* email * facebook * twitter * linkedin بفوز المترشح عبد المجيد تبون، رئيسا للجمهورية كثامن رئيس للبلاد، يكون فصلا من الأزمة السياسية قد طوي من خلال سد الفراغ القانوني في أعلى هرم للسلطة، والذي دام لمدة تسعة أشهر منذ انسحاب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، من الحكم شهر أفريل الماضي. وما تبع ذلك من تأجيل للاستحقاق الرئاسي الذي كان مقررا يوم 4 جويلية بطلب شعبي، وبغض النظر عن نسبة المشاركة الشعبية في هذا الاستحقاق الذي يأتي في ظروف استثنائية تمر بها البلاد، إلا أنه لا بد من الإقرار بأن للرئيس الجديد مهمة صعبة لا يحسد عليها، لاسيما وأنها تتزامن واستمرار المسيرات السلمية وارتفاع سقف المطالب السياسية والاجتماعية للمتظاهرين. ولا يختلف اثنان حول كون مهمة الرئيس الجديد سترتكز أساسا على رفع التحديات المتعددة، والإرث الثقيل الذي أفرزته الحقبة الأخيرة والتي مازالت أثاره وخيمة على الراهن السياسي للبلاد، وما انجر عنها من محاكمات قضائية للعديد من الوزراء السامين والإطارات الذين زجوا في السجن بسبب تورطهم في قضايا فساد، حيث سيكون الرئيس الجديد أمام تحدي مواصلة تطهير البلاد من المال الفاسد، والمتورطين الذي أضروا بالاقتصاد الوطني. وبلا شك فإن الوافد الجديد على قصر المرادية سيلعب بادئ ذي بدء، على ورقة كسب ود الحراكيين الذين غازلهم خلال حملته الانتخابية، من خلال تقنين مطالبهم في التعديلات الجديدة للدستور، التي يعتزم إدخالها كأول خطوة في برنامجه الانتخابي، فضلا عن الفصل بين السلطات تعزيزا لمؤسسات الدولة وضمان استقلالية القضاء. وذلك موازاة مع فتح حوار شامل مع المعارضة، رغم أن المهمة ستكون صعبة في البداية باعتبار أن الحراك يضم شرائح متعددة ومنهم الراديكاليون المؤكد أن الرئيس المنتخب سيعمل في مرحلة أولى على إبداء المرونة مع الحراكيين من باب زرع الثقة وإضفاء الاطمئنان في النفوس، لاسيما فيما يتعلق بموضوع الإفراج عن معتقلي الحراك التي تعد من أبرز المطالب، فضلا عن مواصلة مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة التي وعد تبون، "المترشح" باستعادتها في حال فوزه. وبذلك سيكون الوافد الجديد إلى قصر المرادية أمام مسؤولية رفع هذا التحدي الصعب، الذي من شأنه أن يعزز موقعه كرئيس جديد في حال الوفاء بهذا الوعد في بداية عهدته، علما أنه وضع مسألة مكافحة الفساد كأولوية عند تعيينه كوزير أول سنة 2017، حيث شغل المنصب لمدة شهرين فقط، لتتم إقالته فيما بعد بسبب مواقفه التي أغضبت أطرافا تبين اليوم تورطها في قضايا الفساد. ويمكن القول إن بداية العهدة للرئيس الجديد، ستركز في مرحلة أولى على تسريع إعادة الأمور إلى نصابها ووضعها على السكة، لاسيما بعد الفراغ القانوني الذي انعكس سلبا على الجانب الاقتصادي للبلاد، غير أن ذلك يبقى مرتبطا كخطوة أولى بتسوية الملفات السياسية التي تؤرق الشأن العام، ما يعني أن الأشهر الأولى للرئيس المنتخب الذي سيكون مجبرا على التحلي برحابة صدر كبيرة، تستدعي منه العمل من أجل الوصول إلى أكبر نسبة من التوافق بين مختلف التوجهات السياسية داخل المجتمع. ويراهن رئيس الجمهورية الجديد، على تحقيق أهداف اقتصادية لإعطاء دفع قوي للاقتصاد الوطني، أبرزها تحقيق نمو الناتج المحلي الخام خارج المحروقات، وزيادة دخل الناتج المحلي الخام عن كل نسمة وعصرنة القطاع الفلاحي التي تسمح ببلوغ هدف الأمن الغذائي وتطوير قدراته في تنويع الصادرات، تخفيض مستوى الاستهلاك الداخلي للطاقة بفضل نموذج طاقوي جديد يرتكز على العقلانية والفاعلية الطاقوية، وتنويع الصادرات التي تسمح بدعم تمويل النمو الاقتصادي السريع. وبلا شك، فإن تجربة الرئيس الجديد في العمل الحكومي، لاسيما فيما يتعلق بقطاع السكن الذي يعد من أبرز الملفات التي تؤرق الجزائريين، من شأنها أن تعطي دفعا جديدا لهذا القطاع، لاسيما وأنه حظي في السابق بإشادة شعبية في هذا المجال، والأمر نفسه بخصوص الاستجابة إلى انشغالات الشباب لاسيما فيما يتعلق بتوفير مناصب الشغل. كما ستكون أمام الرئيس الجديد مهمة ثقيلة على المستوى الدبلوماسي، لاسيما بعد غياب الجزائر لأشهر عن ملفات اقليمية وجهوية حيوية، كالملف الليبي وقضايا الساحل، مما يستدعي إعادة عقارب الساعة إلى مكانها وفق منهج جديد لا يشخصن ولا يختصر السياسة الخارجية في فرد واحد، بل في دولة لا تزول بزوال الرجال.