شاركت الدكتورة هند سعدوني مؤخرا في اختتام الملتقى الدولي «النقد الحضاري في الوطن العربي»، وقدّمت محاضرة بعنوان «مأزق النقد الثقافي في الأدب العربي»، أشارت فيها إلى أن بروز النقد الحضاري - الثقافي في ساحة الفكر العربي في المرحلة الأخيرة، كان مع الانتشار التكنولوجي، ليصبح ضرورة ملحّة بعد تزاحم المعارف وتنوّع التفنّن في التجديد والإثراء. اعتبرت المتدخلة الجزائرية أنّ المجتمعات ما بعد حداثية استهلاكية سريعة كمجتمعنا العربي، مؤكّدة أنّ النقد الحضاري وعد بقراءة جديدة للنصوص القديمة للكشف عن عيوب جمّلتها الصناعة الحديثة، ثم اتجه نشاط هذا المجتمع المقحم في مغامرة، نحو اكتشاف مغالطة وتقليد أعمى للاستهلاك الغربي الجاهز، فازداد حيرة وعبءا. كما شارك في جلسات أشغال الملتقى الدكتورة فيروز زرارقة وحكيمة عدال، وقد عاينتا «أسس النقد الثقافي عند كليفورد غيرتز»، والدكتور فوزي كنازة ب «العوائق السياسية كمحدد لنسق الثقافة في مجال الإعلام». للإشارة، استمرت الأشغال لمدة ثلاثة أيام بمشاركة نخبة من الباحثين والدارسين. وتضمنت فعاليات يوم الختام أربع جلسات، الأولى عنوانها «النقد الحضاري في الأدب والنقد». وشاركت ليندا عبيد من الأردن، وقرأت في ورقتها «الأنساق المضمرة وجماليات البناء الفني في رواية «دارية» لسحر الموجي»، بيّنت فيها أن رواية «دارية» للروائية المصرية سحر الموجي، تمثل واحدة من روايات الأدب النسوي التي تعّد نتاجا لمرحلة جديدة من واقع التسعينيات، إذ شهدت هذه المرحلة التاريخية تغيرا في الواقعين السياسي والاجتماعي، وبالتالي حضور مرحلة جديدة من الوعي في التعامل مع المرأة، التي بدأت تصبح أكثر يقظة وفهما لكينونتها ومكانتها الاجتماعية. كما تتجلّى أهمية الدراسة في تناولها رواية نسوية تمثل مرحلة جديدة من الوعي الثقافي والفكري والاجتماعي، مما يخلق مجموعة متعاضدة من الأنساق المضمرة، التي تشي بإيديولوجيا تقدم إدانة صارخة لمثل تلك المجتمعات. أما الدكتورة فدوى عودة من فلسطين فعاينت في محاضرتها «ملامح النقد السياسي في لزوميات أبي العلاء المعري»، وتناول بحثها شخصية فريدة امتد أثرها إلى أوساط ثقافية متعددة، شملت الفكر والفلسفة والزهد والنقد الاجتماعي، الذي درست جزئية منه في هذا البحث، وهي النقد السياسي، معتمدة على النصوص الشعرية من أبيات ومقطوعات شعرية في ديوانه «اللزوميات»، فقد أطال المعري التأمل والتفكير، فجاءت تأملاته ممزوجة بحكم ومواعظ، استحق من خلالها لقب الشاعر الفيلسوف، غير أن لزومياته لم تخل من طابعي الحزن والألم، فكوّنت لديه رؤية جديدة، كشفت عن عيوب عصره ونقدها من أجل الوصول إلى مجتمع أكثر كمالا ومثالية، فكان نعم الدارس لأحوال الملوك والأمراء ومن تبعهم، مطلعا على خفايا نفسياتهم المريضة التي يستترون خلفها. وتأمل الدكتور شفيق النوباني من عُمان «الأدب من وجهة نظر حضارية، دراسة في أعمال غسان عبد الخالق النقدية». وتناولت هذه الدراسة مفهوم الأدب من وجهة نظر حضارية. وتتمثل مهمة النقد وفق هذا المفهوم في الكشف عن الملامح الثقافية في المنجز الأدبي، سواء كان هذا المنجز يسعى إلى ترسيخ القيم الثقافية أو إلى خلخلتها. وقد مثل الناقد غسان عبد الخالق نموذجا لهذا النهج في تناول الأدب. وسوف تسعى هذه الدراسة إلى الكشف عن هذا النهج ومرجعياته الفكرية والنقدية التي انطلق منها، سواء كان ذلك على مستوى الدراسات النظرية أو على مستوى التطبيق. كما ستسعى الدراسة إلى ربط تجربة عبد الخالق بتجارب غيره من النقاد الذين ركزوا على هذا المنحى في النقد الثقافي؛ من مثل عبد الله الغذامي الذي حاز اهتماما كبيرا في الوسط الثقافي والفكري في العالم العربي، ويوسف عليمات الذي أصدر عددا من الكتب في هذا المجال. أما الجلسة الثانية فجاءت بعنوان «النقد الحضاري وأدب الرحلات»، شارك فيها مجموعة من الباحثين، منهم خولة الكريم من العراق، التي تحدثت عن «النقد الحضاري بعيون الرحلات كشريعة نحو تفاعل الحضارات»، فيما تحدّث الدكتوران خضر السرحان وموسى بني خالد من الأردن، عن «النقد الحضاري في رحلة ابن فضلان». وقدّمت الدكتورة أنيسة السعدون من البحرين، قراءة في «رحلة ابن فضلان؛ وعي الذات عبر مرآة الآخر». ومن العراق شاركت الدكتورتان أمل طه وليلى فاضل بتقديم «دراسة في أدب الرحلات والموروث الحضاري». الجلسة الثالثة «النقد الحضاري والفكر الغربي» ترأستها الدكتورة أماني جرار، شارك فيها الدكتور نعيم الظاهر من «الأردن» بورقة عمل حول «النقد الحضاري في الوطن العربي في سبيل حوار الحضارات للمفكر الفرنسي روجيه جارودي». وفي هذه الجلسة شاركت الجزائريتان فيروز زرارقة وحكيمة عدال. ومن الأردن قدمت ريم كنعان «قراءة في كتاب بنية الثورات العلمية». الجلسة الرابعة والأخيرة بعنوان «النقد الحضاري في الدراسات الاجتماعية» ترأسها الدكتور سالم ساري، وتدخّل الدكتور محمد فوزي كنازة من الجزائر، ومن العراق فهيمة كريم عن «الجريمة الحضرية رؤية سوسيولوجية». وحلمي ساري من الأردن شارك بورقة حول «الدلالات الثقافية لبيوت العزاء: مقاربة إثنوميثودولوجية». وتحدثت سناء الخوالدة من الأردن عن «أثر أنماط التنشئة الاجتماعية على مفهوم الذات». ومن الأردن أيضا شارك عدنان الطوباسي بورقة قرأ فيها «الوجه الحضاري لعلم النفس الإسلامي». وكانت آخر ورقة في المؤتمر من الإمارات مع ماجد حرب وخديجة الحميد، تحدثا فيها عن «النّقد الثقافي والخطاب التربوي المعاصر».