من الطبيعي ومن السياسة، أن تتوجّه كلّ الأنظار نحو الحكومة الجديدة، وقد كرّس رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، نهجا جديدا وسبقا لم يكن موجودا خلال السنوات الماضية، حيث دشّن سلسلة مشاورات مع الطبقة السياسية، من أحزاب وأحرار، الفائزين في التشريعيات، من أجل التشكيلة الحكومية. هو انتصار آخر للديمقراطية الحقيقية والصحيحة، ولبنة جديدة في طريق بناء الجزائر الجديدة، فالحوار والتشاور اللذان كانا مغيّبين ومدفونين في سراديب الأنانية والنرجسية، أصبحا مفتاحا للتقارب والتوافق والبحث الجماعي عن الحلول ومخارج النجدة. لم يعد تشكيل الحكومة "سرًا وحكرًا" مثلما كان عليه في وقت سابق، فقد فتح الرئيس أبواب الرئاسة لقادة الأحزاب والأحرار الفائزين في التشريعيات، من أجل الاستماع ووضع النقاط على الحروف وتبادل وجهات النظر، وعرض المقترحات والبدائل، وهو ما لمّ شمل الطبقة السياسية التي كانت مشتّتة ومبعثرة وتائهة وساكتة ومسكوت عنها وهاربة ومتورّطة ومتواطئة ومهمّشة ومهشّمة لسنوات طوال. لقد أعاد الأسلوب الجديد للدولة، الاعتبار ل"فخامة الشعب"، وللأحزاب وللجمعيات والمجتمع المدني وللإعلام الوطني، وإلى الشباب والنخبة والكفاءات وخرّيجي الجامعات، وأنهى عهدا بائدا، أسّس للفوضى والعشوائية والرداءة وبطانة السوء وحاشية "التكسار"! لقد اختار رئيس الجمهورية وفق صلاحياته الدستورية، وعيّن وزيرا أوّل جديد، ورسم له عند استقباله، خارطة الطريق، بسياج اقتصادي واجتماعي ومالي، وفي ذلك تحديد لمهمة الحكومة الجديدة خلال الفترة القادمة، وإضاءة لدور ومهام كلّ عضو في الجهاز التنفيذي، المطالب أولا بتنفيذ البرنامج النهضوي للرئيس تبون، مثلما سماه الوزير الأول الجديد، أيمن بن عبد الرحمان. الرهان، ليس رهان الحكومة وحدها، وإنما هو كذلك، رهان البرلمان الجديد، المدعو إلى ركوب قطار التغيير الذي انطلق مباشرة بعد رئاسيات 12 ديسمبر 2019، ولا يُمكنه أن يتوقّف إلاّ في محطات، للاستراحة أو ملء الوقود وشحن "البضاعة" اللازمة لإنجاح الإصلاحات وتنفيذ القرارات التي أعلنها رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا. لا يُعقل أن تبقى "المعارضة" تتفرّج أو تتصيّد ما قد تعتبره "أخطاء" ومطبّات، كما لا يجوز لمن "قاطع" الانتخابات من الأحزاب، أو امتنع عن دخول الحكومة، أن يركب رأسه الآن، ويحترف منطق "الحارس المعتوه" الذي يتحرّك أناء الليل وأطراف النهار وفق تخيّلات وتوهّمات لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع! فاز من فاز ودخل برلمان إتمام الإصلاحات، وشارك من شارك في حكومة مواصلة التغيير، فلا طائل الآن، لعقلية الجمل الذي لا يرى إلاّ حدبة غيره، ولا فائدة من الاصطياد في المياه العكرة، ولا معنى لإطلاق "البارود العراسي" من طرف عدميين وسلبيين ميئّسين ومقاطعين ورافضين لكلّ شيء من أجل لا شيء! ها هي حكومة جديدة، وبرلمان جديد، وعلى هؤلاء وأولئك، سواء داخلهما أو خارجهما، إظهار "حنّة اليدين"، من أجل السير نحو الأمام، وتسريع وتيرة بناء "مشروع" الجزائر الجديدة، وقد سقطت أغلب الممهّلات والعوائق وفُسح المجال للمبادرة والاجتهاد والمساهمة في التغيير والخير والتطوير، إلاّ لمن أبى واستكبر أو تجبّر!