زائر مذبح رويسو بالجزائر العاصمة يلاحظ استعداد كافة هياكله؛ من مسيرين، جزارين، ذباحين، بياطرة وعمال نظافة،منذ بداية شهر رمضان لذبح أكبر عدد من المواشي ومراقبة عملية الذبح واستقبال الزبائن وتوفير اللحوم الحمراء في الأسواق بنوعية رفيعة وبأسعار تُعتبر مرجعية بالنسبة للأسواق الأخرى المتواجدة عبر الوطن، حيث وصفه بعض تجار اللحوم ب «بورصة اللحوم»، خاصة المحلية التي تخضع لشروط ذبح ونقل ومراقبة صارمة قبل وصولها إلى المستهلك، غير أن دخول اللحوم المستوردة من أجل إخضاعها للمراقبة بالمذبح، استغله بعض التجار لبيعها بقصابتهم على أساس أنها لحوم محلية وبنفس السعر، مثلما كشف ل «المساء» بعض تجار المذبح. كشفت الجولة التي قامت بها «المساء» في اليوم الخامس من شهر رمضان بمذبح رويسو الذي يُعد أكبر وأشهر المذابح عبر التراب الوطني، عن تراجع نشاط هذا الأخير رغم مرور أسبوع واحد فقط عن الصيام، حيث لم نصادف حركة كثيفة بهذا المرفق الذي يقع في شارع المعدومين برويسو، غير بعيد عن وسط العاصمة، وذلك نتيجة قرار ولاية الجزائر القاضي بإغلاق المذبح الذي تم تأجيل تنفيذه إلى غاية إيجاد بديل لتجار اللحوم النشطين به منذ سنوات، إذ يعتقد الكثير من المواطنين وزبائن هذا المرفق الهام الذي يتربع على 2.4 هكتار، أن هذا الأخير لم يعد في الخدمة، مثلما أوضح ل «المساء» بعض الزبائن الأوفياء للمذبح الذي تمكنا من القيام بجولة في مختلف أقسامه، والحديث إلى العاملين به، في حين اشترطت إدارة المذبح إحضارنا رخصة من ولاية الجزائر للحصول على تفاصيل تخص هذه المؤسسة التي تتضمن ثلاث قاعات للذبح بمساحة قدرت ب 3250 مترا مربعا، وإسطبلات بمساحة 3764 مترا مربعا، غير أن ما لاحظناه هو التدهور الكبير الذي يشهده المذبح، بدون أن تتدخل الجهات الوصية لإعادة تهيئته وترميمه، مثلما جرت العادة كل سنة. عدد التجار يتراجع إلى 58 تاجرا وحسبما صرح صالح كحول تاجر بالمذبح ل «المساء»، فإن عدد التجار يصل حاليا إلى 58 تاجرا للحوم بينما كان عددهم يفوق مائة تاجر، حيث فضل العديد منهم ممارسة نشاطهم خارج هذه المؤسسة التي تُعتبر أكبر سوق للجملة بقدرة ذبح 3000 رأس خروف و500 عجل في اليوم، يقول محدثنا الذي وجدناه منهمكا في تحضير سلعته التي يموّل بها مؤسسات وفنادق مثل فندق الأوراسي وبعض الجمعيات التي تنظم مطاعم الرحمة وعابري السبيل، ومنه تحدد أيضا أسعار كافة الأسواق عبر الوطن، حيث يصل السعر إلى 1200دج للكلغ الواحد من اللحم، وهو مموَّل من أسواق أساسية بولايات سعيدة والمدية، وبالتحديد من قصر البخاري فيما يخص لحم الغنم ولحم البقر من سطيف وبلعباس، مشيرا إلى أن المذبح يعتمد سعرا مستقرا منذ سنوات للحفاظ على السوق ومخزون الثروة الحيوانية المعدة للذبح التي تُستقبل في إسطبلات قادرة على استيعاب 5 آلاف خروف، إلى جانب العجول، منها تلك المستوردة من الخارج على غرار إسبانيا. زبائن من العاصمة والولايات المجاورة ويشهد المذبح، مثلما لاحظنا، إقبال الزبائن من تجار اللحوم والمواطنين من مختلف الولايات، خاصة المجاورة للعاصمة؛ كونه الأقرب إليها، منها تيزي وزو، المدية، بومرداس وتيبازة، فضلا عن أصحاب الولائم الذين يقتنون حاجياتهم من اللحوم من المذبح، كونهم يوفّرون 3000 دينار للكلغ كتخفيض عن السعر المتداول في أسواق التجزئة، فضلا عن اقتناء لحوم نظيفة وصحية بفضل جهاز المراقبة المنصّب بالمذبح والتابع لمديرية التجارة لولاية الجزائر، ومصالح البيطرة التي تعمل بصفة دائمة ومستمرة، يقول تاجر آخر كان هو الآخر يحضّر لبيع لحم الغنم، مؤكدا ل «المساء»، أن المذبح يتمتع بسمعة جيدة بفضل الرقابة الشديدة على اللحوم بقاعة الذبح