كما كان متوقعا منعت البحرية العسكرية الإسرائيلية أمس سفينة شحن ليبية من الوصول إلى ميناء مدينة غزة لتقديم مساعدات إنسانية لسكانها المحاصرين منذ شهر من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلية. وقالت مصادر فلسطينية أن سفنا حربية إسرائيلية اعترضت طريق السفينة الليبية وأرغمتها على العودة من حيث أتت. وأضاف النائب الفلسطيني جمال الخضري الذي يقود اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار الإسرائيلي أن سفينة "مروة" الليبية أرغمت على الرسو في ميناء العريش المصري. وتعد هذه السفينة أول سفينة شحن عربية تتوجه إلى ميناء غزة لتقديم مساعدات إنسانية لأكثر من 1.5 مليون سكن فلسطيني المحاصرين في قطاع غزة وأصبحوا مهددين بموت محقق ضمن مساعي لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على سكان هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية. وكانت سفن لنشطاء حقوقيين ودعاة سلام وصحافيين وصلت منذ شهر أوت الماضي إلى ميناء غزة انطلاقا من ميناء لارناكا القبرصي دون أن تعترض السفن الإسرائيلية طريقهم وسمحت لركابها بإنزال شحنات الأغذية والأدوية الموجهة للفلسطينيين المحاصرين. وأكدت إدارة الاحتلال أمس أنها منعت وصول السفينة الليبية إلى وجهتها. وذكرت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان لها أن كل واحد يرغب في إيصال مساعدات إلى غزة فإنه يتعين عليه أن يقوم بذلك بتنسيق مع إسرائيل وعبر المعابر المعروفة كما أنه بإمكانهم أن يفعلوا ذلك أيضا مع مصر". يذكر أن معبر رفح البوابة الوحيدة بين قطاع غزة ومصر بقي مغلقا منذ سنة 2006 رغم إلحاح الجياع والمرضى وحتى الحجاج الفلسطينيين ولا يمكن فتحه إلا بعد إعطاء إدارة الاحتلال الضوء الأخضر بذلك. وقال فوزي برهوم الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس أن قرار المنع الإسرائيلي ضد السفينة الليبية جاء ليؤكد الوجه الإجرامي الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي. ودعا مسؤول حركة "حماس" السلطات المصرية إلى فتح معبر رفح وقال أن إبقاءه مغلقا سيدخل في التاريخ كجريمة يقترفها كل من يحيط بقطاع غزة. وقالت مصادر رسمية ليبية أن السفينة لم تتمكن من تفريغ شحنتها فإنها ستكون مضطرة للعودة إلى ميناء انطلاقها. وكانت سفينة مروة الليبية محملة ب 500 طن من الزيت و750 طن من الحليب و1200 طن من الأرز و500 طن من الدقيق اللين و100 طن من الأدوية. وإذا كانت دوافع المنع الإسرائيلية مبررة وتجد منطقها في سياسة الاحتلال المعروفة فإن سؤالا محوريا يطرح هنا حول مصير المساعدات الإنسانية التي قرر مجلس وزراء خارجية الدول العربية إرسالها إلى قطاع غزة قبل أسبوع؟ وما هو موقف الدول العربية في حال رفضت إدارة الاحتلال وصول هذه المساعدات؟ ويبقى الأمر بمثابة إشكالية بالنسبة للدول العربية على اعتبار أن مسعاها سيجعلها في مواجهة مباشرة مع إدارة الاحتلال وفي حرب نفسية هي الأولى من نوعها منذ آخر حروب المواجهة مع إسرائيل سنة 1973. ثم ماذا لو رفضت إدارة الاحتلال إعطاء الضوء الأخضر لتمرير المساعدات العربية إلى جياع ومرضى قطاع غزة حتى عن طريق معبر رفح المصري؟ وهي إشكالية ستضع الطرف المصري في حرج دبلوماسي كبير وهو المنتظر من إدارة احتلال تصر على قتل الفلسطينيين وفق نظرية العقاب الجماعي القرون أوسطية بدعوى إرغام عناصر المقاومة على وقف إطلاق صواريخ القسام ضد الأهداف والمستوطنات اليهودية في جنوبفلسطينالمحتلة. وهي لذلك سوف تنظر بعين الريبة إلى كل خطوة عربية لإرسال مساعدات تفشل خطتها الأمنية وهو ما يجعلها منطقيا ترفض فتح معبر رفح لإنقاذ حياة "الأحياء الموتى" من الفلسطينيين. ويبدو أن الدول العربية اتخذت قرارها بإرسال مساعداتها في خضم سيل العاطفة الذي أحدثته الصور الملتقطة للفلسطينيين وهم يموتون ببطء في مستشفى المدينة وفي ظلمة حالكة بدون أكل ولا وقود في مثل هذا الفصل القارس برده حد الجمود. وهو ما يفسر ربما التأخير الحاصل في إرسال أول الشحنات على الأقل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بما فيها حفظ ماء وجه العرب.