اعتبر الوزير الأسبق للمالية والخبير الاقتصادي عبد الرحمان بن خالفة، أن الجزائر تمر اليوم بمرحلة اقتصادية «ظرفية» لابد من استغلالها لتطبيق إصلاحات هيكلية «تثبت قواعد تسيير الاقتصاد لاسيما في المجال السوقي»، وتسمح ببعث اقتصاد قائم على التنافسية بما يسمح بتحسين قيمة العملة وكذا التخفيف من آثار التضخم. وأكد السيد بن خالفة، تعليقا على سؤالنا بخصوص تدهور قيمة الدينار تزامنا مع التراجع الحاد الذي تعرفه عملات بعض البلدان مثل إيرانوتركيا، أن ما يحدث اليوم يمكن تسميته ب»حرب العملات» بسبب التطورات الجيوسياسية التي ألقت بظلالها على بعض العملات. وأوضح في تصريح ل»المساء» أن تقهقر أي عملة لا يعني بالضرورة أن المشكل فيها، ولكن قد يكون ذلك راجع إلى ارتفاع قيمة «العملات المرجعية» ولاسيما الأورو والدولار وهو ما حدث مؤخرا. تراجع العملة راجع لعوامل داخلية وخارجية واعتبر بن خالفة، ما يحدث بالجزائر «له علاقة بما يحدث في البلدان الأخرى، لأن العملات المرجعية ولاسيما الأورو والدولار عرفت ارتفاعا في السوق»، في سياق «حرب عملات» راجعة لنزاعات قائمة بين أكبر الاقتصادات العالمية في المجال التجاري والجيوسياسي «وتتحملها العملات». لكن الخبير الاقتصادي، يرى أنه لا يمكن إرجاع تراجع العملة الجزائرية لهذه العوامل وحدها «فما يحدث بالجزائر من تدهور في عملتها له علاقة بضعف تنافسية الاقتصاد الوطني الذي يفتقد حاليا للحركية المطلوبة من أجل إنعاش قيمة الدينار»، مضيفا بأن «ما نعيشه اليوم من الناحية الاقتصادية يرتبط بوجود حركية انتقالية وإجراءات ثقيلة وأسواق غير منظمة»، ولهذا لا يمكن حسبه توقع استقرار أو زيادة في قيمة العملة خاصة في سياق «ظروف عالمية مربكة». انخفاض العملة مفيد لاقتصاد قائم على التصدير والسياحة ولفت السيد بن خالفة، الانتباه إلى أن تراجع العملة يمكن أن يكون له فوائد، حيث يسمح مثل هذا الوضع حسبه بتشجيع التصدير وكذا السياحة، مستدلا بما حدث في تركيا هذه الأيام، حيث تم الإعلان عن ارتفاع في الحركية السياحية بنسبة تتراوح بين 2 و5 بالمائة لأن عملتها تراجعت. غير أن مثل هذه العوامل لا تستفيد منها الجزائر التي عرف دينارها تراجعا بحوالي 50 بالمائة نظرا لغياب اقتصاد قوي يقوم على التصدير وكذا غياب السياح الأجانب. وهو ما دفع السيد بن خالفة، إلى التركيز على أهمية وجود حركية في الاقتصاد قائلا «عندما يتحرك الاقتصاد فإنه في كل الأحوال يستفيد البلد»، موضحا في هذا الخصوص بقوله «إذا ارتفعت العملة تكون هناك قوة شرائية، وإذا انخفضت فإنها تعطي دفعا للبيع سواء تعلق الأمر بالسلع أو الخدمات». يذكر أن بنك الجزائر حدد سعر الدولار الأسبوع الماضي، ب116,27 دينارا عند الشراء و123,37 دينارا لدى البيع. فيما حدد قيمة الأورو ب135,10 دينارا للشراء و143,39 دينارا عند البيع. وكان سعر الدولار قد حدد في الفترة الممتدة من 29 جويلية