تجاوزت أسعار خام برنت عتبة الخمسين دولارا بقليل مسجلة 50.08 دولارا على الساعة الرابعة من مساء أمس، وذلك بعد انخفاض أعقب ارتفاعا شهدته مباشرة بعد الإعلان عن اتفاق الجزائر للدول المصدرة للنّفط، والذي مازالت آثاره متواصلة على السوق النّفطية العالمية بالنّظر إلى أهميته وتوقيته. ويبدو أن التصريحات التي أدلى بها وزير الطاقة الروسي، أمس، ساهمت في إنعاش الأسعار مرة أخرى، حيث صرح أن بلاده "ستجد الآليات والأدوات اللازمة لتثبيت إنتاج النّفط إذا توصلت لاتفاق مع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بشأن الحد من الإنتاج". تعد هذه الأسعار مؤشرا هاما لتداعيات اتفاق الجزائر الذي تم ليلة الأربعاء الماضي، عقب الاجتماع الاستثنائي للمنظمة الذي توّج بإجماع غبر منتظر حول تخفيض الإنتاج وتسقيفه، لكنها مازالت تتّسم بتذبذبها المعتاد صعودا ونزولا، وهو ما يتوقع أن تستمر فيه لأشهر أخرى أو على الأقل أسابيع. وحسب وكالة (تاس) للأنباء نقلا عن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، فإن موسكو ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) "تجريان حوارا نشطا لمناقشة تثبيت إنتاج النّفط". كان وزير الطاقة الروسي، قد اعتبر أن التدابير التي اتخذت في الجزائر من قبل "أوبك" ستساهم في التقليل من تقلبات الأسعار وتأثير عوامل المضاربة في سوق النّفط. هذا الارتفاع في الأسعار يبقى "مؤقتا" كما أشار إليه رئيس "أوبك" وزير النّفط القطري محمد بن صالح السادة، بالنّظر إلى التذبذب الكبير في السوق النّفطية ووجود فائض إنتاج لن يتم امتصاصه بقرار مهما كانت أهميته. وسارع البعض ممن راهنوا على فشل (أوبك) في العودة إلى دورها وإدارة السوق للتخفيف من أهمية نتائج الاتفاق، مستدلين بأسعار النّفط التي ارتفعت مباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق بحوالي 7 بالمائة، لتعود مجددا إلى الانخفاض أول أمس، متحدثين عن "أثر ضعيف" لنتائج اجتماع الجزائر. لكن ما يجب توضيحه أولا هو أنه لولا أهمية القرار لما تحركت الأسواق مباشرة بعد الإعلان عنه، لاسيما في ظل الجو التشاؤمي الذي ساد قبله، وثانيا أن المنظمة بقرارها التاريخي المتمثل في تسقيف الإنتاج وعودة نظام الحصص لم ترد أن تقوم بمجرد "فرقعة إعلامية" وإنما أرادت "العمل على أساسيات السوق"، كما أوضحه رئيسها خلال النّدوة الصحفية التي أعقبت الاجتماع. أي أنها تأمل في العمل على المدى المتوسط من أجل إعادة التوازن للأسواق، وبالتالي استقرار الأسعار في مستويات تخدم الجميع تتراوح كما نادت به الجزائر بين 50 و60 دولارا للبرميل. لكن يبقى تطبيق القرار وتحديد آلياته والهيكلة الجديدة لإنتاج أعضاء المنظمة ينتظر أعمال لجنة تقنية متعددة ستشكل لهذا الغرض لتطرح توصياتها واقتراحاتها على الاجتماع الوزاري العادي ل«أوبك" المقرر تنظيمه شهر نوفمبر المقبل بفيينا. كما أنه لا يجب أن ننسى أن مسألة الأسعار غير مرتبطة فقط بالمنظمة لأن إنتاجها لا يمثل إلا ثلث الإنتاج العالمي، ولذلك فإن مواقف البلدان المنتجة خارج "أوبك" ستكون هي المفصل لما سيحدث في السوق مستقبلا، وعلى رأسها روسيا التي تعد من أكبر المنتجين. رغم التصريحات الايجابية للمسؤولين الروس تجاه اتفاق الجزائر، فإنه عمليا لا توجد أي معطيات توحي بايجابية الموقف الروسي، والدليل ما نقلته وسائل إعلام روسية أمس، عن علي وحيد كبيروف، الرئيس التنفيذي لشركة "لوك أويل" ثاني أكبر منتج للنّفط في روسيا، والذي صرح إن الشركة ستبقي على إنتاجها من الخام في 2017 عند مستواه في العام الحالي. وهو ما يعني أن السلطات الروسية لم تعط لحد الآن أي أوامر لشركاتها النّفطية من أجل تخفيض الإنتاج في الأشهر المقبلة. ذلكم ما يفسر تصريح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي توقع من الدول المنتجة للنّفط خارج المنظمة مثل روسيا، أن تدعم جهود المنظمة الرامية لتعزيز أسعار النّفط من خلال خفض إنتاج الخام. قال مادورو، إنه على اقتناع بأنه ستكون هناك "سوق نفطية مستقرة"، إذا تعهد أعضاء (أوبك) والمنتجون المستقلون بخفض الإنتاج. ونادى الرئيس الفنزويلي بضرورة تعزيز اتفاق "أوبك" كسبيل وحيد للوصول إلى استقرار السوق، وهو ماسيتوقف في الأيام المقبلة على مواقف ثلاث دول هي العربية السعودية وإيران وروسيا. فالأولى تنازلت عن شروطها المسبقة ووعدت لأول مرة منذ أشهر بتخفيض إنتاجها وهي التي وصلت إلى سقف إنتاج قياسي بلغ 10.5 مليون برميل يوميا، والسؤال اليوم هل ستوفي بالتزاماتها في ظرف خاص تعيشه؟. والثانية تشدد على بلوغ ال4,2 ملايين برميل يوميا التي كانت تشكل حصتها قبل فرض العقوبات عليها، وبالتالي يتساءل البعض هل ستقبل بحصة أقل وهي التي بقيت تنادي بعودة نظام الحصص؟. أما الثالثة وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي الراهن الذي تمر به، وكذا تدخلاتها الخارجية، سيكون من الصعب عليها التخلي عن كميات من النّفط المصدرة وسط متاعب مالية عديدة. بالنظر إلى كل هذه العوامل، فإنه حتى وإن كان قرار (أوبك) تاريخيا، فإنه لا يمكنه أن يتحول إلى معجزة تقفز بأسعار الخام إلى مستويات قياسية، ولذا فإن القول بأن تأثيره كان ضعيفا إذا ما تراجعت أسعار النّفط يبدو غير موضوعي وغير مهني، مثله مثل التقليل من أهمية القرار اقتصاديا لأن الحقيقة تشير إلى أن تداعياتها ستستمر إلى غاية نوفمبر في مرحلة أولى، وهو بحد ذاته أمر جد ايجابي.