شرع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس، في زيارة إلى العاصمة الأوروبية بروكسل في مهمة لإقناع دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ضمن خطة لإفشال الخطة الأمريكية المصرة على اعتبار هذه المدينة المقدسة عاصمة للكيان الإسرائيلي. وهو ما أكده وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي الذي أشار إلى أن الرئيس عباس سيطالب الدول الأوروبية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية للرد على القرار الذي سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أعلن عنه في السادس ديسمبر الماضي. ودخل الرئيس الفلسطيني لأجل ذلك في سباق ضد الساعة ضمن تحركات دبلوماسية على أكثر من صعيد من أجل خلط الحسابات الأمريكية في وقت أعلن فيه نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس خلال محطته الأخيرة من جولته إلى المنطقة العربية أن نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس سيكون قبل نهاية سنة 2019. وخص الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو نائب الرئيس الأمريكي باستقبال يليق ب«صديق إسرائيل" ليرد هذا الأخير الثناء والعرفان بالتأكيد على أن قرار ترامب القاضي بنقل السفارة الأمريكية سيتجسد على الأرض قبل نهاية العام القادم. وإذا كان بينس قدم للإسرائيليين شيئا ملموسا في سياق تحقيق هدفهم المبدئي في جعل القدس عاصمة لكيانهم، فإن الأوروبيين الذين استنجد بهم الرئيس الفلسطيني وبحكم علاقاتهم المتميزة مع إسرائيل من جهة وتلك التي تربطهم بالولاياتالمتحدة، ستجعل من تحقيق نتائج ملموسة من زيارته إلى بروكسل محل شك بالنظر إلى الرد الأوروبي الذي سيكون متباينا من عاصمة إلى أخرى. وعرض الرئيس محمود عباس التماسه على وزيرة الخارجية الأوروبية، فديريكا موغريني ووزراء خارجية الدول الثماني والعشرين على هامش اجتماعهم الدوري الذي سيخصص أيضا لبحث العديد من القضايا التي تشغل الاتحاد الأوروبي، حيث اكتفت موغريني بالقول إن وزراء خارجية دول الاتحاد سيناقشون مع الرئيس الفلسطيني سبل مساعدته لإعادة تفعيل مسار السلام المتوقف منذ أربع سنوات في تلميح أكد أن البون شاسع بين ما يريده الرئيس الفلسطيني من وراء زيارته وما يمكن للدول الأوروبية أن تقدمه له. والمؤكد أن الرئيس محمود عباس سيحرص على التأكيد لمحدثيه أن الاتحاد الأوروبي بثقله الدبلوماسي، بإمكانه أن يعود كطرف في عملية السلام وعدم تركها حكرا على الولاياتالمتحدة التي فقدت صفتها كشريك وحيد في هذه العملية منذ أن أقدم الرئيس ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وحتى وإن أكدت مصادر فلسطينية أن بلدانا أوروبية مستعدة لتخطي عقبة الاعتراف مثل دولة سلوفينيا ولكنها تبقى دولة محدودة التأثير في القرار الأوروبي الموحد مقارنة بدول مثل ألمانيا وفرنسا وحتى إسبانيا وإيطاليا التي تبقى جميعها حريصة على عدم إثارة أي خلاف مع إسرائيل والولاياتالمتحدة رغم البرودة التي ميزت العلاقات بين ضفتي الأطلسي منذ صول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض وتبنيه لشعار "أمريكا أولا" الذي اعتمد سياسة حمائية غير مسبوقة جعلت حلفائه الأوروبيين يعيدون حساباتهم في كيفية التعامل معه مستقبلا. وهو الحذر الذي أكد عليه وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان الذي لمح في تصريح صحفي أمس، أن كل ما يمكن أن تقدمه الدول الأوروبية للرئيس الفلسطيني التوقيع معه على اتفاق شراكة شبيه بذلك الذي وقعته مع إسرائيل بدلا من الاكتفاء بما يعرف ب«العلاقات الانتقالية" المعمول بها في الوقت الراهن قبل أن يعزز نظيره الإسباني ألفونسو داستيس التخاذل الأوروبي عندما أكد "أننا سنطالب مع الرئيس عباس تليين موقفه إزاء القرارات الأمريكية الأخيرة التي أبدينا نحن كذلك تحفظاتنا بشأنها وحينها سنقدم مساعدتنا له في حدود ما استطعنا عليه". وهو تصريح يكشف عن هامش المناورة الذي يمكن للأوروبيين التحرك في نطاقه خاصة أنهم لا يريدون استفزاز الإدارة الأمريكية بمواقف تسير إلى نقيض مواقفه رغبة منهم على الإبقاء على "شعرة معاوية" التي مازالت تربط العلاقات الأطلسية وعدم دفعه إلى اتخاذ قرارات أكثر حدة لن تكون حتما في صالح القارة الأوروبية ومكانتها كقوة لها كلمتها في صياغة القرار الدولي.