يلزمك أكثر من إحساس لتنعم بإبداعات الفنان عبد الرحمن بختي، فهو متعدد الأساليب والمدارس والرؤى والمواضيع التي قد تضيع معها العين المجردة إذ لا تستطيع مجاراتها وتتبع ما تخفيه من أسرار الكون والحياة. في معرضه الذي يمتد إلى غاية 26 جانفي الجاري برواق عائشة حداد، يقدم هذا الفنان تشكيلة من لوحاته ال23 التي تتناول مواضيع شتى أغلبها في شؤون بني البشر. بعض اللوحات أنجزها الفنان في الأيام الأولى من شهر جانفي الجاري، ويستهل معرضه بعالم المرأة وما يحمله من أسرار وطلاسم تمتد إلى بدء الخليقة. يحاول ابن مدينة شرشال المفتوحة على كل الآفاق، أن يستمد من مدينته الهيام والسفر، عبّر بكل حواسه الملموسة والخفية عن مكنوناته التي تنهمر سخية، فرسم بعضها باللونين الأبيض والأسود، واختار للأخرى ألوانا مختلفة تعبر عن حركة الحياة والأنوار، ويحاول من خلال ذلك كله أن يكتشف عالما موازيا يضمن الحرية والانطلاق دون أي قيود. تنفجر في بعض اللوحات الغبطة والسعادة، بينما تركن بعض الشخوص إلى أركان لوحات أخرى لتستعرض بتقاسيم وجوهها الشجن واليأس. أما بالنسبة للمرأة، فقد صورها بكونها مركز الكون تدور حوله كل الخلائق، فوحدها القادرة على الحب والعطاء، وأسمى مكانة أعطاها لها الفنان هو مكانة الأم، ففي إحدى اللوحات يصورها بجمالها الفتان وبريعان الشباب وتحتها كل ما تعلق بمعتقداتها الخرافية منها الخامسة والعين والتي لا تزال تورثها للأجيال وكذا حضور الجنين في ذات اللوحة كدليل على رباط الأمومة الأزلي. لوحة أخرى تربط المرأة ببعض الرموز التي تنسب إليها كالبيضة التي ترمز للحياة والإنجاب وأدوات الطبخ وأصل الشجرة الذي هو رمز لكل أنثى ولود. في لوحات أخرى، تظهر المرأة أكثر انسجاما مع الطبيعة ومع الرجل، تظهر مثلا في حالة صفاء تجعلها تستمتع بروعة الطبيعة التي لا تقل عنها جمالا، ونفس الانسجام تعيشه هذه المرأة في لوحة أخرى مع رجل تعشقه وتبادله النظرات والهمسات. يعمد بختي إلى وضع عدة رسومات في لوحة واحدة، ففي إحداها رسم وجه امرأة سمراء ببشرة رمادية وأخرى وردية اللون، وفي أخرى رسم أوراقا تتناثرة على الأرض ووجوه متعددة، ليرسخ أكثر اختياره للفن السريالي الذي يعبر عن العقل الباطن بصورة يعوزها النظام والمنطق. في لوحة أخرى، تظهر امرأة تحلق ببصرها عاليا لتنظر إلى الطيور وكأنها تتطلع إلى حرية تشتاقها. يطبع لوحات الفنان بختي الأسلوب السريالي، كما يعتمد على أسلوب التشخيص فهو شديد التركيز على الملامح، خاصة ملامح وجه المرأة. على امتداد ثلاث وعشرين لوحة، يعطي الفنان الظهور كاملا للإنسان وفي مقدمته المرأة ثم الرجل ثم الطفل ثم الشيخ كل بتفاصيله وحياته وحالاته، وتحاول الريشة حفر معالم الوجه وخصوصياته التي لا تشبه الآخر بكل إحساس ورقة. أما اللوحات التي اعتمد فيها الفنان على اللونين الأبيض والأسود (الحبر الصيني)، فرسم فيها بورتريهات، ضمّت معظمها وجوه نساء مختلفة التقاطيع، في حين كان الرجال بملامح مضبوطة ، ومن بينها لوحة لرجل يستحضر ماضيه مع حضور لطيف امرأة ورجل يتبادلان القبل وفي أسفلهما بيضة، وهو ما يعبّر عن الحب الهش الذي ينكسر مع الوقت. للإشارة، فإن عبد الرحمن بختي منسق بالاتحاد الوطني للفنون الثقافية بولاية تيبازة وسبق أن أقام معارضه عبر مختلف ولايات الوطن وذلك منذ 1986 إضافة إلى معارضه في الخارج.