكرية معقدة. ويتأكد وفق هذه التطورات أن إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما لن تنتظر إلى ما لا نهاية منح برلمان طبرق ثقته لحكومة الوزير الأول الليبي فايز السراج قبل القيام بتدخل عسكري رأت فيه حتمية لتفادي الأسوأ.