إلى 4 أوت الجاري ب115,84 دينارا عند الشراء و122,91 دينارا عند البيع، فيما حددت قيمة الأورو ب135,75 دج عند الشراء و144,05 عند البيع. التضخم بنسبة 10 بالمائة غير وارد من جانب آخر تطرق الخبير الاقتصادي، لمسألة التضخم وذلك على خلفية نشر أحد المواقع الإحصائية العالمية «ستاتيتا» لأرقام حول توقعات التضخم في الجزائر من 2018 إلى 2022، والتي أشارت إلى أن اتجاهات التضخم ستعرف تصاعدا، حيث قدر المصدر نسبة التضخم للسنة الجارية ب 7,4 بالمائة، فيما توقع أن تصل الى 7,6 و7 بالمائة في 2019 و2020 على التوالي، وإلى 9.1 بالمائة في 2021 و10.9 بالمائة في 2022. أرقام أبدى بن خالفة، رفضه لها معبّرا عن اقتناعه بأن نسبة التضخم لن ترتفع إلى هذه المستويات بالنظر إلى جملة من المعطيات أهمها أن أرقام الديوان الوطني للإحصاء «المعترف بها دوليا» تناقض هذا الاتجاه، حيث قدرت نسبة التضخم بين 4 و5 بالمائة. كما أشار إلى أن الاقتصاد الوطني ورغم افتقاره للحركية المناسبة «لا يعرف ركودا»، حيث تقارب نسبة النمو المتوقعة حسبه 3 بالمائة رغم أنها تتحقق بفضل استثمارات الدولة وهو ما يدعو للتحفّظ على حد تعبيره. الدولة تتحمّل آثار التضخم بفضل الدعم وذكر الخبير المالي في سياق متصل، بأن الجزائريين لا يحسون بآثار التضخم مقارنة بغيرهم في بلدان أخرى عرفت ارتفاعا كبيرا في نسبة التضخم، مرجعا ذلك إلى كون المداخيل المتغيرة تطغى على المداخيل الثابتة (الأجور)، فضلا عن الدعم الهام الذي تقدمه الدولة للمواد الأساسية الغذائية ومواد أخرى مثل الطاقة والسكن والذي قال إنه الأعلى في المنطقة، ما يعني أن «الدولة حاليا هي التي تتحمّل آثار التضخم وليس المواطن». وأكد أن المشكل المطروح حاليا، عند الحديث عن التضخم هو ما يحدث في الأسواق من ظواهر المضاربة والاحتكار والتخزين، مشددا على ضرورة «ضبط السوق وليس مراقبته»، حيث اعتبر أن ما يزيد من الأسعار ليس عوامل اقتصادية وإنما عوامل بشرية وعلى رأسها المضاربة. أما بخصوص تأثيرات التمويل غير التقليدي فإن الخبير اعتبر أن ذلك مرهون بأمرين هما تجاوز مدة 5 سنوات المحددة للجوء إلى هذه الصيغة التمويلية والاتجاه التصاعدي لقيمة هذا التمويل من عام إلى آخر. وأوضح في هذا الصدد أنه «لابد ألا يستمر التمويل غير التقليدي فوق الزمن المتفق عليه أي في حدود 5 سنوات، حيث ينبغي على الدولة أن تخلق خلال هذه المرحلة اقتصادا يدر موارد حقيقية تهضم الموارد النقدية، لأن التمويل غير التقليدي هي سلفة للدولة لابد من سحبها خلال 5 سنوات، وفي حال استمر أكثر من ذلك وبكميات متصاعدة قد يشكل ذلك خطرا على زيادة التضخم». وعن توقعاته في هذا الإطار أشار بن خالفة، إلى أن التضخم سيرتفع إلى حدود 6 أو 6.5 بالمائة، مشيرا إلى أن الجزائر تمر اليوم ب»مرحلة ظرفية لابد من معالجتها الآن»، تجنبا للوقوع في وضع أكثر صعوبة في السنوات المقبلة. ❊ حنان/ح