لا يُمكن لغير الجزائريين أن يصنعوا مثل التميّز والاستثناء الذي أنتجوه بكلّ براعة، وهم يشجّعون بكلّ فخر ويحتفلون بالنّصر ويستقبلون المحاربين الذين أبانوا بأنهم فعلا مثل "الطير الحرّ"، وهم بذلك من جيل الأوّلين الأحرار والشهداء الأبرار لا يستسلمون، ينتصرون أو يستشهدون. الاحتفالات كانت مميّزة وفريدة من نوعها في كلّ ولايات الجمهورية الجديدة، وحتى في عواصم دول غربية وعربية، أثبتت الجالية المغتربة، أنها امتداد واقعي وفعلي لوطن يستحقّ كلّ الافتخار والاعتزاز والدفاع والهجوم في السرّاء والضرّاء. هي "وان تو ثري.. فيفا لالجري"، تدوّي في كلّ مكان، لتخطف أنظار واهتمام وتحليل الصحافة الدولية، والرأي العام العالمي الذي وقف مدهوشا مشدوها حائرا، يحلّل ويُناقش هذه الظاهرة الموسومة بيافطة "ماد إين ألجيريا"، والتي يُمكن أن يتم استنساخها لكن حقوق التأليف وبراءة الاختراع تبقى دائما جزائرية بامتياز. مشاهد نادرة في شوارع الجزائر.. وأيضا بفلسطين والصحراء الغربية، في رسالة لأولئك الذين لا يريدوا أن يفهموا وقفة ومواقف الجزائر مع المحتلّين والمضطهدين "ظالمين أو مظلومين"، في كلّ مكان وكلّ زمان، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا هو الوعد والعهد الذي قطعه اللاحقون أمام السابقين والأوّلين، وطبعا منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا. استقبال الأبطال وتحيّة الإكبار والإجلال التي حظي بها الرجال والجماهير "المليونية" التي رحّبت بالمحاربين ليلا وقضت معهم ليلة بيضاء باردة، سبقتها ليلة احتفالية أسطورية، احتفاء وابتهاجا بالنّصر المبين، هي كلها مشاهد لا يصنعها إلاّ جزائريون لا يتبدّلون مهما قيل فيهم وعنهم وحاولوا العدوان عليهم. كذلك، كان الاستقبال والتكريم الرسمي لفخر الجزائر من طرف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بحضور كبار مسؤولي الدولة "علامة مميّزة"، ورسائل فارقة واستثنائية، لهؤلاء وأولئك، مفادها أنّ الجزائر لا ولن تتخلى عن أبنائها وأبطالها ومحاربيها الأشاوس الذين يرفعون علم الشهداء في المحافل والمنافسات الدولية. نعم، هو انتصار رياضي لكنه أيضا انتصار "دبلوماسي" وشعبي برع فيه الجزائريون بالداخل والخارج، في الوقوف مع بلدهم، ونصرة ممثليهم في البطولات والانتصارات، وتحفيز كل ناجح وفائز ومنتصر، وحتى إن قضى القضاء والقدر الفشل أو الخسارة أو الهزيمة والعياذ بالله فإن "المحاربين" يعرفون جيّدا كيف يلملمون جراحهم ويواجهون أوجاعهم، وينهضون مجدّدا بكامل قواهم وعزائمهم وكبريائهم، ويحوّلون الهزائم إلى انتصارات تدوّخ الحاقدين والحاسدين والمتآمرين. لن يوقّف الحسد والتآمر والتخابر والغدر إنجازات وانتصارات وبطولات الجزائر الجديدة، فعين الحسود لن تسود، ومهما اختلفت الأزمنة والأمكنة، فإن نفس الأسباب في نفس الظروف تؤدّي حتما إلى نفس النتائج، وبطبيعة الحال فإن ما يجنيه الجزائريون هنا وهناك، هو ثمرة الروح الثورية والقتالية لأشاوس حرّروا هذا الوطن بالنّفس والنّفيس، دون أن ينتظروا جزاء ولا شكورا.