تنطلق اليوم، العهدة التشريعية الثامنة للمجلس الشعبي الوطني، بجلسة علنية مخصصة للتنصيب الرسمي وإثبات عضوية تشكيلة النواب الجدد المنبثقة عن الانتخابات التشريعية للرابع ماي الجاري، مع انتخاب الرئيس الجديد الذي سيقود هذه الهيئة التشريعية خلال هذه العهدة التي تنتظرها ملفات ساخنة، أبرزها التصديق على النظام الداخلي الجديد الذي يحمل تدابير دستورية جديدة تفرض انضباطا أكبر في العمل النيابي. تطبيقا لما ينص عليه الدستور في مادته ال130 فإن الفترة التشريعية التي تبدأ وجوبا في اليوم الخامس عشر الذي يلي تاريخ إعلان المجلس الدستوري للنتائج»، يرأسها النائب الأكبر سنّا بمساعدة أصغر النائبين، حيث يتم خلال هذه الجلسة تنصيب أعضاء المجلس وانتخاب مكتب المجلس الشعبي الوطني الذي يقوم بتشكيل لجانه. يتضمن جدول أعمال جلسة الافتتاح، حسبما أعلن عنه المجلس في بيان سابق، مناداة النواب وتشكيل لجنة إثبات العضوية وانتخاب الرئيس الجديد للمجلس الشعبي الوطني. شاءت الصدف أن يكون النائب الأكبر سنّا الذي سيرأس الجلسة التنظيمية الأولى للعهدة التشريعية الثامنة هو سعيد بوحجة صاحب ال79 عاما وهو مرشح الأفلان ليكون الرئيس الرسمي للغرفة البرلمانية السفلى خلال العهدة الجديدة، والمدعم من قبل أحزاب الموالاة على غرار التجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر «تاج» اللذين أعلنا تأييدهما للرجل، وأعطت قيادتهما تعليمات لنوابهما للتصويت لصالح بوحجة، فيما يرتقب أن يحذو نواب الحركة الشعبية الجزائرية والتحالف الوطني الجمهوري، حذو شركائهم السياسيين في دعم اختيار النائب سعيد بوحجة ليكون الرجل الثالث في الدولة. يساعد بوحجة في إدارة جلسة التنصيب الرسمي للمجلس الشعبي الوطني اليوم، النائبان تهامي حديبي صاحب ال27 عاما والفائز في القائمة الحرة للبيّض، والنائب عن حزب «تاج» بولاية سطيف أيوب شرايطية، البالغ من العمر 26 سنة، مشكلين بذلك ما يعرف بالمكتب المؤقت للمجلس والذي تنتهي مهامه مع استكمال لجنة إثبات العضوية لإجراءات تنصيب النواب ثم انتخاب رئيس المجلس. خارطة سياسية جديدة داخل البرلمان العهدة الثامنة للمجلس الشعبي الوطني تتميز عن سابقاتها بتعدد وتنوع الألوان السياسية، بعد تأكيد المجلس الدستوري للنتائج النهائية لتشريعيات الرابع ماي، التي أفرزت دخول 35 تشكيلة سياسية منها 3 تحالفات، إضافة إلى عدد معتبر من النواب الأحرار الذين أصبحوا يشكلون القوة السياسية الرابعة داخل مبنى زيغود يوسف، كفاعلين أساسيين في هذه العهدة التي تمتد من 2017 إلى 2022. هذه العهدة التي بدأت معالم توجهاتها الكبرى تتضح من خلال ما سيترتب عن التحالفات والعمل التنسيقي الذي سيجمع الكتل البرلمانية العشرة، والذي لم تتأخر أحزاب الموالاة للتعبير عنه من خلال التفافها حول خيار رئيس المجلس، ستشهد بالتأكيد بعض التجاذبات بين هذه الأخيرة والأطراف المشكلة للمعارضة السياسية، خاصة في ظل الصدمة التي أثارتها نتائج التشريعيات لدى بعض أحزاب المعارضة، وبعد قرار تحالف مجتمع السلم «حمس» عدم الدخول في الحكومة واختيارها التخندق في صف المعارضة. إن كانت الغلبة العددية لأحزاب الموالاة بادية للعيان من خلال ظفرها بقرابة ثلثي عدد مقاعد المجلس الشعبي الوطني، حيث تحوز الأحزاب الخمسة المعنية على 300 مقعد (الافلان 161، الارندي 100، تاج 20، الأمبيا 13 والتحالف الوطني الجمهوري 6) دون احتساب النواب الأحرار (29 مقعدا) الذين قد يلتحقوا بصف الموالاة، فإن الجبهة النيابية المنزوية تحت لواء المعارضة السياسية والتي تستفيد من حقوق دستورية جديدة، تمكنها من لعب دور أكبر في المجال التشريعي، وهي مثقلة أيضا بأوزان فاعلة في الساحة السياسية، منها التي سبق لها أن خاضت عهدات نيابية، على غرار نواب حزب العمال وفي مقدمتهم أمينته العامة لويزة حنون، وكذا نواب تحالف النهضة والعدالة والبناء، وعلى رأسهم لخضر بن خلاف وحسن عريبي، أو نواب جبهة القوى الاشتراكية، فضلا عن الأسماء المعروفة الأخرى كالعائد إلى البرلمان عن تحالف «حمس» عبد المجيد مناصرة، ورئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي محسن بلعباس، والنائب الحر المنشق عن الارسيدي نور الدين آيت حمودة. لكن باستثناء التشكيلات التي تمثل التيار الإسلامي داخل البرلمان، والتي لا ترى مانعا في تشكيل تحالفات سياسية أو