التي لا يخرج منها أي شيء غير صالح للاستهلاك، فضلا عن التنظيف الجيد الذي يتم عقب كل عملية ذبح، واعتبار هذا الأخير مرجعيا في السعر وبمثابة «بورصة اللحم»، الذي تراجع الطلب عليه، كما لاحظنا مقارنة بالسنوات الماضية نتيجة استيراد اللحوم من الخارج، على غرار إسبانيا، التي ارتفع الإقبال عليها كثيرا، كون أسعارها تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين مقارنة بأسعار اللحوم المحلية. عمل متكامل يبدأ بالذبح أما بالنسبة للذبح فيبدأ، حسب صالح كحول، من الرابعة زوالا على مستوى مختلف المربعات الخاصة بكل تاجر، والذي يدفع مستحقات ذلك للمؤسسة، كما يتولى أشخاص آخرون مهمة غسل الدوارة والبوزلوف، وتمتد الى غاية بعد الإفطار، فطريقة ذبح المواشي لها قواعدها هي الأخرى، لتتم في أحسن صورة تضمن صحة وسلامة اللحوم ومراقبتها، سواء كانت محلية أو مستوردة، فبمجرد وصول رؤوس الماشية إلى المذبح يتم تركها ترتاح لمدة 6 ساعات كاملة قبل ذبحها، يقول التاجر، وتهيئة كل الشروط اللازمة حتى وصول الطبيب البيطري باعتباره المسؤول الأول إذا وقع أي تسمم، وفي حالة الشك في إصابتها بأي مرض أو عدم صلاحية لحمها للاستهلاك يتم حجزها في أحد الأماكن بالمذبح إلى غاية التأكد من سلامتها. وبعد تأشير الطبيب البيطري عليها يتم تحويلها إلى المصلحة الخاصة بالذبح المكونة من عدة مناطق خاصة بكل تاجر. وعند نهاية عملية الذبح يقوم كل تاجر بوزن الذبيحة ودفع المستحقات الضريبية للمذبح، والمقدرة ب 16دج للكلغ قبل إخراجها من المؤسسة، حيث تكون عملية الذبح متكاملة بين الأقسام التي يتوفر عليها المذبح، منها قسم خاص بغسل «الدوارة»، وقسم آخر مخصص لتنظيف رؤوس الغنم (بوزلوف) وغرفة للتبريد يمكنها تخزين ما لا يقل عن 300 طن من اللحوم، إضافة إلى قاعة وفضاء لبيع الجلود وإسطبلات بالمذبح الذي يموّل- يقول كحول - مختلف الجماعات المحلية والإدارات والدورات والملتقيات والندوات الدولية التي تحتضنها المؤسسات الفندقية المصنفة وحتى المستشفيات؛ حيث يوفر سلعة نظيفة وصحية بفضل الرقابة وعدم التسامح مع أي تجاوز. الإسطبلات مراقد للعمال وما لفت انتباهنا ونحن نتجول بمختلف جهات المذبح، بعض العمال الذين لا يغادرون المكان، على غرار السيد يحي، الذي يقوم بذبح المواشي منذ 15 سنة، حيث يذبح حوالي 40 راسا في اليوم العادي و150 رأسا في رمضان، لكن ما يتعبه أكثر مثلما صرح ل «المساء»، هو وجوده بعيدا عن عائلته المقيمة في ولاية داخلية، حيث يتقاسم مع زملائه الإفطار في مطاعم الرحمة، بينما تحوّل عدد من الإسطبلات إلى مراقد لهم منذ سنوات، على غرار ذباح آخر من ولاية سطيف متواجد بالمذبح منذ 45 سنة، غير أنه أحسن حظا من زميله؛ كون طاولة الإفطار تجمعه بأخيه المقيم بالعاصمة والذي وجدناه برفقته بالقرب من أحد الإسطبلات والتعب نال منه بسبب زيادة وتيرة العمل في الأسبوع الأول من رمضان، حيث يقوم بذبح 150 خروفا في اليوم وحوالي 30 بقرة، ويبدأ العمل في الرابعة مساء ويستأنف بعد الإفطار لمواصلة عمله، الذي اضطره للعيش بعيدا عن عائلته، والمبيت داخل الإسطبل طيلة 45 سنة، والتعامل مع الجزارين وكل من يطلب خدماته. ولا يُعد هؤلاء الوحيدين الذين يسترزقون من العمل بالمذبح، منهم عمال النظافة، الذين وجدنا بعضهم منهمكين في تنظيف ساحات المذبح، قال أحدهم إن مهمتهم هي تنظيف الساحات والإسطبلات وحتى القيام بعملية الطلاء والصيانة والماء، حيث تزيد وتيرة عملية التنظيف التي تمتد من بعد صلاة التراويح حتى الثالثة صباحا لإزالة بقايا الذبح وتنظيف المحيط، مثلما أشار بعض العمال، الذين عبروا عن مخاوفهم من إغلاق المذبح وإزالته بقرار من ولاية