شهد الجهوي "عبد القادر علولة" بوهران، مؤخرا، العرض العام لمسرحية "هبيل السلطان" التي تعد آخر عمل للصحفي والكاتب المسرحي بوزيان بن عاشور الذي قدّم اقتباسا جديدا عن إحدى الروايات العالمية وحاول من خلالها تقديم مسرح سياسي بقالب جزائري ضمن حوارات ساخرة.. إلتقته "المساء" وأجرت معه حوارا عن المسرحية الجديدة ومنظوره للمسرح السياسي بالجزائر وتجاربه السابقة، فضلا عن مشاريعه وإصدارته المنتظرة. ❊ شهد المسرح، العرض العام لمسرحية "هبيل السلطان"، كيف جاءت الفكرة وعن ماذا يدور النص؟ ❊ نص مسرحية "هبيل السلطان" اقتباس من رواية "اسكوريال" للكاتب البلجيكي ميشيل غيلدرود، كتبت سنة 1923، والفكرة قائمة على تراث قديم يؤكد الصراع القائم بين الحاكم والمحكوم، بين المالك الآمر والمأمور. واقترحت في الواقع عليّ من طرف جمعية "المرجاجو" لمدينة وهران، التي قدمت العمل لوزارة الثقافة التي دعمته، وقبلته أنا بدوري، من منطلق أن معظم كتابتي المسرحية السابقة تؤكد على الإنسان ومعاناته وعلاقته بالسلطة والوجدان، وهو ما كانت تتوفر في الرواية، كما تزامنت فترة كتابة المسرحية مع الأوضاع السياسية التي كانت تعرفها أوروبا مطلع العشرينات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقمت بجزأرة الرواية بمنظور محلي. وتحكي الرواية عن صراع بين الملك ومهرجه "الهبيل"، حيث يعيش الملك أزمة عاطفية بعد دخول زوجته في مرحلة احتضار، ويطلب من المهرج التخفيف عنه بالبهجة، وفي مرحلة ما، يطلب الملك من المهرج تبادل الأدوار، ومن خلال هذا التحول، حاولت في المسرحية إظهار كل مكبوتات الإنسان وحاولت بطريقة غير مباشرة تقريب الحوار من المتلقي الجزائري بعد تقلد المهرج للسلطة والتحول الكبير في التعامل معها وإبراز جشع البعض من الذين لا يملكون المؤهلات ويحاولون سحق الضعيف.. كما حاولت عبر استخدام اللغة الدارجة المهذبة المستنبطة من التراث، الوصول إلى تقديم صورة تقريبية للجمهور. ❊ ينظر البعض لاستعمال الدارجة في الحوارات المسرحية أهم عائق لمشاركة الأعمال الجزائرية في المحافل العربية، ما تعليقك؟ ❊ لا أعتقد أن للأمر علاقة، وعكس الفكرة السائدة أن اللغة الدارجة تعيق مشاركة الأعمال الجزائرية، فقد شاركت في عدة مهرجانات بدول عربية كمسرحي، مدعو وصحفي.. وضمن مشاركاتي أتذكر أنّه بالمسرح التجريبي بالقاهرة سنة 2009، وبعد عرض إحدى المسرحيات باللغة العربية، تأسف المنظمون لحذف الحديث بالدارجة، وهو نفس ما قيل لنا في مهرجان قرطاجبتونس، وأعتقد أنّ لا علاقة للهجة الدارجة بالأعمال المسرحية، والدليل على ذلك أنّنا كجزائريين نتقبّل الدارجتين المصرية والسورية بدون أن يتقبلوا لغتنا الدارجة. ورأيي الخاص في الموضوع أن العمل في الواقع هو الاعتماد على لغة قريبة من التراث ولغة تصل للجميع، وأتذكر هنا المرحوم عبد القادر علولة الذي قدم سنة 1985 مسرحية "الأجواد" بتونس وكانت بلغة دارجة ولقيت نجاحا وجوائز، كما أن أعمال ولد عبد الرحمان كاكي بنفس اللغة وكانت تشارك منذ الستينيات في عدة ملتقيات وتظاهرات مسرحية بالعالم العربي وتلقى التنويه، ومنه فإنّ الحديث عن مشكل اللغة غير مبرر. ❊ شهدت الساحة المسرحية خلال السنوات الأخيرة اقتباسات كثيرة لأعمال غربية دون الاقتباس من الأعمال المحلية الجزائرية، ما تعليقكم؟ ❊ سؤال وجيه عن الاقتباس، أنا ككاتب ومؤلف أتألم لهذه الظاهرة، وصراحة توجد أعمال روائية جزائرية جد مميزة ومعبرة وقادرة على أن تكون أعمالا مسرحية، تتحدث عن الإنسان الجزائري والواقع بأمانة، وأرى أنّ التوجّه العام للمسرحيين باللجوء إلى اقتباس أعمال ومسرحيات أجنبية هو في كثير من الأحيان يرجع ل«الكسل" وبحث بعض المقتبسين عن الأعمال الجاهزة، وأنا من جهتي أفضل العمل الإبداعي بكلّ نقائصه. كما يشهد المسرح في الآونة الأخيرة، ظاهرة اقتباس الروايات التي لا تضم عددا كبيرا من الممثلين فوق الخشبة، وذلك راجع إلى طلب المخرجين والموزعين للتحكّم في الممثلين والأدوار فوق الخشبة وأعتقد أن المسرح الجزائري سيفقد على المدى الطويل الكثير، ونحن بحاجة اليوم إلى مسرح يقدم مزيجا من الممثلين وبأعداد كبيرة كما كان معروفا عن المسرح الجزائري. ❊ يرى البعض أنّ لجوء المقتبسين للأعمال الأجنبية راجع لمحاولة الهروب من النصوص السياسية المحلية التي تقدم تشريحا مباشرا للواقع والعمل على اقتباس نصوص أجنبية وإسقاطها محليا، ما رأيكم؟ ❊ صراحة لا وجود لهذه القراءة المطروحة، والمعروف أن المسرح الجزائري لا يخضع للرقابة وهو مسرح حر يواجه الواقع بطريقة مباشرة وأعتقد أن البعض يفضلون عدم الاعتماد على النصوص الجزائرية وفقط، وأعود للتأكيد أن عدة كتابات تقدم سنويا جيدة وتصلح كمسرحيات، لكن المشكل يعود لعدم الاقتراب من الرواية ومطالعتها، وبالجزائر تطبع سنويا 300 رواية باللغة العربية ونفس العدد تقريبا باللغة الفرنسية، كما توجد إصدارات جيدة باللغة الأمازيغية، لكن لا تقرأ ولا يهتم بها ويلجأ البعض للمسرح الجاهز بعيدا عن الإسقاطات وعلاقة الروايات بالسياسة، كما أن وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي كان قد طالب أكثر من مرة العمل باقتباس الأعمال المحلية وذلك إلى جانب التوصيات التي نقوم برفعها كل مرة عن أهمية الاستعانة بالنصوص المحلية، التي تبقى دون تجسيد على أرض الواقع. ❊ هل تعتقدون بوجود مسببات للعودة القوية للمسرح السياسي بالجزائر؟ ❊ المسرح الجزائري الذي عرف بالتطرّق للسياسة منذ سنوات، شهد فترة خاصة للتحوّل نحو الاهتمام بالإنسان بدل السياسة، وكنت من بين المسرحيين الذين ساروا ضمن نطاق البحث عن تقديم مسرح يتحدث عن الإنسان والقيم، وظهرت هذه النزعة في كتاباتي بالابتعاد قدر الإمكان عن السياسة وتسليط الضوء على الإنسان.. وفي السنوات الأخيرة، تعرض هذا النوع من المسرح ل "التمييع" ظهر ذلك جليا في بعض الأعمال المسرحية والتلفزيونية، وجرتنا هذه النزعة إلى مسرح ركيك. والعودة للمسرح السياسي، ستتضح أكثر بمرور الوقت وهي رد فعل عن الواقع وعمّا عاشه العالم العربي الذي يعرف فيه المسرح أيضا ثورة وتفجرا للطاقات على غرار تونس، مصر والعراق، وهي عودة جيدة لتشريح الواقع، كما أن للمسرح السياسي عمق جمالي خاص به. ❊ ماذا عن جديد بوزيان بن عاشور؟ ❊ أحضر لإصدار رواية باللغة الفرنسية ستنزل إلى المكتبات قريبا عن دار نشر وطنية وتحمل عنوان "صابر ينال"، كما أحضر لتقديم نص مسرحي جديد بعنوان "مكاحل المحنة" للكاتب العالمي "برتولت براش" عن روايته "بنادق من أم كرار"، وقد سلم المشروع من طرف جمعية مسرحية محلية للجنة خاصة بوزارة الثقافة من أجل الحصول على الدعم. ❊ حاوره: رضوان قلوش