تتوخى التعديلات المحدودة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة نهاية الأسبوع الماضي، تكريس الإرادة الشعبية في اختيار من يقود مصير الأمة والشعب ورفع كل القيود القانونية التي تحد من حرية المواطن في اختيار من يراه الأنسب والأجدر لهذه المهام وتجديد الثقة فيه بكل سيادة. ويشكل هذا المحور الرئيسي من التعديلات الجزئية التي ستدخل على الدستور الجزائري، قريبا في إطار المسعى الشامل لتكييف مواد القانون الأساسي للدولة مع المتطلبات والظروف والتحولات التي تعرفها البلاد، والتي تختلف بكثير عن تلك التي سادت الجزائر في سنة 1996، حيث كانت الضغوطات التي شهدتها الساحة السياسية آنذاك تفرض تحديد مدة التجديد لرئيس الجمهورية بمرة واحدة. ومع التطورات الكبرى التي عرفتها الجزائر ولا سيما بعد تعافيها من آلام العشرية الدموية، بفضل السياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية والتفاف الشعب الجزائري بكامله حول مساعيه الهادفة إلى إرساء دعائم الأمن والاستقرار وبعث قطار التنمية الوطنية الذي حقق للبلاد مكاسب وانجازات عظيمة، يفرض مبدأ الاستمرارية لتفعيل وتثمين كل هذه المكاسب نفسه كعامل ضروري للحفاظ على الاستقرار والمكانة المرموقة التي أصبحت تحتلها الجزائر على المستوى الدولي. يبدو تحديد العهد للحاكم تقييدا لحرية الشعب في ممارسة حق تجديد الثقة في من يثق فيه، وهو ماذهب إليه الرئيس بوتفليقة في توضيحه لمقاصد التعديل الجزئي المرتقب للدستور بمناسبة افتتاح السنة القضائية الجديدة، بقوله "لا يحق لأحد أن يقيد حرية الشعب في التعبير عن إرادته" مذكرا في هذا السياق بأن "العلاقة بين الحاكم المنتخب والمواطن الناخب هي علاقة ثقة عميقة متبادلة قوامها الاختيار الشعبي الحر والتزكية بحرية وقناعة"، وفي هذه الحالة فإن الدستور الذي ينص من جهة، على تكريس الحقوق والحريات الأساسية للمواطن يجعل السلطة التأسيسية ملكا للشعب الذي يمارس سيادته عن طريق الانتخاب أو بواسطة ممثليه المنتخبين، بينما يحدها من جانب آخر عندما يتعلق الأمر بتكريس حرية اختيار وتجديد الثقة في الحاكم، لا حرج في تصحيحه وتعديله، على اعتبار انه "من صنع بني البشر وليس قرآنا منزلا "مثلما أشار إلى ذلك وفي مرات عديدة الرئيس بوتفليقة، الذي أكد في هذا الإطار أن التداول الحقيقي على السلطة "ينبثق عن الاختيار الحر الذي يقرره الشعب بنفسه، عندما تتم استشارته بكل ديمقراطية وشفافية في انتخابات حرة تعددية"، وذلك من منطلق أن سلطة القرار النهائية تعود للشعب وحده، وأن تقيدها بقوانين أومواد في الدستور يعد حرمانا للشعب في ممارسة سلطته. من جانب آخر، جاء إعلان رئيس الجمهورية إلى رفع هذا القيد من القانون الأساسي للدولة وتعديله بصيغة تسمح للشعب بممارسة حقه في اختيار حاكمه بكل سيادة، كاستجابة صريحة للمطلب الجماهيري الذي اتسع نطاقه على المستوى الوطني، والمتمثل في مناشد الرئيس تعديل الدستور لتمكينه من الترشح لولاية رئاسية جديدة. فقد أعلنت تشكيلات سياسية وتنظيمات وطنية عديدة رغبتها في أن يترشح السيد عبد العزيز بوتفليقة لعهدة جديدة، مثمنة الانجازات التي حققتها الجزائر بفضل سياسته الرشيدة في التسيير المنتهجة منذ توليه سدة الحكم في أفريل 1999، وداعية إلى الاستمرار على دربها الذي أعاد للجزائر عافيتها وصورتها الحقيقية. وتعهدت كافة التنظيمات الوطنية بتكثيف مسعاها بالحث والمتابعة ومناشدة السيد بوتفليقة تقبل هذا المطلب الوطني والاستمرار في مهمته النبيلة وعمله من أجل تعميق الجهود الجبارة التي بذلها لحد الآن خدمة للبلاد والعباد، وسعيا إلى مستوى أرقى يضمن للجزائر تنميتها المستدامة، وقد نادت الجماهير الشعبية قبل الطبقة السياسية بهذا المطلب، وذلك في استقبالاتها لرئيس الجمهورية في العديد من خرجاته الميدانية، وإلحاحها على ضرورة استكمال ما تحقق من مكاسب كبيرة حققتها الجزائر بفضل حنكة الرئيس بوتفليقة وحكمته في تسيير شؤون البلاد، بداية من جهوده الكبيرة التي أفضت إلى إنقاذ الوطن وإخراجه من دوامة الدم والنار، وإحلال السلم في كل ربوعه، بفضل سياسية المصالحة الوطنية التي زكاها الشعب الجزائري، وأضحت مثالا مميزا ومحل إشادة واحتذاء من قبل العديد من دول العالم. وهذا الإنجاز التاريخي، صارت الجزائر ورشة كبرى تنشد التنمية المستدامة من خلال المشاريع التنموية الكبرى التي حملها برنامج دعم التنمية الوطنية المرصود له أكثر من 150 مليار دولار. كما ثمنت كافة الجهات الملحة على ضرورة مواصلة الرئيس بوتفليقة لمهام تسيير شؤون البلاد، التقدم النوعي المسجل على مستوى الجبهة الاجتماعية، في إطار مواصلة العمل على تحسين الظروف المعيشية للمواطن، وإرساء وترسيخ السلم والانسجام الاجتماعيين.