برلمانية مهيكلة ومنظمة، فإن المعروف عن أحزاب المعارضة الأخرى طبقا لمواقف قيادييها أنها ترجّح مبدأ التعاون والتنسيق عن مبدأ التكتل، ولذلك يرتقب أن تشهد العهدة التشريعية الجديدة عملا توافقيا بين هذه الأحزاب في تعاملها مع الكتلة المشكلة للأغلبية أثناء تمرير مشاريع القوانين، لا سيما في ظل ما يميز هذه العهدة من ملفات ساخنة ستعرض للمناقشة والمصادقة على النواب. أجندة مكثفة بمشاريع ساخنة بالفعل فإن نواب الشعب في العهدة التشريعية الثامنة، تنتظرهم ملفات ثقيلة وحوارات ساخنة في ظل كثافة الأجندة المطروحة على الهيئة، وتزامن العهدة مع التحضير لاستحقاقات محلية ثم انتخابات رئاسية مقررة بعد أقل من سنتين. قائمة مشاريع النصوص التي تنتظر النواب الجدد والتي تتضمن أزيد من 20 مشروعا، تضم ملفات شائكة لن يكون الحوار حولها هادئا طبقا لتوقعات المتابعين للشأن السياسي. أهم هذه الملفات مشروع قانون الصحة العمومية الذي أثار جدلا واسعا أدى إلى تأجيل مناقشته والمصادقة عليه لمرات متكررة، فضلا عن مشروع قانون العمل الذي لا يزال هو الآخر محل مناقشة وإثراء بين الوزارة وممثلي النقابات. هذان المشروعان اللذان لم تقبل بهما النقابات المعنية رغم سعي وزارتي الصحة والعمل إلى تحقيق توافق حولهما من خلال فتح نقاشات موسعة مع الشركاء الاجتماعيين، ينتظر حسب المتتبعين أن يثيرا ضجة كبيرة داخل قبة البرلمان، في حال لم يتحقق التوافق التام حولهما خارج أسوار مبنى الهيئة التشريعية. كما تضم قائمة النصوص المعروضة على النزلاء الجدد لقصر زيغود يوسف، مشروع قانون الإشهار الذي تأخر عرضه على البرلمان هو الآخر، علاوة على مشاريع قوانين هامة أخرى ذات صلة بالدستور الجديد، منها مشروع قانون يضمن حماية المعطيات الشخصية ومشروع قانون يحدد كيفيات ممارسة الحق في الحصول على المعلومات والوثائق ونقلها، فضلا عن النصوص المكملة والمصححة لبعض الثغرات المسجلة في النظام الانتخابي وتحيين الإطار القانوني المنظم للتظاهرات والتجمعات ولعمل تنظيمات الحركة الجمعوية وتكييفه مع أحكام الدستور الجديد. هاجس «ضعف الشرعية» يلاحق الهيئة التشريعية المؤكد أن هاجس نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات التشريعية التي جاءت بالنواب الجدد سيبقى يطارد نزلاء المجلس خلال العهدة الثامنة، ما يفرض على جميع النواب سواء من المعارضة أو من الموالاة العمل على تجاوز هذا الظل المقلق الذي سيخيّم على جدران مبنى زيغود يوسف خلال هذه العهدة. فالحديث عن التمثيل الشعبي الضعيف للبرلمان، وعن النسبة المتواضعة التي لم تتجاوز 35,37 بالمائة، سيتردد كثيرا على ألسنة المعارضين السياسيين خارج أسوار المجلس الشعبي الوطني. والأكيد أن إبطال مفعول هذا التأثير السلبي على مستوى شرعية الهيئة التشريعية، سيحتم على النواب العمل على جعل العهدة النيابية عهدة قوية من خلال الحضور المتواصل والنقاش القوي، والإسهام الفعلي في إثراء العمل التشريعي الفعال، الذي من شأنه التقليل من حدة الانتقادات الموجهة للمجلس. لهذا فإن أول عمل سينكب عليه النواب الجدد مع بدابة العهدة هو المصادقة على النظام الداخلي الجديد الذي يضبط عمل الهيئة التشريعية بغرفتيها، والمنبثق عن الدستور الأخير، هذا النظام يفرض التزام النائب بحضور جلسات اللجان والجلسات العامة وتسجيل إجراءات الانضباط البرلماني اللازمة لذلك، فضلا عن ضبط آليات منع التجوال السياسي بين الأحزاب والكتل البرلمانية، وتقنين نظام الدورة البرلمانية الواحدة. نواب بمستوى أعلى وتخصصات أكبر التشكيلة الجديدة للمجلس الشعبي الوطني الجديد تمتاز طبقا لتحليلات الملاحظين السياسين، بمستوى تمثيلي أقوى سواء في الفئات الاجتماعية والعمرية، حيث يتشكل المجلس من نسبة معتبرة من النواب الشباب، فضلا عن 119 إمرأة ونواب من مستوى تعليمي عال من بينهم عمداء جامعات وأساتذة باحثون في تخصصات متنوعة. كما تضم تشكيلة النواب الجدد نحو 79 رجل أعمال من مختلف التشكيلات والألوان السياسية، ينتظر أن يضفي تواجدهم بالهيئة التشريعية دعما للتوجه الاقتصادي الجديد الذي باشرته الجزائر في إطار النموذج الجديد للنمو، كونهم سيشكلون قوة اقتراح تحمل رؤى موحدة بخصوص ما يقترح من مشاريع تعنى في مجملها بجوانب الحياة الاقتصادية، لا سيما في ظل الحديث عن إمكانية إدراج الحكومة لتعديلات في قانون الاستثمار.