تفضل بعض العائلات الجزائرية، تلقين أطفالها منذ نشأتهم اللغة الفرنسية، فتفضل الأم بالخصوص الحديث مع أبنائها بلغة "موليير" باعتبارها "لغة العصرنة" التي تتماشى مع التقدم والتحضر، ونظرا لإنتشار تعميم وتغليب الفرنسية كلغة تعامل مع الأطفال الصغار على حساب لغة الأجداد سواء كانت عربية أوأمازيغية، وحتى الدارجة، حاولنا معالجة الموضوع، لمعرفة ماهي الأسباب التي جعلت بعض العائلات تفضل الفرنسية لاغير كلغة تواصل مع الأبناء. تقول السيدة (نوال.ب)، أم لطفلين وإطار في إحدى المؤسسات الخاصة: "لدي ابن وبنت الأول يبلغ سنه 7 سنوات والبنت 4 سنوات، أنا أتكلم مع أبنائي باللغة الفرنسية، ولا أجد أي حرج في ذلك أو أي عقدة مادام أنهما سيتعلمان العربية لامحالة في المدرسة"، ومثل هذه السيدة يوجد العديد من الأشخاص الذين يتعاملون مع أبنائهم بمثل هذه الطريقة، فبالنسبة لهم من الضروري أن يتعلم الأطفال اللغة الفرنسية، في بداية عمرهم وأن العربية، تبقى اللغة التي يتعلمها، حين يدخل المدرسة هذا مايراه (عبد الكريم.ب) طبيب أخصائي، الذي يقول "أنا درست في المدرسة الجزائرية، وقد وجدت صعوبات كثيرة، عندما حصلت على البكالوريا وانتقلت الى الجامعة وهذا بانتقالي من الدراسة بالعربية الى الفرنسية مباشرة، لهذا أرى أنه من الضروري الآن، أن نعلم أبناءنا اللغة الفرنسية منذ الصغر حتى لا تكون اللغة عائقا لهم، خاصة في الجامعة". ويعد هذا من بين الأسباب الاولى التي تدفع بعض العائلات، الى تفضيل اللغة الفرنسية، فالتعليم يتم الى غاية المرحلة النهائية باللغة العربية، في جميع المواد، سواء علمية أو أدبية لكن بالانتقال الى الجامعة، يجد الطالب صعوبات خاصة إذا اختار احدى الاختصاصات التقنية أوالعلمية التي تدرس بالفرنسية، ولهذا لاحظنا أن معظم من يقومون بتلقين أولادهم، اللغة الفرنسية هم من خريجي الجامعات التقنية أوالعلمية كالأطباء والمهندسين والطيارين، والإداريين، وتقول الاستاذة زبيدي، استاذة علم الاجتماع بجامعة الجزائر في السياق "أظن أن هذا الأمر راجع لكون معظم هؤلاء الأشخاص يسعون الى تلقين أطفالهم ثقافة أخرى، ومن جهة أخرى، العادة تجعل مثل هؤلاء الأولياء الذين يمارسون مهنة يتكلمون فيها ويتعاملون فيها بالفرنسية فقط، يستخدمون نفس اللغة مع أبنائهم ففي بعض الأحيان دون قصد أورغبة منهم، لكن هناك آخرون، يرون ذلك تقدما وبرستيج"، وتعتبر هذه الاستاذة أن المجتمع يعرف ديناميكية كبيرة ومتغيرات، من شأنها أن تحدث هذه الهوة مابين الثقافات، ليكون هناك صراع مابين الشخصية والثقافة المكتسبة وثقافة الغير التي تعد لدى بعض الناس أفضل من الثقافة المحلية. وعجل توجه الأولياء الى تعليم أولادهم اللغة الفرنسية ظهور المدارس الخاصة في الجزائر والتي عرفت انتشارا واسعا وسريعا، والتي تعتمد في برامجها على اعطاء الدروس بهذه اللغة الأجنبية، هذه المدارس التي تعرف اقبالا كبيرا، يقول (حمي.ض) "أولادي كلهم في المدرسة الخاصة، وتعلموا الكثير بسرعة كبيرة، ولم اختر هذه المدرسة للافتخار أوالبرستيج، لكن لكون ما تقدمه من دروس خاصة بالفرنسية سيكون مفيدا للأطفال مستقبلا"، وعن مدى خشيته من أن ينسلخ أبناءه عن الشخصية الجزائرية، يقول: "لماذا سيحدث ذلك، فالمدرسة الخاصة مثل أي مدرسة أخرى، يديرها جزائريون والبرنامج أيضا جزائري، غير أنه باللغة الفرنسية فقط، لهذا لن يكون هناك أي مشكل ونحن نبقى دائما هنا، لنربي أولادنا على القيم والاخلاق". وعن الموضوع ترى الاستاذة زبيدي، أن تعليم الأبناء في المدرسة الخاصة فيه نوع من البرستيج، تلجأ إليه العائلات الغنية أوالتي تنتمي الى مستوى اجتماعي وثقافي معين، معتبرة أن اللجوء الى استخدام الفرنسية انسلاخ عن الثوابت الوطنية "فعندما لا نؤمن بثوابتنا، لا نؤمن بلغتنا" لقد تخلينا عن الثوابت التي هي الأساس، الناس أصبحت تهرب من الواقع، وليست لديهم ثقة بالعلم هنا، فالجامعة أصبحت دون مصداقية، لهذا تجد مثل هذه الظاهرة وهذا في كل العالم العربي الذي أصبح سهل الاختراق" تقول الاستاذة التي تصر على القول: "لابد من إبراز الشخصية الجزائرية، حتى في المدارس الخاصة، التي أرى أن اختيارها ثقافي وليس مادي".