تعود الطبعة الأولى لكتاب »أسباب تراجع المسلمين«، للمؤلف المفكر شكيب أرسلان الى 11 نوفمبر 1930، وكانت طبعتها باللغة العربية لأول مرة بالقاهرة، وفي نفس السنة للمفكر رشيد رضا، وتوالت الترجمة مع هاشمي تيجاني وزهير إحدادن. الكتاب يحمل قيمة فكرية لاتزال تتماشى والرهانات التي تواجهها الأمة الإسلامية اليوم، كما يجيب عن تساؤلات محورية تخص »أسباب تراجع المسلمين، وتطور غير المسلمين« التي أراد المؤلف أن تكون عنوانا لكتابه. عرف هذا الكتاب شهرة ما بعدها شهرة، عند صدوره لأول مرة، وكانت المبادئ والأفكار التي نادى بها منهاجا اتخذه جيل من المناضلين والسياسيين عبر العالم الاسلامي أمثال مصالي الحاج من الجزائر، وبورقيبة من تونس، وعلال الفاسي من المغرب، وسوكارنو من اندونيسيا، وجمال عبد الناصر من مصر، وغيرهم من الزعماء في شتى الاقطار والأمصار، كما ألهم هذا الكتاب المهم الكثير من الحركات النهضوية الاسلامية وبعض روادها، كالراحلين عبد الحميد بن باديس ومالك بن نبي من الجزائر. إنه شكيب أرسلان الذي يغوص في المسألة الإسلامية وقضايا المسلمين في عهده والكتاب جملة من المعلومات والتحليلات التي تبقى في مجملها صالحة وتساير راهننا. الفكرة المحور في الكتاب هي أن الإسلام ليس سبب تخلف المسلمين بل بالعكس تماما فإن هذا التخلف يعود الى سلوكيات المسلمين وابتعادها أكثر فأكثر عن تعاليم القرآن الكريم، وهذه الفكرة استلهم منها مالك بن نبي نظريته الشهيرة »قابلية الاستعمار«. شكيب أرسلان من مواليد لبنان (كان تابعا آنذاك لسوريا) ، سنة 1869، شارك في المقاومة الليبية ضد الاحتلال الايطالي وعاش وقتا في العاصمة جنيف، ليتوفى سنة 1946، كان شكيب رحمه الله كاتبا وشاعرا وناقدا أدبيا ومؤرخا ومترجما ورجل سياسة مهتما بشؤون الأمة العربية والاسلامية، ويعمل على نهضته مثله مثل الراحل جمال الدين الافغاني. بدأ شكيب ارسلان دراسته في مسقط رأسه بلبنان، ثم سافر الى دمشق لمواصلة دراسته ليتعلم عدة لغات منها الفرنسية، التركية، الانجليزية والألمانية، وسرعان ما سافر الى ليبيا ليلتحق بصفوف المقاومة فيها عندما احتلت من قبل إيطاليا. اشتهر شكيب بمقاومته فترأس اللجنة السورية - الفلسطينية، كما سعى من خلال عدة مهام لمحاربة وكشف المخططات الاستعمارية في المشرق والمغرب العربيين، مما لفت إليه اهتمام بعض القوى العظمى آنذاك، كبريطانيا وفرنسا وحتى تركيا. الراحل أرسلان كان رجل فكر وثقافة وقد أسس خلال إقامته بسويسرا مجلة »الأمة العربية« باللغة الفرنسية، وقد لاقت نجاحا باهرا في أوساط المناضلين القوميين الوطنيين والمسلمين، كما كان رحالا، فقد زار اوربا، روسيا، الولاياتالمتحدة، والبلدان العربية، فانعكست تجارب هذه الرحلات في كتبه المهمة وفي مقالاته الصحفية المنشورة، منها مثلا كتاباته عن الاسفار، عن الذكريات، دواوين شعرية، تاريخ الأندلس ودراسة عن التواجد العربي في الجنوب الفرنسي، في سويسرا وإيطاليا، كما ترجم أعمال بعض المستشرقين الغربيين (أمريكيين مثلا). تميز شكيب أرسلان في هذا الكتاب بشجاعة وجرأة في مواجهة الذات ومواجهة الامة بأسباب انحطاطها وتخلفها، وهو ما يعرف بالنقد الذاتي الموضوعي. علاقة شكيب أرسلان بالجزائر عميقة، إذ كان مثالا للعديد من المثقفين والسياسيين الجزائريين لما كان يطرحه من أفكار قادرة على تغيير الواقع المر، ومن الذين عرفوا شكيب ارسلان عن قرب واحتكوا به، نجد مثلا مصالي الحاج الذي نصحه أرسلان بضرورة التزامه بمبادئ الوطنية عوض »الماركسية« لأجل النضال فقط لتحرير الجزائر. كما عرفه أبو اليقظان، وسعيد زاهيري، وراسله الطيب العقبي، وتوفيق المدني. أصيب أرسلان بالمرض لينعزل في مدينة بيروت ليتوفاه الأجل في 9 ديسمبر 1946 ولتشيعه جماهير غفيرة عرفانا له بخدماته لأمته التي وهبها شبابه وعافيته وماله. هذه الطبعة للكتاب هي الثانية التي يصدرها المجلس الإسلامي الأعلى بمساهمة وتقديم الأستاذين تيجاني هاشمي وزهير إحدادن.