الجزائر، أحدهم تم تحويله قبل أيام من مذبح رويبة الذي تم إغلاقه مؤخرا. تنظيف «البوزلوف» ب 70 دينارا للرأس من جهتهم وجد بعض الشباب في عملية تنظيف رؤوس الماشية أو ما يعرف بالعامية ب «البوزلوف»، فرصة للعمل. وبإحدى القاعات القديمة والمهترئة وجدنا شابا وصديقه منهمكين في تنظيف المكان، ولم يتوان أحدهما في الرد على استفساراتنا، قال: «كنت أقوم بهذه المهمة ثم توقفت لأعود مجددا إليها بالمذبح، من خلال تنظيف رؤوس الماشية من السابعة صباحا إلى غاية الرابعة بعد الزوال، لتصل إلى 60 رأسا يقدمها الجزارون لهؤلاء الشباب الذين فضلوا هذا العمل مقابل 70 دينارا للرأس الواحد رغم أن المدخول بسيط، يقول أحدهما؛ كون كراء القاعة يقدّر بحوالي 50 ألف دينار شهريا، تتسلمها مؤسسة تسيير المذبح. تدهور المذبح دليل على الرغبة في إغلاقه خرجنا من القاعة التي يتم فيها تنظيف رؤوس الماشية، ودخلنا غرفة صغيرة لأحد أعمدة المذبح. عمي بوعلام الذي قضى 65 سنة بالمذبح، حيث فضّل الجلوس أمام مدخل الغرفة والحديث إلينا عن كل صغيرة وكبيرة تخص هذه المؤسسة، فاجأنا عندما أكد أن بعض الجزارين يأخذون اللحم المستورد من إسبانيا الذي يدخل المذبح من أجل المراقبة، ويبيعونه على أنه لحم محلي، ثم استرسل في الحديث عن السنوات التي قضاها بالمذبح الذي أُنجز حسبما قال من قبل الهولنديين وليس الفرنسيين مثلما يعتقد الكثيرون، ورغبة الجهات الوصية في إزالته، معتبرا ذلك خسارة كبيرة للجزائر، كونه يعد أكبر مذبح على المستوى الوطني، ويعيل عددا كبيرا من العائلات، مسترجعا صور المذبح قبل سنوات، منها الميزان الذي كان يزن المواشي حية، والأماكن التي يعلق فيها البقر بعد ذبحه، وذلك منذ 1908، متأسفا لكونها أصبحت تعلّق الآن في الأبواب والنوافذ التي تحطمت، مثلما تحطمت الكثير من أجزاء المذبح، ووضع البقر في إسطبلات المواشي بنية تحطيمه وإغلاقه والتخلي على خدماته، يقول محدثنا. وحسب عمي بوعلام فإن هذه المؤسسة لا يمكن تعويضها بأخرى بالنظر إلى شساعتها وأهميتها في تقديم سلعة نوعية؛ حفاظا على صحة المستهلك، حيث تشدد مختلف مصالح المذبح المتواجدة به على توفير الشروط اللازمة لنقل اللحوم بداية بالشاحنات التي تحتوي على مكيف هوائي يضمن وصول اللحوم الطازجة إلى مستهلكيها وهي سليمة تحت إشراف مديرية التجارة، التي تقوم بعملية مراقبة السير الحسن لنقل اللحوم، وهو ما تأكدنا منه بعين المكان، الذي صادف حضور إطار بالمديرية بغرفة أحد التجار. كما لاحظنا خلال تواجدنا أمام غرفة التبريد، وجود مشرف يراقب ويسجل أي دخول وخروج للحوم منها، علما أن عملية البيع تتم عبر وسيطين أساسيين، هما بائع الجملة والجزار، وتراوح أسعار اللحوم الحمراء المحلية ما بين 1200 إلى 1300 دينار للكيلوغرام الواحد بالنسبة للحم الغنم. كما يتم بيع اللحم المفروم والمرقاز والأحشاء. وما اكتشفناه أيضا هو اختلاف سعر لحم الغنم الواحد، إذ يباع لحم الجزء السفلي الذي لا يوجد به الكثير من العظم بسعر مخالف للعلوي، حسبما أوضح لنا التاجر صالح كحول. إغلاق مذبح الرويبة وبرج الكيفان والبقية تأتي ومما أثار مخاوف الجزارين والتجار العاملين بمذبح رويسو، مثلما أكد بعضهم ل «المساء»، إغلاق مذبح الرويبة وبرج الكيفان في الأيام القليلة الماضية، وتوزيع العاملين به على ما تبقّى من مذابح ومسالخ متواجدة في عدة بلديات بالعاصمة، والتي تساهم في التقليل من الضغط عن مذبح رويسو، الذي يُعد قبلة الموالين والتجار لذبح مواشيهم، حيث تتوفر بلديات زرالدة وبرج البحري على مسلخين خاصين، بينما تجار اللحوم بالجملة موجودون فقط على مستوى هذا المذبح الذي تتوفر فيه شروط العمل والنظافة والرقابة.