لايزال الفيلم الوثائقي العلمي شبه غائب عن الساحة الإعلامية عندنا، إذ غالبا ما يعتمد أصحابه على اجتهاداتهم وأبحاثهم الخاصة في ظل غياب إطار مهني قار يضمن الإنتاج المستمر. الصحفي مصطفى بن دهينة من محطة بشار استطاع بإمكانياته المحدودة أن يضع بصمته في هذا الاختصاص، إضافة إلى أنشطة فنية وأدبية أخرى تحدث عنها في لقائه الخاص مع »المساء«. - استطعت الاستمرار في إنتاج الأشرطة الوثائقية خاصة العلمية منها، فكيف كانت التجربة؟ * استطعت منذ التحاقي بمؤسسة التلفزيون إنتاج 52 شريطا وثائقيا (13، 26، 22، 90 دقيقة)، وكلها أشرطة علمية وثقافية واجتماعية وتاريخية. من أفضل الأعمال التي قدمتها »ومازال الوادي يجري« و»نبات الترفاس« و»سمك الرمل« هذا الأخير مثلا الذي تطلب لوحده بحثا معمقا لمدة سنتين كاملتين، ومرافقة البدو الرحل لجلب المعلومات التي لا تتضمنها المراجع العلمية ولا شبكة الأنترنت كما أني وقبل تقديم أي عمل أقنع نفسي بأن عملي سيشاهده آلاف المتفرجين، منهم المختصون والباحثون والمثقفون، وبالتالي علي أن أقدم معلومات موثقة وعلمية، وأن أعتمد في كثير من أعمالي على المراجع الصحيحة، وهو الأمر الذي يكلفني من حسابي الخاص، إذ أقتني الكتب والمراجع العلمية وبعض الأدوات العلمية (كالبوصلة مثلا) كي لا أعرض مجرد صور خالية من المحتوى والتعليق العلمي، فمثلا الشريط الذي أنجزته منذ سنوات عن »نبات الترفاس« كلفني مليونا ونصفا من حسابي الخاص، وأقول لو كل محطة تلفزيونية جهوية في الجزائر أنتجت 3 أشرطة سنويا لكونا ثروة. أما فيما يتعلق بتقنيات تصوير الفيلم العلمي فإن التقنيين والمصورين عندنا ليسوا مختصين، وإنما يكتسبون الاختصاص من التجربة ومع مرور السنوات، فمثلا تصوير حشرة يحتاج إلى تقنيات خاصة. - عصاميتك هذه تعني أنك ربما لم تجد الدعم الكافي، أليس كذلك؟ * للأسف فإن بعض المجهودات تذهب أحيانا سدى بفعل بعض العراقيل المقصودة من طرف أشخاص خاصة أثناء المواعيد والمهرجانات الدولية مثلا فنحن في الجزائر لدينا إمكانيات، ولدينا أبحاث نادرة، خاصة على مستوى الصحراء الجزائرية تستحق كلها العرض في الخارج. - هل تأثرت بمن سبقك في هذا المجال في الجزائر؟ * طبعا فأنا معجب كثيرا بالأفلام الوثائقية العلمية لعبد الله تيكوك مثلا، والمخرج زكريا من محطة وهران، وأتمنى أن أساعد بدوري الشباب في هذا المجال. - لديك اهتمامات بالكتابة الدرامية، وتعاملت وأنتجت بعض الأعمال للإذاعة والتلفزيون. * بدايتي معها كانت منذ السبعينيات من خلال بعض المحاولات التمثيلية الإذاعية والمسرحية إلى غاية بداية الثمانينيات، حيث انخرطت في فرقة الراحل محمد الطاهر فضلاء بالإذاعة الوطنية ضمن برنامج مسرح الهواة. قمت بإنتاج مسرحيات بسيطة أتذكر منها مسرحية »دموع العذارى«، »تجار السموم«، و»اللوحة الخالدة«، هذه الأخيرة التي أدتها الفرقة الوطنية للإذاعة الوطنية، إضافة إلى »وأشرقت شمس الإسلام« وهي تمثيلية إذاعية تاريخية و»نور من السماء« و»الكنز المفقود« (اجتماعية) وكتبت للأطفال »استقالة من القضاء«. وكتبت للتلفزيون »الجوهرة الضائعة« وهي تمثيلية تربوية للأطفال، ومسلسل »العباس بن مرداس« (دراما تاريخية) بموافقة الأزهر الشريف وكتبت »السندباد البحري« وهو تمثيلية اجتماعية وسكاتش »بريق الطمع«، وكل كتاباتي بالعربية الفصحى، ميولي المسرحي هو ما دفعني للعمل في الإذاعة ثم التلفزيون، علما أنني خريج المدرسة العليا للإدارة بالعاصمة، كما أنني اعتمدت على موهبة المطالعة منذ صغري لتأطير موهبتي وتكويني، ضف إلى ذلك احتكاكي المستمر بكتاب السيناريو والمخرجين الذين اعترفوا بإمكانياتي خاصة في كتابة السيناريو. - كيف تفضل أن تختم اللقاء؟ * أفضل اختتامه أولا بملاحظة، وهي أنه على من يتعامل مع الشريط الوثائقي في بلادنا أن يجتهد أكثر وأن يستعين دوما بالمختصين، وأن يراعي جمالية الصورة والصوت، فهي بمثابة توابل العمل حتى يخرج في صور فنية راقية بمؤثراتها الفنية، وليست مجرد حشو أو درس أكاديمي جاف. في الختام أيضا أتذكر الراحل مصطفى بديع الذي أعجب ببعض أعمالي ووعدني أن يخرج السيناريو الذي كتبته (90 دقيقة) بعنوان »الموت على رصيف الحياة« وهي دراما اجتماعية وهي لا تزال تنتظر الإنجاز. وأنا مستعد للإنتاج أكثر وللاجتهاد الى درجة أنني دخلت في محاولات للتأليف الموسيقي (خاصة على العود)، لا لشيء سوى لكي أضع موسيقى أفلامي، فالموسيقى وعنوان الفيلم هما أصعب شيئين لي كمخرج. في الأخير أوجه تحيتي لقراء »المساء« ولكل عمال محطة بشار.