عبّرت مجاهدات من اللواتي عشن مظاهرات 17 أكتوبر1961 عن أسفهن لغياب ثقافة ومعارف موسعة حول الثورة لدى الشباب الجزائري مما يجعله يقوم ببعض الممارسات التي تسيء لتاريخ بلاده كالهجرة السرية، وهو السياق الذي دعت من خلاله هؤلاء المجاهدات الشباب للتحلي بروح الوطنية والعمل على تطوير بلادهم بدل الاتكال على الغير والهجرة إلى الخارج. دعت المجاهدة قرمية فرية إلى ضرورة غرس روح المواطنة وحب الوطن في نفوس الشباب الذي يفتقدها للأسف بسبب عدم اطلاعه الواسع على تاريخ ثورته والتضحيات التي قدمها أجداده في سبيل تحرير البلاد، وذلك من أجل مواصلة رسالة أول نوفمبر وبناء الوطن والتصدي لكل المحاولات التي تسيء إليه، وتحفيزه على البقاء في وطنه والعمل على تطويره بدل التفكير في الهجرة غير الشرعية والحرقة على متن قوارب الموت. وعبّرت المتحدثة في تصريح للصحافة على هامش الندوة التاريخية التي نشطتها بمركز التكوين المهني والتمهين حسيبة بن بوعلي بالتنسيق مع متحف المجاهد بالرغاية بالجزائر أمس عن أملها في أن تتم مقاضاة فرنسا في يوم من الأيام عن الجرائم التي ارتكبتها في الجزائر إبان الاستعمار والتي تتنافى مع مبادئ الحرية وحقوق الإنسان. مضيفة أن هذا العمل يحتاج إلى تنسيق الجهود والتعاون بين المجاهدين الذين كانوا ضحية هذه الجرائم وكذا المؤرخين. ومن جهتها ذكرت المجاهدة مليكة بن شنوف التي أشرفت على تنظيم مظاهرات يوم 18 أكتوبر 1961 بمنطقة ليون الفرنسية يوم بعد مظاهرات 17 أكتوبر بباريس وأن مظاهرات ليون جاءت للرد على السلطات الفرنسية التي تدخلت لقمع مظاهرات باريس وقتل عدد كبير من المتظاهرين والرمي بهم في نهر السين، حيث قام مجاهدو فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا بعدة عمليات عسكرية فدائية في معظم المدن الفرنسية وهو ما أثر على القاعدة الاقتصادية لهذه المدن، فكانت هذه الأحداث كافية لقوات الاحتلال بتشديد الخناق على الجزائريين الموجودين في فرنسا واتخاذ قرار بشأنهم يقضي بفرض نظام حظر التجول عليهم دون غيرهم، وهو ما اعتبرته جبهة التحرير الوطني قرارا جائرا وغير شرعي، لذلك أمرت جميع الجزائريين الموجودين في فرنسا بالخروج بداية من تاريخ 17 أكتوبر 1961 في مظاهرات سلمية لمدة ثلاثة أيام بجميع المدن الفرنسية وخاصة عمالة باريس بغرض مطالبة السلطات الفرنسية بإلغاء قانون حظر التجول والإفراج عن المعتقلين الجزائريين القابعين في السجون الفرنسية، كما أن جبهة التحرير الوطني كانت تهدف من خلال هذه المظاهرات إلى إرسال رسالة للمحتلين مضمونها أن الشعب الجزائري برمته كتلة واحدة غير قابلة للتجزئة سواء من كان يعيش داخل الجزائر أو خارجها وأن التضامن بين أفراد الشعب أبعد من أن تنال منه فرنسا بسياستها المتعجرفة. وكما كان مخططا لها فقد بدأت المظاهرات صبيحة يوم 17 أكتوبر 1961 في حوالي الساعة الثامنة صباحا حيث انطلقت جموع غفيرة من الجزائريين والجزائريات من مختلف الأعمار تجوب الشوارع الفرنسية الكبرى من دون أي سلاح، بل كان سلاحهم الوحيد "أطلقوا سراح بن بلة" وترديد شعارات" الجزائر جزائرية، ارفعوا منع التجول، تحيا جبهة التحرير الوطني". ورغم الأمطار الغزيرة التي كانت تتهاطل في ذلك اليوم إلا أنّ المتظاهرين واصلوا سيرهم بكل عزيمة وثبات مع تطبيق جميع تعليمات جبهة التحرير الوطني ومنها التزام الناحية اليمنى من الشوارع وعدم التفوّه بأية كلمة معادية للحكومة الفرنسية وهو ما أدهش الشرطة الفرنسية وهي ترى بعض من النساء تزغردن وهن تحملن أطفالهن وتهتفن دون أي خوف. وأمام هذا الحشد الكبير للمتظاهرين أمر السفاح موريس بابون الذي كان آنذاك حاكم شرطة باريس عناصره من الشرطة بإشهار مسدساتهم ورشاشاتهم في وجه المتظاهرين العزل وإطلاق الرصاص عليهم وضربهم بالعصي الخشبية والحديدية وهو ما أدى إلى استشهاد وجرح الكثير منهم مع اعتقال العديد في محتشدات ومعتقلات منها معتقل "قصر الرياضات" الذي زج فيه ما يزيد عن 6300 متظاهر. وأسفرت هذه المظاهرات عن فقدان أكثر من 500 متظاهر مابين شهيد ومفقود، ناهيك عن العدد الهائل للجزائريين الذين تم إلقاؤهم في نهر السين فماتوا غرقا، لكن السلطات الفرنسية لم تتحدث إلا عن استشهاد 200 متظاهر للتقليل من حجم الكارثة اتجاه الرأي العام الدولي. وأكدت كل من المجاهدتين أن هذه المظاهرات برهنت عن مدى تلاحم جميع أفراد الشعب الجزائري داخل وخارج الوطن مع بعضه البعض، كما ساهمت في تبليغ صدى الإضراب إلى منبر الأممالمتحدة خاصة بعدما امتدت المظاهرات إلى عدة مدن فرنسية فيما بعد كمرسيليا، ليون، وقرونوبل بمنطقة ليون وهو ما فرض على فرنسا الاعتراف بالحقوق السياسية للمساجين الجزائريين في فرنساوالجزائر، كما شكلت هذه المظاهرات المنعطف الأخير نحو التوقيع على وقف إطلاق النار خمسة أشهر من بعد في 19 مارس 1962. وتعلم "المساء" قراءها أنها ستنشر مقالا يتضمن شهادات كل من المجاهدة قرمية فرية ومليكة بن شنوف حول مظاهرات 18 أكتوبر بمنطقة ليون التي جاءت كرد فعل لمظاهرات باريس في 17 أكتوبر 1961 وذلك في عددها الذي سيصدر الخميس 16 أكتوبر الجاري.