شرع نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، أمس، في جولة شرق أوسطية كان من المقرر أن تشمل الأراضي الفلسطينية قبل إلغاء محطة رام الله على خلفية رفض الرئيس محمود عباس، استقباله احتجاجا على قرار الرئيس دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل. وسيكتفي الرقم الثاني الأمريكي في أول خرجة له إلى المنطقة العربية بمحطات مصر والأردن ويختمها بمحطة الكيان الإسرائيلي، حيث سيبحث مع سلطات الدول الثلاث أفق عملية السلام في سياق الرغبة الأمريكية لإعادة بعث مفاوضات السلام المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن هل بقي للولايات المتحدة من دور تلعبه كوسيط في هذه العملية المعقدة والشائكة بعد التطورات والمواقف التي صاحبت قرار الرئيس الأمريكي منذ السادس ديسمبر، وكان آخرها قراره بوقف تمويل وكالة غوث للاجئين الفلسطينيين ضمن ورقة استخدمها الرئيس ترامب، من أجل تركيع السلطة الفلسطينية وإرغامها على قبول الأمر الواقع، ودخول مفاوضات السلام وفق الرغبة الأمريكية وبما يخدم المصالح الإسرائيلية. يذكر أن جولة المسؤول الأمريكي كانت منتظرة لنهاية شهر ديسمبر، قبل أن يتقرر تأجيلها إلى يوم أمس، ضمن خطة للعب على عامل الوقت لامتصاص حدة الغضب الفلسطيني ولكنها أخطأت تقدير الموقف سواء على ضوء ما تشهده الأراضي المحتلة من مواجهات للأسبوع السابع على التوالي، وبصفة خاصة في مدينة القدس أو بعد قرار المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الطارئ الأسبوع الماضي، والذي طالب السلطة الفلسطينية بالشروع في إجراءات إلغاء الاعتراف بإسرائيل في نفس الوقت الذي أكد فيه الرئيس محمود عباس، أن اتفاقيات أوسلو الموقّعة سنة 1993، أصبحت "منتهية الصلاحية" في ظل التنصل الدولي وخاصة الدول الراعية من التزاماتها في تجسيد بنود هذه الاتفاقية التي كان يتعين أن تنتهي في أقل من عشر سنوات بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ورغم الضغوط الإقليمية والدولية الممارسة على السلطة الفلسطينية إلى حد الآن بهدف دفعها إلى تليين موقفها إلا أن الرئيس محمود عباس، مازال متمسكا بموقفه الرافض بعد أن اقتنع أن ذلك يبقى الخيار الوحيد الذي مازال يمكن له أن يلعبه وخاصة بعد أن تم المساس بقضية بأهمية مستقبل مدينة القدس الشريف، التي ما كان للرئيس الأمريكي أن يدوس عليها وهو يدرك قبل غيره حساسيتها وصعوبة التوصل إلى تسوية بشأنها. وهو ما يجعل جولة مايك بينس، غير ذات جدوى إذا سلّمنا بأن الهدف المبدئي منها كان حث طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على العودة إلى طاولة المفاوضات، وعلى اعتبار أن محطتي العاصمة المصرية والأردنية لم تكونا سوى لجس نبض العاصمتين حول موقفهما من الطرح الأمريكي الجديد بخصوص مفاوضات السلام بحكم علاقاتهما مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية على السواء. والمؤكد أن مفتاح الحل يمر حتما عبر رام الله حتى وإن كانت السلطة الفلسطينية في سياق هذه التطورات في موقف ضعف، ولكنها ستتمسك بموقفها إذا اعتبرنا أنها غير مستعدة للتفاوض على قضية محورية في مسار التسوية بأهمية القدس الشريف، وأيضا لكون أعلى هيئاتها خرجت عن صمتها رافضة الرضوخ لمنطق التهديد والوعيد الذي اعتمده الرئيس الأمريكي، طريقة جديدة للتعامل مع الدول الأخرى.